ممنون للقراءة النقدية للأخ مروان لمقالي "الاقتصاد والفساد بين رؤية الإنقاذ وممارسة السلطة" بروحانية الأديب الساخر. ويعلم الله أني أستمتع كثيراً بمقالاته الساخرة والتي تنم على سعة ثقافته الشاملة سياسياً وأدبيا واقتصادياً. الغرض من كتابة مقالي وكما ذكرت في المقدمة هو إثارة مثل هذه العقليات في تشخيص سبب تدهور الأوضاع المعيشية في اليمن وإيجاد حلول عملية كلاً من وجهة نظره.
أنا لا أختلف معه في أهمية البعدين السياسي والإداري في تدهور الأوضاع المعيشية، لكن في تقديري أن التدهور المعيشي في اليمن هو نتيجة نسبية لعدد من العوامل منها ما هو سياسي ومنها ما هو اقتصادي وإداري، ومنها ما هو اجتماعي وثقافي، وبالتالي حل الإشكالية يتطلب مراعاة كل تلك العوامل بنسب متفاوته.. مع العلم إني كثيراً ما تطرقت في مقالات أو مقابلات سابقة أو حتى في تقاريري للحكومة بأهمية التوافق السياسي وانتهاج الديمقراطية السياسية في تحسين استخدام وإدارة الموارد الاقتصادية بكفاءة وفعالية. للأسف أن المزايدات السياسية على حساب الاقتصاد أصبحت سمة بارزة في كل فعالية سياسية سواءً للسلطة أو المعارضة.. لو دققنا قليلاً في أطروحات الجانبين فيما يتعلق بقضايا استراتيجيات الأجور، الضرائب ، الجمارك، دعم المشتقات النفطية، سنجد عدم التوازن.. مثل الدعوة لرفع المرتبات مع الدعوة لخفض الضرائب، تحسين فعالية الإنفاق مع المحافظة على دعم المشتقات النفطية (انظر إلى تقارير مجلس النواب). بل من المفارقات أنك تجد أن السلطة تتحدث عن مكافحة الفساد أكثر ما تتحدث عنه المعارضة، وهذه ليست منافسة سياسية، وإنما مزايدة، فالمنافسة تتطلب مقارنة برنامج ببرنامج. أما فيما يتعلق بمصدر البيانات في المقارنة بين اليمن وتلك الدول العربية فأحيلك إلى التقارير الصادرة والمنشورة في موقع صندوق النقد الدولي ويمكن الرجوع إلى تقارير كل دولة www.imf.org والصادرة جميعها في الربع الأول من عام 2010. وبغض النظر عن اولأضاع الاقتصادية لهذه الدول، إلا أنها أكثر استقراراً سياسياً ومعيشياً من اليمن، وتتميز بالديمومة الاقتصادية مقارنة باليمن، بل وحتى دول الخليج (انظر إلى تقييم الصندوق). التشبية بموقف المغيرة بن شعبة و"بوبوس" من التوريث أعتبرها لفته أدبية رائعة لكنه استنتاج في غير محله مشكور عليه، لكن هل يا ترى أن واقعنا الاجتماعي والسياسي والثقافي قابل لانتهاج ليبرالية سياسية بمفهومها الغربي في انتخابات 2011، حتى نحل الإشكالية الاقتصادية القائمة من تدني إيرادات الدولة وزيادة النفقات وزيادة العجز المالي المحلي والخارجي. ما هو الأولى: أن نحلم بالليبرالية السياسية أم نركز في كيفية حل الإشكالية الاقتصادية في ظل واقعنا السياسي المعاش أو على الأقل نتمثل كلام يسوع " مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا لِلّهِ لِلّهِ" بمعنى دعهم يتصارعون ويتنافسون سياسياً، وأياً كانت النتيجة ليبرالية سياسية أو جمهورية سلالية، لكن نريد من الجانبين أن ينظرا إلى الاقتصاد بمنظار موضوعي، بمعنى إنه أياً كان نوع النظام السياسي فلا بد من نظام ضرائبي وجمركي كفء، ليرفد خزينة الدولة لتمويل النفقات الجارية والاستثمارية. لقد أشار الأخ مروان إلى "أن دولة لا تهتم بتحصيل الضرائب – يا سيد صبري- هي دولة لا تهتم لمستقبل مواطنيها" أنا متفق مع هذا الطرح وهذا هو فحوى مقالي حيث القصة وما فيها، من خلال عملي السابق في الحكومة، أجزم أن من أولويات الحكومة زيادة تحصيل الضرائب، لكن المعارضة والقطاع الخاص لم يواكبوا مع طموحات الحكومة، وينظرون لقضية الضرائب بمنظار سياسي ضيق، أو مصلحة شخصية، وقد عبرت عن ذلك في مقال سابق.