لم نعد نعيش بمعزل عن التكنولوجيا؛ حتى أولئك الذين لا يعرفون الفيس يسمعون به على الأقل.. التكنولجيا ونوافذها البديعة صاغت لنا حياتاً أخرى لم نكن نتخيلها قبل عشرة أعوام من الآن؛ صنعت لنا المعرفة بأبسط أشكالها ومتطالباتها؛ وربطت لنا القاصي بالداني ؛ ولخصت لنا العالم وما يدور فيه بضغطة زر.
اعتدت أن أعرف كل شيء حولي من خلال هذا العالم..
قابلت أناساً لم أكن لأعرفهم؛ قرأت عنهم؛ وعشت معهم في عالم السطور رغم وفاتهم؛ رأيت عوالم كثيرة ؛ وخبرت تجارب جديدة، وتعرفت على شخصيات فريدة؛ كل ذلك يتم بضغطة زر..
أن تجلس فوق كرسيك وتحدق في الشاشة البيضاء لمدة ساعة أو أكثر ثم تعرف كل شيء في العالم؛ يعتبر معجزة، لم تكن لتتحقق في فترة سابقة؛ ولكنها حدثت بالفعل في عصرنا.
تعلم كل ما يتعلق بالجسد العربي من جروح؛ وتعلم ما يدور في بلدك من مؤامرات؛ وتدور في خلد الآخرين أيضاً وتقرأ ما وراء سطورهم..
شيء رائع بالفعل أن نصبح عالماً مصغراً نشعر فيه ببعضنا البعض، ونتألم لبعضنا البعض؛ ونفرح لأجل بعضنا…
لكن ثمة نقطة هامة يجب أن نركز عليها وهي أن هذه النافذة الرائعة يمكن أن تخلق لنا أشباه بشر؛ فما يحدث حالياً من اندماج شبه كامل بين الإنسان والآلة على حساب علاقته بمن حوله ينبئ بكارثة حقيقية؛ كارثة تلغي هوية الإنسان وتجعله مجرد رقم في العالم الافتراضي…
جميل أن نعيش في هذا العالم، ونفتح نوافذه لنرى العالم من خلاله ولكن ليس على حساب إنسانيتنا؛ بل يجب أن نوظفه بطريقة تخدمنا لا توظفنا في العالم الإستهلاكي الحالي.
هذه النفاذة لن تغلق؛ بل ستتسع وتتسع إلى حد لن نستطيع تخيله اللحظة، لمن ربما بعد أعوام نقول جملتنا الاعتيادية (لم نكن نتخيل هذا قبل عشرة أعوام)!
لذا لزم علينا أن نتكيف مع هذا الواقع بما يخدمنا لا بما يجعلنا مجرد وسيلة في هذه النافذة.