الأسبوع الماضي كان اليمن على موعد مع الاحتفال بذكرى بثورة (11فبراير 2011) الشعبية الشبابية.. ولأن الذين احتفلوا بها كانوا في فسطاطين مختلفين؛ فقد كان أمراً مربكاً عند المتفرجين تحديد أي الفريقين كان صادقا في احتفاله بالثورة: فسطاط الحوثيين.. أم فسطاط القوى الأخرى المعارضة لهم! السمة الوحيدة التي تميز مصداقية المحتفلين في هذا الفسطاط أو ذاك.. وتكشف من كان الأم الحقيقية ومن كان الأم المزيفة يمكن فهمها من طبيعة الإجراءات والحوادث التي جرت على الأرض أثناء الاحتفالات والمسيرات، والشعارات التي رفعت.. فمثلا من غير المعقول أن يقال إن الحوثيين كانوا صادقين في احتفالاتهم بالثورة السلمية وهم الذين سارعوا لتأميم الساحات والشوارع لمنع معارضيهم من الاحتفال السلمي بالثورة! ثم واجهوا المسيرات بالعنف وإطلاق الرصاص، واعتقال المحتفلين واختطافهم.. وهي الأساليب والإجراءات نفسها التي كان يفعلها النظام السابق الذي قامت أصلا ضده الثورة المحتفل بها، وكأن ما حدث الأسبوع الماضي من انتهاكات وممارسات قمعية للمحتفلين السلميين كان عقوبة بأثر رجعي لمشاركتهم في الموجة الأولى من الثورة الشعبية في عام 2011! أما إذا أضفنا إلى ما سبق ما يقال عن مشاركة أجهزة النظام السابق وكوادره الرسمية والشعبية (!) في قمع الاحتفالات وإفسادها، وخطف المتظاهرين من واقع خبرتهم السابقة (!)؛ فاحتفال الحوثيين يصير بذلك ثورة مضادة كاملة الأركان، ويصير من السهول تمييز الثوري الصادق.. والثوري الكاذب في إيمانه بالثورة الشبابية فأبرز معيار لمصداقية ثوار أي ثورة هو إيمانهم بأهداف ثورتهم وتجسيدهم لها في ممارساتهم، وأحد أبرز أهداف الثورة الشبابية الشعبية هو ضمان حرية التعبير عن الرأي وحرية التظاهر السلمي والاعتصام! وكذلك تغيير النظام القديم وليس التحالف معه أمنيا وعسكريا والتماهي معه إعلامياً! اعترافات الدبور فسور! وبمناسبة إنكار المؤتمر والحوثيين وجود تحالف بينهم؛ لفت نظري اعتراف د. سيف العسلي الصريح (على طريقته الهوجاء في الكلام) في عدد "الميثاق" قبل يومين؛ بتحالف حزبه مع الحوثيين ضد الآخرين.. أو كما قال وهو يلومهم على خيانة العهود والمواثيق.. "سرنا معكم (!) ضدهم بعد أن أعطيتمونا (!) الوعود بأنكم مع الشعب (!) وانكم لن تتفاضوا سراً". إذاّ.. كنتم متحالفين معهم، وبينكم مواثيق وأيمان زبيرية مغلظة وليس فقط توجيه نصائح أخوية وترديد للصرخة! وهم بالمقابل أعطوكم وعودا وليس عيدان قات وشيقارة وبردقان.. فلماذا إذا تخشون الإعلان عن تحالفكم أمام الناس؟ ولماذا تتنصلون منه وكأنه جريمة أخلاقية وفعل دنيء تخجلون من إعلانه رسميا ولا سيما أنه تحالف مع الشعب كما قيل؟ وبعدين ما حكاية رفض تفاوض الحوثيين سرا؟ وأنتم كيف تفاوضتم معهم وأخذتم منهم العهود.. هل فعلتم ذلك في قاعة 22 مايو أم في ميدان السبعين.. بالتأكيد تفاوضتم معهم سرا وربما دالخ قبو أو في زفة صنعانية للتمويه كان نشديها ترديد عبارات رمزية: -وحقك يا عبد الملك: حقك .. وحقك يا علي: حقك.. وحقك يا أحمد: حقك.. وحقك يا عسلي: جني.. خِر من هانا يا.. دبور فسور! وكملوا الزفة بسرعة الثوار قدهم معاجلين! العسلي المدثر باسم الله في كلامه، المتظاهر عادة بكراهية الكهنوت والوصاية الدينية والكلام باسم الله- زعم أن الله أرعب الفاسدين وأخرجهم من صنعاء على يد الحوثيين وسلم المدينة لهم لينظر – أي الله تعالى!- ماذا سيفعلون؟ هل يجوز لنا أن نطالب البروفسور ؛خريج أمريكا الرافض أيام زمان لأي انتقاد لغزوها العراق واحتلاله؛ بنسخة من محضر تسليم الله (تعالى أن يرضى بالقتل والنهب والتدمير) العاصمة صنعاء للحوثيين حتى نتأكد فقط من صحة اسم المدينة وحدود التسليم وزمنه! وحبذا لو كشف لنا أيضا آية عن خلو صنعاء من الفاسدين على يد الحوثيين لأن ملايين لديهم شك في أن ذلك قد حدث أصلا.. ولكيلا يكفر الناس بالله بسبب سيف العسلي فعليه المبادرة بتوضيح كيف أن صنعاء صارت خالية من الفاسدين بعد21 سبتمبر! كعادته لم يحرم العسلي القراء أو الشعب اليمني كله من فكاهاته الثقيلة؛ فقد زعم البر فسور أن صحيفة الميثاق (لسان الشعب اليمني بكافة توجهاته!).. أي حتى الانفصاليين والحوثيين واللقاء المشترك والأحزاب بكل أشكالها.. والقاعدة والدواعش والإرهابيين! وهذا التعميم هو بالضبط جوهر الخطاب الحوثي الإعلامي والسياسي كما يصرون على القول غن كل وجميع الشعب معهم! نحن على يقين أن أحدا في الميثاق لم يخطر على باله أبدا أن الصحيفة لسان بني آدم؛ فضلا عن أن تكون لسان الشعب اليمني.. وأعترف أنني بدأت أشك أن العسلي تعلم في أمريكا (مش يمكن هناك مدينة في الاتحاد السوفيتي سابقا تحمل هذا الاسم؟) لكن في كل الأحوال وجدت نفسي أقول بعد قراءة الحوار: سلام الله على.. عبده الجندي! الدواعش والتكفيريون لا يحتفلون بالثورة! الملايين المعارضة للحوثيين التي خرجت في مدن اليمن للاحتفال بذكرى الثورة متحدية أجهزة القمع الحوثية؛ أسقطت مضمون اتهام معارضي الحوثيين وما يسمى الإعلان الدستوري بأنهم دواعش، وتكفيريون، وإصلاحيون، وهي التهمة الجاهزة التي يوجها الحوثيون لكل من يعارضهم ويرفض هيمنتهم على البلاد.. فأولا؛ من غير المعقول أن تكون كل تلك الملايين تكفيرية ومؤيدة لداعش لأن هؤلاء الأخيرين لا يؤمنون أصلا بالثورة الشعبية وأهدافها ولا بالفعاليات السلمية، ولو أصرت الجماعة على تهمتها هذه فعليها الإقرار بأن أغلبية الشعب ترفضها بصرف النظر عن كونها تكفيرية أو داعشية! وكذلك لا يمكن وصف المتظاهرين المحتفلين كلهم بأنهم إصلاحيون؛ إلا كان الحوثيون يقرون بأن الإصلاح يمثل الأغلبية في البلاد، ونظن أنهم على استعداد للانتحار بشرب السم على الإقرار بذلك! ولما كان من الثابت أن الملايين المعارضة للحوثيين المحتفلة بالثورة مثلت أطيافا عديدة من اليمنيين ؛على اختلاف انتماءاتهم السياسية والاجتماعية والجهوية والقبلية؛ فلم يعد الأمر بحاجة لذكاء لمعرفة من كان يمثل ثورة 11 فبراير وهل هم الذين تحدوا جبروت القمع وتعرضوا لانتهاكات أجهزة الأمن.. أم هم أولئك الذين خرجوا بحماية الأجهزة الأمنية والميلشيات المسلحة التي ترتدي الزي.. الميري! وأخيرا.. فقد أثبتت المسيرات المليونية المعارضة للحوثيين ؛التي عمت كثيرا من محافظات الجمهورية؛ عدم صحة ما يروجه إعلامهم ويلوكه ساستهم أن (كل وجميع) أبناء الشعب اليمني العظيم يدعمون ثورتهم الخاصة بهم، ويؤيدونهم في كل ما يفعلونه وأبرزها: اقتحام صنعاءوالمحافظات، وإعلانهم الانقلابي الأخير! أيتام.. الثورة! باستثناء الحراك الانفصالي؛ فقد كان المؤتمريون هم الوحيدين المتسقين مع أنفسهم في موقفهم من ذكرى الثورة الشبابية الشعبية؛ ليس كرامة منهم ولا لأنها كانت ضدهم.. ولكن لأنهم ما يزالون مصرين على عدم الاستفادة من أخطائهم التاريخية التي أوصلت البلاد إلى مفترق طرق في فبراير 2011 وجعلت الملايين تنزل إلى الشوارع والساحات تطالب برجيل نظامهم وبناء يمن جديد! فما يزال العناد يتملكهم والغرور الذي يتسلط عليهم (وخاصة بعد تحالفهم مع الحوثيين!) في إمكانية إعادة نسخة جديدة من نظامهم السابق! لا يريد المؤتمريون بعد كل هذه التجربة المريرة أن يقروا أن جوهر نظامهم القديم وممارساتهم المتناقضة مع جوهر النظام الجمهوري، والنهج الديمقراطي السليم، ومنظومة حقوق الإنسان والحريات العامة والخاصة كانت هي السبب الحقيقي – وليس المواقف الخاطئة لبعض القوى السياسية- لكل ما حدث في البلاد منذ عام 2011؛ فضلا عن مسؤوليته التاريخية عما حدث في البلاد قبل ذلك وأدى إلى تفجير الغضب الشعبي الرفض الشامل ضدهم! وصحيح أننا سنتعب إن حاولنا تفهيم المؤتمر بمسؤوليته عما حدث؛ لكن لا مانع من التذكير بأنهم هم الذين سدوا بعنجهية الملوك وتحريض النصابين كل آفاق الحلول الحقيقية للانعتاق من النفق المظلم الذي زجوا الوطن والشعب فيه، وأوصلوا القوى السياسية التي يلومونها اليوم وعامة الشعب إلى حالة من اليأس والإحباط من إمكانية حدوث أي تغيير حقيقي في البلاد يتجاوز الأخطاء والعثرات، وأنه ليس أمامهم من طريق إلا الخضوع لأجندة المؤتمر العائلية، والرضا بدور المحلل الديمقراطي، والقبول بما هو موجود وتقبيل اليد على هذه النعمة. الديمقراطية التي يتفضل النظام بإلقائها لهم! ولذلك لا عجب أن يكون يوم 11 فبراير يوم نكسة لهم؛ فكذلك كان 26 سبتمبر نكسة لأتباع دولة الإمام، ولا يزال أحفادهم يكفرون به حتى الآن ويعملون بكل يستطيعون لمحو تاريخه! تشابهت قلوبهم وأفكارهم واحتفالاتهم!