بعد سقوط نظام المخلوع مباشرة بدأت أجهزة إعلام نظامه البائد بنشر الدعايات والبكائيات عن الزمن الجميل الذي ولى والذي كان يزخر بالأمن والأمان، وحتى قيل إن الراكب كان يسافر من صنعاء إلى حضرموت بدون خوف من شدة الأمن والأمان، وهذا استغلال رخيص للأحاديث النبوية الشريفة وتأويلها على زمن مختلف، وطبعاً هذا كله على أساس أنه لم يكن هناك قطاعات قبلية ولا اغتيالات ولا أزمات في الكهرباء الغازية أو النووية أو أية تهديدات بالجفاف، ولم يكن هناك أي وجود للقاعدة أو الحراك في الجنوب أو المليشيات الإرهابية في الشمال، فهي فقط من صناعة قناة الجزيرة (الصهيونية) كما يتم الترويج. وخلاصة الحملة الإعلامية الشرسة هي أن الوضع قبل ثورة الشباب كان أفضل من الوضع الحالي، وهذه الحملة هي نفسها التي حدثت بعد ثورتي 26 سبتمبر في الشمال و14 أكتوبر، وإن كانت في الجنوب تتم بشكل عفوي بزعم أن النظام الاستعماري نظام حضاري ومنضبط وملتزم في مواعيده، بعكس ما يتم الترويج له في الشمال وخاصة من الطبقة التي فقدت كل مميزاتها، فمثلاً إن اليمن في فترة الإمامة قامت بإنقاذ العالم من المجاعة بسبب الحرب العالمية لأن العالم مشغول بالحرب ولم يتفرغ للزراعة حتى أتت اليمن بأساليبها البدائية في الزراعة لتطعم العالم أجمع، وأيضاً ككل نظام بائد لابد من الحديث عن الأمن والأمان، فكان يتم الترويج لعدالة خرافية جعلت الإمام يربط شجرة ليلقي القبض على مجرم هارب، وغيرها الكثير من القصص التي كانت تنطلي على البسطاء فتثير ذهولهم ودهشتهم، ورغم أن كل تلك المواضيع يصعب تصديقها لأنها خرجت من نظام يميز بين السيد والدوشان، فمستحيل عليه أن يؤمن بمبدأ المساواة أو العدالة بين كل البشر، فمعظم أملاك وأراضي الدولة (وحتى العديد من البشر) كانت ملكاً لطبقة اجتماعية معينة، حتى أن أحد بقايا عهد الأئمة كان يلعن ثورة السادس والعشرين لأنها بحسب زعمه لو لم تقم لكان حاصلاً على لقب أمير.
ولأن مزايا العهد الكهنوتي مجرد قصص وحكايات أقرب إلى الخيال وغير قابلة للتصديق، تظهر الأفلام الوثائقية حجم المأساة التي لحقت بهذا الوطن والمواطنين من جهل وفقر ومرض بصورة لم يشهد لها مثيل سوى في أدغال أفريقيا والتي لم تتواصل مع الحضارة البشرية قط.
ولذلك تواجه ثورة الشباب الشعبية السلمية ثورة مضادة تدعي بأن الثورة سرقت وأنها لم تحقق أهدافها، بل إنها جعلت الوضع أسوأ مما كان، وتطالب بالاعتذار لمن قامت الثورة ضده، فرغم ضراوة هذه المحاولات إلا أن مصيرها الفشل في النهاية، فمن تنفس نسائم الحرية يستحيل عليه أن يعود إلى عهود الظلام.