أن يحل مدفع الحوثي بديلاً عن مدفع الإفطار التقليدي العتيق في رمضان هذا العام، تبدو فكرةً مرعبة للغاية، كوننا غير مصدقين أن جحافل المسيرة القرآنية ترابط في الجراف لمجرد أن الرئيس هادي حذرهم مراراً من تجاوز الخطوط الحمراء، نكون كالطفل الذي وضعت بفمه "كذابة" ليرضع الوهم. لم يكشف فخامته عن نقطة التماس على الأرض التي وضع عندها خطوطه الحمراء تلك، بودي لو يحجم عن ذكرها مجدداً حتى لا تتحول مادة للحشوش الساخر، ونتحول نحن ضحية الركون لكذابة مخادعة. الحديث عن خطوط حمراء لا يعني سوى اعتراف ضمني بندية الصراع وفق المعايير الدولية لحرب دولتين تتمتعان بالاستقلالية التامة، وأن صعدة والمناطق الخاضعة لسيطرة جماعات الحوثي الممتدة حتى عتبة القصر الرئاسي هي مناطق لا مظاهر فيها تدل على تبعيتها للجمهورية اليمنية، وهي تخضع لأنظمة وقوانين عبدالملك، فلا عزاء للسيادة الوطنية، والأمن القومي مجرد جهاز ما زال علي صالح ممسكاً بريموت توجيهه، (يتحدث الحوثيون عن معرفتهم بأي حملة عسكرية ضدهم قبل تحركها الفعلي من العاصمة).
قد يكون من الإجحاف تحميل هادي كامل المسؤولية في الظروف الراهنة، يبد أننا بحاجة إلى الثقة اللازمة لحصانة سلمنا الاجتماعي ونحن نخاطبه ابتداءً كقائد لنا نتوسم فيه الشجاعة الكافية التي تبقينا على قدر من الشعور بالأمان بالمستقبل، تتجول جماعات الحوثي في شوارع العاصمة كما تفعل في صعدة تماماً بنشوة الواثق من القصر، (نعم القصر وليس النصر)، ثمة حاجة ملحّة للتعاضد العاجل بين من يستشعرون معنى سيطرة الجماعات الحوثية المسلحة وهم غالبية الشعب بكل تأكيد وبين هادي كرئيس وقائد. يحتاج هادي للإسناد الشعبي منا كشعب، كما نحتاج نحن أيضاً من هادي تفسيرات عملية تدحض هواجسنا الحائرة لمغزى التعامل الناعم الذي يتبعه مع جماعات متمردة باتت على عتبات دار الرئاسة. يعتصم العشرات من أبناء عمران أمام منزل الرئيس وقبل ذلك قالوا له بالحرف الواحد "نطلب أن تنظر لمحافظة عمران تماماً كمحافظة أبين" هذا ما نسميه المواطنة المتساوية، أن تمارس القبيلة التي نعتقد أنها لا تجيد سوى لغة السلاح بمختلف اللغات في التعبير عن مطالبها اعتصاماً سلمياً أمام منزل الرئيس ويطالب أبناؤها بالمواطنة المتساوية ولو على طريقتها البسيطة في التعبير.
يمكن وصفها بأنها محاكمة تاريخية بأثر رجعي لمن ظلوا يوهموننا بأن الدولة وسلطاتها والقبيلة وأعرافها تمثلان خطين متعاكسين لا يلتقيان، رسخ النظام السابق تلك المفاهيم الكاذبة كاستراتيجية حكم تختزل القبيلة في شخص شيخ يحظى بامتيازات نظير الولاء المطلق، ها هي القبيلة تشن ما يمكن تسميته بالهجمة المرتدة باحثة بأسلوب حضاري غاية في الروعة عن قيم الدولة وواجباتها، وتتحدث بعقليتها التي حسبناها وعرة صعبة المراس عن حقوق المواطنة والعيش بعيد عن متارس الاحتراق وروائح البارود، من الطبيعي القول أن همجية جماعة الحوثي وغطرستها هي التي دفعت بالقبيلة للاعتصام بحبل الدولة، وهو شيء جيد على الرئيس هادي أخذه في الحسبان ونهج الطريقة ذاتها التي استطاع بها إعادة الحراك الجنوبي إلى حظيرة الدولة، وإخماد نزعته الانفصالية المتطرفة، لإعادة ثقة القبيلة بالدولة وإخراجها من ديوان شيخ اتخذ من ولائها له كعرف قبلي وسيلة لعقد الصفقات والحصول على الأموال لمن يدفع، دون وضع مصلحة القبيلة كأفراد ومنطقة في الاعتبار، وهو السبب الذي حرم القبيلة من نيل حقها في الخدمات الضرورية والاندماج مع محيطها الديموجرافي ومواكبة تطورات العصر.
الحوثي الآن يدفع بسخاء للمشائخ مقابل أن يدفعوا هم بقبائلهم إلى العودة لما هو أبشع من مجرد الولاء الأعمى لجماعة استثمرت غياب الدولة، وإنما إلى عهود الظلام السحيقة وقطع كل قنوات التواصل مع عالم ما عاد للأفكار الظلامية قبولاً في مسيرة تطوره.