مما لاشك فيه أن للأسواق المالية مزايا عديدة في تحريك عجلة الاقتصاد ودفع عملية التنمية إلى الأمام ، من خلال جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية. وتسعى اليمن بخطى حثيثة لإنشاء سوقين للأوراق المالية في كل من صنعاء وعدن ، وحتى تكون هذه الأسواق في منأ عن الالتزامات المالية ومخاطرها فلابد على اليمن أن تستفيد من تجارب من سبقوها وتهيئ الوسائل التي تساعد على استقلال السوق ومنع استغلالها من أي طرف كان.
وتعد مبادئ حوكمة الشركات واحدة من الوسائل الضرورية لحماية حقوق المساهمين والمستثمرين وتحسين أداء الشركات وخصوصا في ظل انفصال ملكية الشركات عن إدارتها ، غير أن الحوكمة لوحدها قد لا تكفي خصوصاً عندما تكون هذه المبادئ توجيهيه وليست إلزامية كما هو الحال في دليل حوكمة الشركات اليمنية.
إلا انه من الممكن تلافي هذا القصور عن طريق إلزام الشركات ببعض هذه المبادئ في حالة أنشاء السوق المالية ورغبة الشركات في إدراج أسهمها في هذه السوق ، أسوة بما هو معمول بة في بعض الدول الغربية والعربية ومنها السعودية والتي ألزمت الشركات المدرجة في سوق الرياض بإنشاء لجان مراجعة من أعضاء مستقلين . ومع ذلك فهناك ما هو أهم بكثير من اجل تهيئة البنية الأساسية لإنشاء سوق للأوراق المالية في اليمن ، ألا وهو تطوير دور مهنة المحاسبة والمراجعة حتى تستطيع القيام بدورها الهام والضروري في الإشراف الخارجي والمستقل على محتوى التقارير المالية للشركات المساهمة ، والدليل الأكبر على أهمية الدور الذي تعلبه مهنة المحاسبة والمراجعة في استقرار الأسواق المالية ومنع الأزمات المالية وتعرض المستثمرين للخسائر الباهظة ، قيام الكونجرس الأمريكي بإصدار قانون سبنسر اوكسلي في العام 2002 عقب الانهيارات الكبيرة لكبر الشركات الأمريكية ، وعلى رأسها شركة انرون و ورلدكوم ، والذي من خلاله تم إعادة تنظيم مهنة المحاسبة في الولاياتالمتحدةالأمريكية والحد من عمليات التنظيم الذاتي للمهنة ، وتشكيل مجلس أعلى للإشراف العام يتولى مهمة إصدار معايير المحاسبة والمراجعة وبذلك أصبح مجمع المحاسبين القانونيين الأمريكيين والذي كان المسئول عن إصدار معايير المحاسبة والمراجعة في أمريكا تابع لهذا المجلس والإشراف على تقديم الخدمات الاستشارية أو ما يطلق عليها الخدمات بخلاف المراجعة والتي تعد من العوامل التي تحد من استقلالية المراجع.
كما تضمن القانون عقوبات قاسية على مدراء الشركات والمدراء الماليين تصل إلى السجن عشر سنوات أو دفع غرامات مالية قد تصل إلى خمسة مليون دولار في حالة ثبوت تورطهم في عمليات غش في القوائم المالية للشركات التي يعملون بها.
وعلى ذلك فأن على اليمن الأخذ بتوصيات تقرير شركة آرثر أندرسون والتي كانت واحدة من اكبر ست شركات في العالم في المحاسبة قبل أن تنهار تبعاً لانهيار شركة انرون للطاقة ، حيث قام مكتب اثر أندرسون في العام 1997 بمسح لمهنة المحاسبة في اليمن ولقد أوصى التقرير بتشكيل مجلس أعلى للمحاسبة في اليمن ، يعنى بأمور مهنة المحاسبة والمراجعة وإصدار معايير المحاسبة والمراجعة ، والإشراف على أمور المهنة ومدى الالتزام بقواعد وآداب السلوك المهني من قبل العاملين في المهنة . وما يؤكد أهمية تشكيل مجلس إشراف أعلى للمحاسبة في اليمن ، العديد من النقاط التي وردت ضمن دليل حوكمة الشركات في اليمن ، الذي صدر بشكله النهائي الشهر الماضي بجهود جبارة من نادي رجال الأعمال اليمنيين وعدد من ممثلي القطاع العام والخاص وشركات المراجعة في اليمن ، حيث أكد الدليل على ضرورة إصدار دليل لقواعد السلوك المهني للمراجعين و عدم تقديم المراجع خدمات بخلاف المراجعة للشركة محل المراجعة والالتزام بمعايير المراجعة الدولية عند القيام بعملية المراجعة.
وكل هذه الأمور تحتاج إلى جهة تشرف على كل ذلك وبحكم عضويتي في جمعية المحاسبين القانونيين فأنة من الصعب على الجمعية القيام بهذا الدور في الوقت الراهن ، لذلك فان تشكيل مجلس أعلى للمحاسبة في اليمن هو الخطوة الأنجع في حل الكثير من الإشكالات التي تعيق تطوير مهنة المحاسبة والمراجعة في اليمن ،وهكذا اعتقد بأنني قد أجبت على الاستفهام الذي عنونت بة مقالي حول ما إذا كان إصدار دليل حوكمة الشركات في اليمن الخطوة الأول أم الأخيرة لإنشاء سوق صنعاء للأوراق المالية .
طالب دراسات عليا جامعة القاهرة عضو جمعية المحاسبين القانونيين اليمنيين