الدور الحقيقي لأي حزب أو جماعة سياسية هو العمل على تحقيق الأمن الغدائي والأمن الشخصي، في المقدمة من ذلك ما تسمى بالأحزاب والحركات الإسلامية، حتى أن الله تعالى حين دعا الله عباده للإيمان به امتن عليهم بنعمتين؛ أنه أطعمهم من الجوع وآمنهم من الخوف، قال تعالى "فليعبدوا رب هذا البيت، الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف". والترتيب القرآني في تقديم الإطعام من الجوع لا شك ذا مغزى مهم، فإن أي أمن يُفرض في ظل الجوع هو أمن ظاهري زائف ينطوي على كبت خطير يستحيل انفجارًا من الرفض عند أول ارتخاء لقبضة الأمن، أو ثورة تقتلع النظم الحاكمة وقبضة أمنها التي لم تكن غير الخوف.
إذا اطمأن الإنسان على رزقه ولم يروع في حياته، عاش بالضرورة حرا، لا يسير إلا وفق قناعا ته المجردة، والحرية مقصد سام من مقاصد الخلق يسري حتى على الواجب الأقدس للإنسان وهو الإيمان بالله، قال تعالى "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، وقال"لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي".
وحين يتعلق الأمر بمن يحمل هم الناس وتولي شؤونهم، فإن الكفر هو الجوع، قال تعالى "أرأيت الذي يكذب بالدين، فذلك الذي يدع اليتيم، ولا يحض على طعام المسكين"، وهذا ما تنبه له باكراً رجل الدولة الأول عمر بن الخطاب في حديثه الشهير عن تعثر بغلة في العراق، ومن بعده عمر بن عبدالعزيز الذي ملأ الأرض عدلاً ورفاهاً.
الاقتصاد أولاً، فحين يشبع الناس ينخفض دافع الجريمة ويرتفع منسوب الأمن والحرص الجمعي، والذي يراقب التراث الفكري للحركات الإسلامية يجده يعطي مساحة أكبر للمؤسسين الذي غالباً لم تتح لهم فرصة للحكم وتولي شؤون الناس، فيما تقل مساحة الاسترشاد بتجربة العُمَرين وهما النموذج الأهم للحكم الإسلامي الراشد الذي كان أولى مهامه تقوية الاقتصاد.
الله عزّ وجل أغنى الأغنياء عن عبادةٍ تدفعها رهبة من سواه، ولذا فإن الشغل على إشباع الناس وتأمينهم هو المهمة الأوجب على المصلحين والسياسيين، فالجياع والخائفون لا يؤمّل عليهم في بناء ولا يعتمد عليهم لنهضة، إنما هم مشاريع ارتزاق أو عبودية وقهر.
إن الشعوب وحتى الإسلامية منها لا تأرز للخطاب الذي يطالبها بالتضحية والصبر، ولكنها تريد من يعدها بالتنمية ويحقق لها الرفاه، وهذا ما فهمه أردوغان ورفاقه واشتغلوا عليه، قبل شغلهم على الحجاب وتقوية إيمان الشعب التركي، وحين واجه المؤامرة ضد مشروعه الوطني الكبير، خرج في الدعاية الرسمية لحزبه يتلو نشيد الوطن كي يهب كل الوطنيين من كل الأديان والأعراق والطوائف لإنقاذ هذا الوطن، الوطن الذي هو أمن مستتب ودخل فرد أعلى بعشر مرات!