يختبئ "الفجوعي" هذه الأيام خلف كلمات طنانة، مثل الحكمة والدهاء وسياسة الأمور.. وأحياناً خلف كلمات جبانة سطت على قاموس الشعب المسكين، من نوع "مشي حالك".. "مش وقته".. "خليها تجي من غيرك".. "اتقرّص العافية"... أتذكر طفولتنا في مدينة إب حين كنا نتلبس بالشر وب "معايرة" أحدنا وقد ضبطناه بالخوف أو الجبن من مشاركتنا مغامرة، أو مشاغبة، أو بالهرب من دعوة ل "المضاربة" كيف كنا نجري خلفه في كل أزقة الحارة، ونطبل ونصيح" الفجوعي.. الفجوعي". نعيش الآن العصر الذهبي ل"الفجوعيين" وهم – وياللعجب!- ليسوا وحيدين، فلديهم المناصب، ولديهم المؤيدون، ولا ضعفاء بمقاييس القوة: فلديهم الأسلحة، ولديهم الأرصدة، ولديهم المرافقون المدججون، لكنهم استحقوا اللقب عن جدارة، بالرغم من أنهم يختبئون خلف كل الأكاذيب. أحدهم هو الزعيم (لا كذب)، زعيم الفجوعيين، والآخر هو نصير الثورة والمظلومين، لكنه لا يفكر بنصرة واستسماح من ظلمهم، وهناك التاجر الذي كان يبكي و"يعزي" من أجل سواد عيون الدولة اليمنية الحديثة دولة العدل والنظام والمساواة، ثم عند انتهاء "جولة الفجيعة" عاد كما ولدته أمه، رأسمالياً استعبادياً إقطاعياً... أما أعجبهم وأغربهم فهو من يحظى بالإجماع الدولي والخليجي وب "التأييد" الشعبي لكنه أمام الفجيعة أهمل كل ذلك، فلم يرنا من نفسه قوة، وبحث بإلحاح عن "التمديد".
"الفجوعي" ينتقد الفساد، ويترحم على كل العباد، لكنه لايريد منافساً له في هذه البلاد! من خوفه وفجيعته، فإنه يرى كل ذي موهبة، وكل ذي أمانة، وكل ذي عملٍ جاد، وكل ذي دين هملاً لا يستأهل الاحترام، كل احترامه هو لمنافسه الفجوعي على الكعكة الكبيرة التي تسمى "اليمن".
بالرغم من الخوف الكبير المتبادل بينهم، لكن "الفجوعي" لا يقدر على "الفجوعي" ولا يجرؤ عليه، لديهم عهود ومواثيق معمدة: لا يلمس بعضهم بعضاً. لذا فهم يتصارعون في حلبةٍ افتراضية، ويتراهنون على المواطنين المساكين: من يحبون، كم يصبرون. حتى إذا ما انفجروا (أي المواطنيين) اتحدوا عليهم بالقوة والحيلة وبكل رذيلة، حتى يجعلونهم كما كانوا يعودون.. فهم كما وصفهم البردوني رحمه الله: هذي الأكاذيب الجديدة موتٌ له أيدٍ عديدة تنبثُ أوكاراً، طوابيراً عماراتٍ مديدة تُرْدي.. وفوراً ترتدي وجهَ الشهيدِ، وصبا الشهيدة
الفجوعي يحلل ويراهن على الآية الكريمة "قل اللهم مالك الملك، تؤتي الملك من تشاء، وتنزع الملك ممن تشاء" يحاول أن يتحرى أسباب الحلال والحرام حتى يؤتى كل شيء: الملك، المال، الناس! لكنه لن يتفكر ولن يحاول التأمل في قوله جل وعلا "لمن الملك اليوم، لله الواحد القهار" لأن الفجوعي يمارس القهر على المستضعفين، لا يرتاح لشجاعة الشجعان ولبسالة البواسل، يريدهم جميعاً، كما هو فجوعيون، قلقون، متوترون، فيعمل على إزهاقهم بكل سبب، بالجوع ، بالمأوى، بالماء، بالكهرباء، بالطريق، بالأمن..
سيظل الفجوعي هو الأقوى والأدهى، وسيظل هو تاريخ اليمن، ومن سيرسم مستقبل اليمن، سيظل هو الخصم وهو الحكم! وهو لص الثورات، وشارب دماء الشهداء، إلا إذا انبعثنا أطفالاً من جديد من كل حيٍ وزقاق. إخواناً ورفاقاً، نطبق عليه/ عليهم من جميع الآفاق بقرع الطبول وبجعجعة الصراخ، بالكلمة التي ستجعلهم يستعصمون، ولا عاصم لهم منا: الفجوعيين ... الفجوعيين. هيا علينا بهم، إنها مجرد كلمة! الصمت عار..الخوف عار.. ما نحن .... عشاق النهار نبكي.. نحب.. نخاصم الأشباح ..نحيا في انتظار سنظل نحفر في الجدار.. إمّا فتحنا ثغرة للنور.. أو متنا على وجه الجدار لا يأس تدركه معاولنا.. ولا ملل انكسار إن أجدبت سحب الخريف.. وفات في الصيف القطار سحب الربيع ربيعنا ..حبلى بأمطار كثار ولنا مع الجدب العقيم …محاولات واختبار وغداً يكون الانتصار.. وغداً يكون الانتصار عبد العزيز المقالح
ملاحظة: * الفجوعي بالدارجة اليمنية هو الشديد الخوف. * والفجيعة ها هنا هي الخوف الشديد، وليست من المصيبة والفاجعة كما هي بالفصحى.