الفرق بين نموذج أردوغان والنموج الإخواني في المجتمعات العربية أن أردوغان اعتمد في استراتيجية البناء التي نهضت بحزب العدالة والتنمية ومن ثم بالجمهورية التركية على تدشين مشروع البناء بتعريف واضح للإطار الحامل للمشروع وهو حزب سياسي أولاً. من ثم الانطلاق من داخل المجتمع على أساس تبني برامج سياسية واجتماعية واقتصادية نابعة من حاجة المجتمع التركي، وتضمنت هذه البرامج واقعياً وعملياً قيم العدالة والحرية الإنسانية والديمقراطية قيماً ونظاماً، داخل الحزب وخارجه، قبل وصول الحزب للسلطة وبعد وصوله.
ومع أن خلفية أردوغان وغالبية المجتمع التركي إسلامية، إلا أنه اعتبر الحديث عن تبني برنامج ينص على استعادة المرجعية الإسلامية للمجتمع وللدولة كأيديولوجيا ونظام يعتبر برنامجاً قائماً على الوهم.
هذه الاستراتيجية التي انتهجها نموذج حزب العدالة والتنمية بخلفيتها الفكرية الإسلامية المنظمة لممارسة السياسة بطريقة منفتحة وعلمية اعتمدت على النباء الأفقي من داخل المجتمع، وسمحت ببناء مقومات مجتمع ترسخت فيه قيم الحرية والعدالة والبناء الديمقراطي، وأنتجت دولة تعبر عن المجتمع وتجسيداً له، وأصبح بمقدور المجتمع التركي مماسة شعائره الإسلامية ومنها الحجاب باعتبارها حريات نصت على حقوق الإنسان وليس باعتبارها تطبيقاً لمنهجية الشريعة الإسلامية.
استطاعت هذه الاستراتيجية أن تعيد تعريف معنى الإسلام باعتباره مجموعة قيم أخلاقية ومادية إنسانية وتنموية وحضارية.
نموذج البناء التركي الذي انتهجه حزب العدالة والبناء وزعيمه أردوغان "الطريق إلى السلطة"، بدأ من بناء الذات على أسس من الحرية والديمقراطية الداخلية ومعايير الكفاءة واحترام قيمة الفرد وتوظيف قدراته وطاقاته، ثم الانتقال إلى داخل المجتمع على أساس برامجي نابع من حاجة الناس.
نجحت استراتيجية أردوغان في الوصول إلى نهاية "الطريق إلى السلطة" ومن خلال السلطة ومؤسساتها، استعاد المجتمع التركي حريته في ممارسة الظواهر التي تميز هويته الإسلامية.
هي استراتيجية نقيضة تماماً لاستراتيجية حزب الإصلاح في اليمن والحركات الإسلامية السياسية في المجتمعات العربية بشكل عام، إذ تحاول استراتيجية الإسلام السياسي العربي وعلى رأسها استراتيجية حزب الإصلاح، على إعادة تشكيل المجتمع من خلال السلطة، دون التركيز على بنائها الذاتي كأشكال تنظيمية ودون الاعتماد بشكل استراتيجي على البناء من داخل المجتمع، واقتصرت على تركيز جهودها وآلياتها ومقوماتها في التفكير لكيفية الوصول إلى السلطة أولاً.
قبل ذلك، تعتمد استراتيجية حزب الإصلاح في بنائها ونظامها الذاتي على آليات ووسائل ومنجهية لا تقوم على أسس وقيم المعنى الحقيقي للإسلام وأهمها الحرية والفكر والتفكير الحر والعدالة والديمقراطية الداخلية، بشكل مغاير كلياً لنموذج العدالة والتنمية التركي.
نقيضاً لاستراتيجية أردوغان التي اعتمدت في استقطاب الناس على برنامج واقعي يرتكز على تبنيه لحاجات الناس الواقعية، يعتمد الإصلاح والحركات الإسلامية العربية في استراتيجية الاستقطاب على نفس الوسائل والآليات والمنهجية التي اعتمد عليها حزب السعادة وزعيمه أربكان وهي المنهجية التي تمرد عليها أردوغان لكونها قائمة على الوهم وغير واقعية وعبثية، ناهيك عن كونها عامل انقسام داخل مجتمع متعدد.
لا يزال وهم المرجعية الإسلامية يجر عقل النخبة التي تقود حزب الإصلاح، كما أن هذه النخبة تعتقد أن الشعبية الكبيرة التي حصلت عليها، إنما هي بسبب تبني الحزب للمنهج الإسلامي، وهذا اعتقاد يجهل الأبعاد الحقيقية لحصول الإصلاح على هذه الشعبية، ومن أهم هذا الأسباب فساد وعبث نظام صالح وكذا رفض الإصلاح لهذا الفساد، الذي يبدو أنه بدأ يتجاهل تبني محاربته ورفضه بمجرد وصوله جزئياً إلى بعض مؤسسات السلطة! وهكذا، نستطيع تفسير التخبط الذي أصاب النخبة القيادية في الإصلاح والفراغ الاستراتيجي الذي أصاب الحزب في مرحلة تحول كبير، والذي يعد نتاجاً لهذه الاستراتيجية وبنية تفكيرها وغياب العقل السياسي المفكر.
استمرار الإصلاح على هذا النحو، دون القيام بأي عملية مراجعات شاملة، لن يؤدي إلا إلى خسارته للمجتمع وإلى فشل وصوله منفرداً للسلطة عبر آليات البناء الديمقراطي.