العملية العسكرية التي مكنت الحوثيين من السيطرة العملية على صنعاء هي تتويج لنهج مضاد لثورتي سبتمبر وفبراير لأن جناحي هذه العملية التي صارت تُدعى ثورة هما على علاقة عداء مع الثورتين (الحوثيون خصوم لسبتمبر وعلي عبدالله صالح خصم لفبراير). أتحدث عنا عن ثورة سبتمبر لا بالمدلول الديماجوجي الشائع, بل بقيمها الأصيلة التي لم تتمثلها أنظمة الحكم التي حكمت شمال البلاد قبل الوحدة ثم اليمن الموحدة باستثناء نظام الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي. وفي ظل مواصلة الحوثيين لحشد مسلحيهم وعتادهم إلى داخل العاصمة صنعاء صار الانقضاض على سلطة الرئيس الصوري عبدربه منصور هادي مسألة وقت, وقد تكون مفاجأة الذكرى الثانية والخمسين لثورة سبتمبر حتى يكمل الحوثيون خلق "ثورة" تكون ضراراً لثورة سبتمبر وتطمس تاريخها. وما الاحتفالات الباذخة بإفراغ أطنان من المفرقعات والرصاص في الهواء إلا جزء من هذا المسعى, فضلاً عن الاحتشاد أمس الثلاثاء في ميدان التحرير حيث الرمزية المكانية لثورة سبتمبر. لذلك يضخم الإعلام الحوثي الحديث عن محاولات سلب للمرافق الحكومية, إضافة إلى اختلاق وقائع سلب ادعت وسائل إعلام حوثية أنها وقعت يوم 21 سبتمبر في مقر قيادة الجيش العامة فيما اتضح لاحقاً أن الحوثيين هم من أفرغوا مخازن المقر من عربات وآليات عسكرية. يأتي هذا السلوك الإعلامي الحوثي لتبرير نشر قوات الجماعة داخل العاصمة ومواصلة السيطرة عليها ويمكن لأي مستطلع لحال المؤسسات الحكومية ملاحظة أن المسلحين الحوثيين يتخذون وضعية المراقبين لا الحراس, فيما تضاءل دور القوات الحكومية الموكول لها حراسة المنشآت وليس مستبعداً طردها في الأيام المقبلة. سلطة الرئيس هادي تحت رحمة الحوثيين وهو يدرك ذلك كما صار حلفاؤه الدوليون يدركون. ولعل الاتحاد الأوروبي قد أشار إلى ذلك وهو أكثر من يجيد تقييم الوضع اليمني بين سائر اللاعبين الدوليين. قال الاتحاد في بيانه الأخير "تجب إعادة كافة المؤسسات الحكومية لسيطرة السلطات الشرعية تحت قيادة الرئيس عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية". هذا التذكير بشرعية السلطات وقيادة هادي يرد للمرة الأولى في بيان للاتحاد.