حتى هذه اللحظة ما يزال الجدل محتدماً حول دخول الطيران الحربي على خط معركة الدفاع عن عمران مؤخراً.. البعض يذهب إلى أن الطائرة أقلعت قضاءً وقدراً، والبعض يعتقد أنها أقلعت نزولاً عند رغبة علي محسن وبيت الأحمر، والبعض يعتقد أن العميد القشيبي ربما استخدم واحدة من أدواته السحرية لتحريك الطائرة الحربية، وهذا النقاش يؤشر على أن النخبة الشمالية للأسف لم تستوعب بعد الصيرورة التاريخية التي تخبرنا أن اليمن صار موحداً وكبيراً ونظامه الجمهوري خيارٌ ثابتٌ، وأن ليس بوسع أحد إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل 1962 أو قبل 1990، بعد أن تجاوز الوطن أخطر التحديات على وجوده، خصوصاً بعد نجاح مؤتمر الحوار الوطني. الصيرورة التاريخية دفعت إلى رأس السلطة برئيس منتخب، ينتمي للمحافظات الجنوبية، وقد صادف أن اُنتخب في لحظة تاريخية حاسمة، بأكبر عدد من الأصوات التي يفوز بها رئيس حكم اليمن حتى اليوم.. هذا الرئيس هو: عبد ربه منصور هادي، وهو بحكم الدستور القائد الأعلى للقوات المسلحة وبيده قرار إعلان الحرب والسلم، على أمل أن يستمر تقليد تدوير السلطة بين كل مناطق البلاد.
وهذا يعني أن الرئيس هادي هو الذي أشرف ووزير دفاعه، وقادة القوات المسلحة المعنيين، على المعركة في عمران، وقد سبق وأن حذر من أنَّ أمن عمران من أمن العاصمة صنعاء.
هل كان يعتقد هؤلاء أن الرئيس الذي تلقى علومه العسكرية في أرقى كلية حرب في العالم: كلية سانت هيرست الملكية في بريطانيا العظمى، لا يفقه الأبعاد الاستراتيجية لتحركات المليشيا الحوثية المسلحة وحلف تعطيل التسوية الذي يدعمها في شمال العاصمة، وهو حلف موتور بالتأكيد، يتحرك بجنون مدفوعاً بالفراغ الناجم عن فقدان الشعور بتخمة السلطة والتسلط، والحلف نفسه هو الذي يغذي عبر صحفه ووسائل إعلامه هذا النوع من النقاشات السخيفة حول من حرّك الطائرة، ومن أمر بإقلاعها.
هؤلاء يعتقدون أن "جدار السماء" مقامٌ على حدود هذه المنطقة الموجودة في الركن الشمالي الغربي من خارطة ما يفترض أنها الجمهورية اليمنية.
المسألة بسيطة للغاية، دعونا نحتكم لمخرجات الحوار، ونتخلص طواعية عن فائض القوة الذي تراكم عند البعض منا نتيجة تراكم سنوات السلطة والتسلط، ونتيجة استسلام البعض لنزعة التطرف المذهبية والجهوية، ولانخراط البعض في لعبة التجاذبات السياسية والإملاءات الإقليمية، ونتيجة التحويلات التي تفد إلى مختلف الأطراف، من الحسابات الخاصة بالمخابرات الأجنبية.
المطلوب أن نُعيد الأسلحة إلى مخازن القوات المسلحة ونوجه الشكر للذي أخرجها عندما أخرجه الشعب في ثورة غير مسبوقة، ونسارع في حل المليشيات ونساهم في إعادة دمجها بالمجتمع.
دعونا نتهيأ من الآن فصاعداً للقبول بفكرة العيش المشترك كمواطنين، على قدم المساواة تحت مظلة دولة وطنية وقانون محترم ونافذ.. بالتأكيد سنعيش بكرامة كما تعيش الشعوب المتحضرة والمرفهة في الغرب.
ومن يدري ربما تصبح ملابسنا أكثر نظافة، ومظهرنا أكثر قبولاً، وطعامنا أقرب إلى ما يأكل البشر، وحياتنا اليومية وعلاقاتنا الأسرية والاجتماعية، تختلف كثيراً عن حياة القطط السنورية، وربما نصبح أكثر احتراماً للمدرسة والجامعة وأكثر اهتماماً بالمرافق الصحية، وبنظافة الشوارع والفضاءات، وأكثر بعداً عن أقسام الشرطة وأقسام الطوارئ في المستشفيات، وعن المحاكم الابتدائية، ومحاكم الأموال العامة، والمحاكم الجزائية الخاصة.