انتهى المطاف بالاعتصام (السلمي) ضد الجرعة إلى محاصرة العاصمة صنعاء وإسقاطها عسكرياً، ومهاجمة النقاط والمراكز الحكومية ونهب المعسكرات، ثم إسقاط المدن والمواقع العسكرية تباعاً، والحصيلة فائض من الدم والفيد والخراب. والحقيقة أن ما حدث لم يكن في معظمه سقوطاً أو إسقاطاً، وإنما عملية استلام وتسليم، تمت جهاراً نهاراً، وهو ما يعزز فرضية "التفاهمات" و"التواطؤ" التي تمت مسبقاً لفرض واقع جديد يتم بناؤه على أنقاض تطلعات شباب 11 فبراير 2011.
في ظل هشاشة الأجهزة التنفيذية للدولة، وفي مجتمع مسلح يستطيع أي فصيل مجتمعي أو سياسي متوسط القوة أن يحدث من الفوضى ما يوازي ممارسات الحوثي وحلفائه في الأيام الأخيرة. فأين البطولة؟ وما الذي يمكن أن يفاخر به هؤلاء المغفلون اليوم أو غداً؟
العقل السياسي لجماعات العنف صغير، وإن بدت بعض ممارستها ناضجة لوهلة، فإنها سرعان ما تعود لطبيعتها الأصلية التي لا تعترف سوى بلغة الدم.
جماعات الأنصار في اليمن "أنصار الله" و"أنصار الشريعة" تنتهج ممارسات متشابهة في نشر الخوف والفوضى وإدارة التوحش، ولا يكفي القول إن الثانية تمارس قطع الرقاب بينما تكتفي الثانية بالتفجير بالديناميت كدليل على الافتراق.
تمارس القاعدة (أنصار الشريعة) عملياتها الإجرامية بلا عقل سياسي وبدون أي أفق للمستقبل، وتدير جماعة الحوثي عملياتها التوسعية والتفجيرية بعقل سياسي صغير، ممتلئ بالزهو والغرور. فمنذ اجتياح الميليشيا وحلفائها لصنعاء أو (تسليمها صنعاء) في 21 سبتمبر الماضي، هل يمكن إجراء عملية حسابية بسيطة لحجم المكاسب والإنجازات السياسية التي حققتها الجماعة؟!
العقل الميليشياوي الصغير يقيّم الإنجازات السياسية ويربطها بالبندقية وبعربة الديناميت فقط، ولا تعنيه قناعات الناس، أو الحفاظ على أي قدر من كرامتهم أو خصوصياتهم.
كان بإمكان الحوثي بعد سيطرته على صنعاء، أن يسارع إلى ترميم صورته الميليشياوية، ويبدأ بفرض شروطه، وجني المكاسب السياسية الكبيرة، لكنه عوضاً عن ذلك اتجه لاقتحام غرف النوم، ونهب المعسكرات، ثم التوسع جنوباً وغرباً نحو الحديدة وإب وتعز، المخزون السكاني الأكبر لليمن، الذي لا يتمتع فيه بحاضنة اجتماعية أو سياسية!
انظروا فقط إلى حجم الاستياء في كتابات النخبة التي كانت حتى وقت قريب تتعاطف مع جماعة الحوثي، بل وحتى على مستوى المواطن البسيط فإن كل ما حدث ويحدث بعد 21 سبتمبر أمنياً واقتصادياً سيكون الحوثي هو المسؤول الأول عنه أمام الشعب.
اليمن أكبر من أن تبتلعه ميليشيا مسلحة بكل تحالفاتها المحلية والإقليمية والدولية. صحيح أن الحوثي وحلفاءه نجحوا في إنتاج معادلة جديدة لكنهم فيما يبدو سيعجزون في حلها، وما يزال أمامنا في اليمن طريق طويل لبناء الدولة، ولإقناع من أدمن العنف أن طريق السياسة هو الأجدى له وللوطن.