الهدف من الممارسة السياسة هو تأسيس دولة لإدارة موارد البلاد (الطبيعية والبشرية) بكفأة وفعالية، بما يحفظ حقوق الإنسان وحقوق الدولة، وبما يضمن عدم إختلال التوازن البيئي بين مخرجات الطبيعة ومتطلبات الانسان. من هذا المنطلق تعمل جميع دول العالم بسلطاتها الثلاث -التشريعية والتنفيذية والقضائية – على إصدار التشريعات والقوانين واللوائح الإدارية المنظمة لجميع مناحي الحياة، ومن ثم تنفيذها بما يؤدي إلى تحقيق التنمية البشرية والاقتصادية المؤدية في نهاية المطاف إلى سعادة الانسان وتحقيق رفاهيته المعيشية. لو أعُتبرت هذا المقدمة كمعيار لقياس الممارسات السياسية الحالية للسلطة وواقعية ما تطرحة المعارضة من رؤى للإصلاحات الإقتصادية، ولقياس مخرجات عمل السلطة منذ نشأته في مايو العظيم لعام 1990، فإنه من الممكن تقييم مدى فعالية مخرجات السلطة ومدى تأثير ممارستها السياسية على التنمية الاقتصادية الحالية والمستقبلية، فضلاً عن إمكانية تقييم مدى واقعية الرؤى المستقبلية للمعارضة في مجال الاصلاحات الاقتصادية. الهدف من المقال هو المحاولة في إشراك القراء الكرام في التفاعل والتفكير مع ما يجري في الساحة اليمنية من مخاض عسير بين السلطة والمعارضة للإتفاق حول إجراء حوار للإصلاحات الشاملة ومن ثم إستنباط حلول عملية للمشاكل الاقتصادية من شريحة متابعي الصحف والمواقع تتناسب مع الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية للبلاد. من المعروف بداهةً بماهية مطالبة المعارضة وبماهية وجهة نظر السلطة في عملية الإصلاحات السياسية إلا إن كلايهما غير واضحين وغامضين بل وغارقين في الكلام الإنشائي فيما يتعلق بالإجراءات المطلوبة لعملية الإصلاحات الاقتصادية والإدارية حيث وللأسف أن رؤية المعارضة للاصلاحات الاقتصادية والإدارية حتى هذه اللحظة لاتختلف كثيراً عن ما تطرحة الحكومة من كلام إنشائي أنظر في صفحة 57-61 في مشروع رؤية الإنقاذ الوطني http://www.al-tagheer.com/ebook/aletefakiaa.pdf وحتى يسهل على القارئ الكريم في إجراء تقييم موضوعي بعيداً عن الخطابات الإنشائية لممارسة السلطة وواقعية ما تطرحة المعارضة من رؤى للإصلاحات الاقتصادية، سوف أستعرض أهم المؤشرات الاقتصادية والمالية لليمن لعام 2008 مقارنة مع أربع دول عربية تتشابه مع اليمن إقتصاديا وسياسيا وثقافياً (سوريا، الأردن، لبنان، تونس) والتي ستكون بمثابة الأسس التي يرتكز عليها في إجراء التقييم. لكن ينبغي الإشارة بأنه عند قرأة المؤشرات الاقتصادية والمالية ينبغي علينا معرفة مدى فعاليتها في حياة المواطن اليمني فعلى سبيل المثال وليس الحصر زيادة إنتاج اليمن من النفط سوف يؤدي بالضرورة إلى زيادة الناتج القومي للبلد لكن ليس بالضرورة سيزيد من رفاهية معيشة المواطن لأنه يعتمد على مدى إستخدام العوائد بكفأة وفعالية في التنمية البشرية والاقتصادية في المقابل لو زاد إنتاج اليمن من الزراعة والاسماك والسياحة فهذه القطاعات بالضرورة سوف تنعكس إيجابياً على حياة المواطن كونها انشطة تتطلب أيدى عاملة كثيرة. من هذا المنطلق: 1. سوف استخدم معدل دخل الفرد اليمني بمقياس القوة الشرائية لقياس رفاهية المواطن اليمني حيث بلغت تقديرات عام 2009 حوالي 2500$ للفرد اليمني بحسب تقديرات وكالة المخابرات الأمريكية والذي يمثل 54% مما يتمتع به المواطن السوري، و 47% مما يتمتع به المواطن الأردني، و 19% مما يتمتع به المواطن اللبناني و 31% مما يتمتع به المواطن التونسي وهذا يشير إلى مدى تدني رفاهية المعيشة في اليمن. 2. وسأستخدم قيمة الناتج المحلي لقياس فعالية الإدارة الاقتصادية في إدارة موارد البلاد والذي بلغ 26.6$ مليار دولار في عام 2008 بما فيها إنتاج النفط والذي ومع ذلك لا يساوي سوى 49% من الناتج المحلي لسوريا، و69% لتونس، و91% للبنان، ولم يزيد سوى ب 6$ مليار دولار على الأردن بسبب إنتاج النفط، وبرغم كثافة ما تمتلكه أرض اليمن من خيرات طبيعية وبشرية ومحدودية ما تمتلكه تلك الدول الشقيقة إلا أن ناتجها المحلي أكبر والذي يشير إلى فعالية الإدارة الاقتصادية للموارد في تلك الدول. 3. وسأستخدم إيرادات الدولة من الموارد غير النفطية (الضرائب المباشرة وغير المباشرة) لقياس مدى فعالية وكفأة الإدارة المالية والتي بلغت في عام 2008 حوالي 2.9$ مليار دولار والتي لا تمثل سوى 38% من إيرادات سوريا البالغة (7.3$ مليار) ، و52% من إيرادات الأردن البالغة (5.6$ مليار)، و 42%من إيرادات لبنان البالغة (6.9$ مليار) ، و33% من إيرادات تونس البالغة (7.55$ مليار). والآن تخيلوا أي تنمية نرجوها في ظل محدودية الإيرادات الضريبية. 4. وسأستخدم نفقات الموازنة لقياس مدى فعالية وكفأة الإنفاق الحكومي في إحداث التنمية الشاملة والتي بلغت في عام 2008 حوالي 11.4$ مليار دولار والتي زادت عن الأردن بمعدل 49%، وعن لبنان ب 13%، وعن تونس ب 24%، ولم تنقص عن سوريا سوى ب 6% إلا إنها لم تؤتي ثمارها وتحدث تنمية شاملة كما هو حاصل في تلك الدول. 5. وسأستخدم إجمالي قيمة صادرات اليمن بما فيها النفط لقياس مدى قدرة الاقتصاد على جذب العملات الأجنبية حيث بلغت في عام 2008 حوالي 8.6$ مليار دولار والتي لا تمثل سوى 57% من إجمالي صادرات سوريا، و 78% من إجمالي صادرات لبنان، و 45% من إجمالي صادرات تونس ولهذا تخيلوا عندما ينضب النفط كيف ستحل باليمن الكارثة. أما الأصول الخارجية في البنوك اليمنية بما فيها عوائد النفط فقد بلغت في عام 2008 حوالي 8.9$ مليار دولار والتي لا تمثل سوى 70% مما تمتلكه سوريا، و 78% مما تمتلكه لبنان، و 45% مما تمتلكه تونس. النظام السياسي ليس له علاقة بمستوى أداء التنمية مما سبق يتضح بأنه ليست هناك علاقة مطردة ووطيدة بين طبيعة النظام السياسي ومخرجات التنمية الاقتصادية والبشرية وإنما الثقافة وحُسن الإدارة هي المحك الحقيقي فالنظام الملكي في الأردن بحسب المؤشرين الأول والثاني حقق رفاهية لمواطنية ضعف ما يتمتع به المواطن اليمني وبالمثل الديمقرطية التوريثية في سوريا حققت أيضاً ضعف ما يتمتع به اليمني، أما ديمقراطية المحاصصة الطائفية فقد حققت رفاهية بمعدل أربع أضعاف ما يتمتع به اليمني في ظل حروب متواصلة منذ 1975، وكذلك بالنسبة لديمقراطية 99% في تونس لصالح حزب الرئيس فقد حققت رهافية بضعفين مما يتمتع به اليمني، إذاً في هذه الحالة ليس هناك داعي للخوض إثناء الحوار بين القضايا الاقتصادية وطبيعة النظام السياسي فإشتراكية الصين وديمقراطية الحزب الواحد تحقق نمو إقتصادي عالي ومتواصل منذ بداية التسعينيات بينما هناك دول ديمقراطية ذو تعددية سياسية!!! مثل اليمن- ترزح تحت المشاكل الاقتصادية. إذاً ما هو سبب المشكلة الاقتصادية؟ السلطة ترجعها إلى ضئالة الموارد ومحدوديتها أمام ظاهرة تنامي السكان مع ذكر الفساد وسوء الإداء على إستحياء، بينما المعارضة المشتركية أرجعتها بحسب رؤية الانقاذ الوطني في صفحة 25-26 إلى "طبيعة الحكم الفردي المستند إلى مركزية عصبوية، والذي عمد إلى التعامل مع الموارد، والثروات الوطنية كغنيمة يتم تقاسمها بين القلة من الورثة، وذوي القربى، والموالين، كما تعامل مع السكان بكونهم فائضا بشريا .. حيث يعتمد في مواجهة الأزمة الاقتصادية على تحميل الفقراء وذوي الدخل المحدود، وأصحاب الملكيات الخاصة الصغيرة والمتوسطة تكاليف الإجراءات الاقتصادية.. وقد ظلت السلطة تتهرب من التعامل مع المسببات الحقيقية للأزمة الاقتصادية، وفي مقدمتها الفساد وسوء الإدارة، .. حتى غدا الفساد، وبكل أسف، ممارسة منظمة تدار به البلاد، وأداة من أدوات احتكار السلطة وتملكها، وتأمين الاحتفاظ بها، وتوريثها للأبناء فيما بعد، وتحولت عملية التنمية وخططها إلى وسيلة للاستحواذ على الثروة الوطنية، وموضوع للدعاية السياسية". أما رؤية المنظمات الدولية والدول المانحة فترجعها بشكل عام إلى قلة التدبير وسوء إدارة الموارد مما أدى إلى سوء إستخدام وإستغلال الموارد من قبل القطاع الخاص والإفراط الحكومي في أستخدام الموارد الاقتصادية لجني مصالح سياسية واجتماعية.
ثلاثة سيناريوهات للحل أمام هذه الثلاثة السيناريوهات .. أين تكمن الحقيقة وما هو الحل؟ أنا في تقديري بأن الثلاثة السيناريوهات السالفة الذكر متساوية في المضمون مختلفة في اللفظ والتعبير ولهذا لو تمعنا في الحلول لوجدنا أن نبرتها وحدتها اللغوية تختلف في الشكل وليس في المضمون فمقترحات الحلول للمشاكل الاقتصادية المقدمة من مجتمع المانحين تتميز بالصراحة والوضوح والدقة كما هو موضح في تقرير 8 يناير لصندوق النقد الدولي لأن ليس لهم أي إلتزامات سياسية وإجتماعية، لكن عندما تنتقل تلك المقترحات والحلول الدولية للمشاكل الاقتصادية والإدارية إلى يد السلطة ليس فقط تقوم بمسخها لفظياً تتعدى إلى المضمون لإعتبارات سياسية واجتماعية ثم تتقاعس في التنفيذ كذلك لحسابات سياسية وما على القارئ إلى التمعن في بنود إجندة الاصلاحات الوطنية والأولويات العشر سيجد إن هناك بطء كبير في تنفيذها برغم أنه قد جرى مسخها. أما رؤية اللقاء المشترك للإصلاحات الاقتصادية في صفحة 57-61 وبكلامها الإنشائي الجميل فقد ذكرتني بوثائق الخطط الخمسية للحكومة وحركت أشجاني وحنيني للوطن ببرنامج "حماة الوطن" وكلامة الانشائي للإذاعي إسماعيل الحجوري، أي إن مقترحات الحلول لرؤية الإنقاذ لا تختلف كثيراً عن كلام السلطة الدعائي في وسائل الاعلام. سلطة عاجزة ومعارضة حايرة مما سبق يتبين بأن البلد أمام سلطة عاجزة ومعارضة حايرة (أشتي ومشتيش) والسبب أنهما مقيدتان بالمصالح السياسية والاجتماعية في المضى قُدماً نحو إجراء إصلاحات إقتصادية وإدارية جادة، حيث وبرغم مسايرة المنظمات الدولية والدول المانحة للحكومة اليمنية في إعداد إجندة الإصلاحات الوطنية بصورتها المشوهة إلا إنها لم تنفذ سوى السهل والأسهل منذ عام 2005 فعلى سبيل المثال التشريعات الضريبية والجمركية (ضرائب الدخل، المبيعات، الاستثمار، المشتقات النفطية، ...) والتي هي أساسية لتنمية الموارد للتنمية ما زالت محلك سر.. في المقابل تجد وثيقة رؤية الانقاذ الوطني تتكون من 70 صفحة ومضمونها يحتوى على 11,444 كلمة لا تجد فيها ثلاث كلمات "إصلاحات ضريبية وجمركية" أو قضية "المشتقات النفطية"... وبغض النظر عن أتفاقتنا أو إختلافنا حول تشخيصها للمشاكل السياسية والاقتصادية فهي أصبحت وثيقة وطنية سياسية بإمتياز تتضمن إجراءات محددة للإصلاحات السياسية إلا إنها مغيبة للجوانب الاقتصادية لحساسيتها السياسية والاجتماعية. لا تنمية بدون مال ولا مال بدون ضرائب ولا ضرائب في ظل مزايدات سياسية جميع دول العالم معتمدة على الضرائب في إحداث تنمية شاملة سواءً كانت ديمقراطية أو ديكتاتورية وليس هناك حاجة للإستئناس بأمريكا ودول أوربا فقط علينا الاقتداء بسوريا، والاردن، ولبنان، وتونس في في مستوى إيرادات الدولة من الموارد غير النفطية (الضرائب المباشرة وغير المباشرة) كما هو مبين في المؤشر الثالث أعلاه، وبشئ من التفصيل في الجدول المقابل يتبين لنا بأنه لا تنمية بدون مال ولا مال بدون ضرائب وجمارك ولا ضرائب وجمارك في ظل مزايدات سياسية حيث نجد الإيرادات الضريبية لليمن لا تمثل سوى 29% من إجمالي الإيرادات، بينما دخل الضرائب في سوريا يمثل 73% من الإجمالي، وفي الأردن 85% من الإجمالي، وفي لبنان 96% من الإجمالي، وفي تونس 98% من الإجمالي، وهذا المؤشر يدل على ديمومة الاقتصاديات لتلك الدول في مواجهة الصدمات الاقتصادية والمالية حيث وبسبب تدني الإيرادات الضريبية لليمن يعتبر من أكثر الاقتصاديات هشاشة في المنطقة مثله مثل دول الخليج في حال هبوط أسعار النفط. كما إن مؤشر الصادرات يدل أيضا على هشاشة الاقتصاد اليمني حيث لا تمثل سوى 57% من صادرات سوريا، 45% من صادرات تونس، و78% من صادرات لبنان وهاتين دولتين غير نفطيتين.
الفساد في اليمن مركب سيقول قائل بأنك تؤيد الجرع السعرية ولا تتحدث عن إصلاحات سوى تلك التي تثقل كاهل المواطن متناسين الفساد والمفسدين وأنا في تقديري بأن هناك إسراف كبير في الحديث عن الفساد المالي والاداري سواءً في رؤية الانقاذ أو في أراء بعض مسئولي الدولة وكأنه قُطب أُحادي تمارسة السلطة لوحدها بينما في تقديري بأن الفساد اليمني مركب يمارس بالتساوي من قبل القطاع الخاص والموظفين في تلك المؤسسات التي يلتقيان فيها مثل الضرائب، الجمارك، الجوازات، المرور، الأراضي، المساحة، العدل، الكهرباء، المياه، الطرقات، ولذلك بقدر ما تتضرر عملية تحصيل الإيرادات الحكومية يستفيد القطاع الخاص والموظفين الفاسدين. وعندما اتحدث عن القطاع الخاص أنا لا أقصد البيوت التجارية والصناعية ولكنه أي شخص يمتلك بزنس حتى مزارعي القات والبطاط هم قطاع خاص قليل منهم يدفعوا الضرائب. لكن ما حجم ذلك الفساد ومن هو المستفيد .. لو أخذنا الإدارة الاقتصادية السورية والتي تتقارب مع اليمن في النفط والسكان كمعيار لقياس الفساد في اليمن سنجد أن سوريا تنتج نفط أكثر من اليمن (381 برميل في اليوم لسوريا مقابل 293 برميل في اليوم لليمن) ومع ذلك فهي تحصل سنوياً على 7.3$ مليار كإيرادات ضريبية ولديها برامج دعم للمشتقات النفطية عن طريق الكوبونات وليس لمن هب ودب مثل اليمن ولآن هي عازمة على تطبيق قانون ضريبة المبيعات حتى إن التغيير الحكومي الأخير يهدف إلى ذلك، بينما اليمن لم تحصل سوى على 2.9$ مليار كإيرادات ضريبية وهذا يعني بأن هناك فساد يستفيد منه القطاع الخاص اليمني بما يعادل 4.4$ مليار دولار والموظفين في تلك المؤسسات. وبالمثل بقدر ما يتضرر المواطن من سوء الخدمات الحكومية من طرقات وكهرباء وتعليم وصحة وقضاء...بقدر ما يستفيد المقاولون للطرقات والكهرباء، والمدرسون، والاطباء والقضاة، ولهذا أستطيع أن أقول إن مقدار فساد الموازنة بما فيها المشتقات النفطية يبلغ حوالي 3$ مليار دولار يستفيد منها قليل جداً من الموظفين بينما المستفيد هم القطاع الخاص المتعاملين مع الحكومة بغض النظر عن الانتماء السياسي. الواقعية وعدم المزايدة إذاً ما هو المطلوب ؟ المطلوب إننا نريد أن نتعامل مع قضايا البلاد الإقتصادية بإيجابية وواقعية بعيداً عن التوظيف السياسي الرخيص ونتمثل قوله تعالى "تعالوا إلى كلمة سواءً بيننا وبينكم" بدون مزايدات سياسية "ولايجرمنكم شنأن قوماً على الأتعدلوا أعدلوا هو أقرب للتقوى " وحتى لا نتهم بإننا سلفيين من قبل الاستاذ أحمد الحبيشي علينا أن نجعل من العالم المتحضر إسوةً حسنة إنظروا إلى أمريكا كيف تتعامل مع أمورها الاقتصادية برؤية وطنية خالصة تهدف إلى خدمة الوطن على المدى المتوسط والبعيد برغم التباين السياسي بين الجمهوريين والديمقراطيين حيث عندما يتنافسون انتخابياً يتصارعون حتى الموت على إجراءات محددة وليس بكلام فضفاض حيث تسمع كلمات جميلة مثل (ضرائب، جمارك، تأمين، فوائد، مرتبات، عجز، نفط، غاز، دعم، ارقام محددة للبطالة، سياسات تجارة خارجية ....) إلا أنهم في نهاية المطاف يتفقون على الأصلح للبلاد حيث أجبرتهم الأزمة الاقتصادية الأخيرة وتحت رعاية الرئيس أوباما على الإتفاق على إصلاح نظام التأمين الصحي الذين يتصارعون عليه منذ منتصف الستينيات من القرن الماضي، وهاهم الآن وخلال هذه الاسبوع بصدد الموافقة على إصلاح النظام البنكي والمصرفي والاستثماري والذي سيغير من مبادئ الرأسمالية العالمية والتي ليس فقط ستمس الأسس المصرفية التي استند عليها الرئيس ريجان في بداية الثمانينات بل ستقيد الحرية المصرفية والبنكية التي تميزت بها الرأسمالية الأمريكية. الخلاصة ومقترح إجراءات للإصلاحات الاقتصادية مما لاشك بأن هناك علاقة تبادلية بين الاستقرار السياسي والاستقرار الاقتصادي فكما تدعي المعارضة بأن الإصلاحات السياسية هي المدخل للإصلاحات الاقتصادية نستطيع أن نقول بأن الاستقرار الاقتصادي هو عامل مهم في خلق استقرار سياسي حيث لو كانت هناك فرص عمل كافية ودخل مستقر لما وجد حراك جنوبي وتمرد شمالي. ولهذا كم أتمنى من المعارضة أن تضغط على الرئيس والرئيس فقط بوسائلها السياسية لإجراء إصلاحات إقتصادية وإدارية بمعنى تتسيس لصالح الاقتصاد وليس العكس حيث لو فعلوا ذلك سيجدون مجتمع المانحين معهم حيث والمجتمع الدولى لا يهمة طبيعة النظام السياسي مثلما يهمة مخاوف انهيار البلاد إقتصادياً وأمام المعارضة فرصة لخدمة البلاد وخدمة أنفسهم سياسياً. أنا سأترك القارئ للتمعن في المؤشرات وإجراء تقييم سريع بماهية الإصلاحات التي ينبغي إتخاذها إلا أني سأقدم بعض المقترحات من خلال قرائتي السريعة للمؤشرات، 1. لتمويل الموازنة للنفقات الجارية ينبغي تطبيق قانون ضريبة المبيعات بدون لف ودوران وتعديله على نسخته الأولى أو على الأقل كما هو حاصل في الأردن وتونس (يا أخس الناس قع ساع الناس)، 2. لتمويل الموازنة للنفقات الرأسمالية ينبغي الإسراع في المصادقة على قانون ضريبة الدخل بخفضها مقابل رفع الإمتيازات في قانون الاستثمار حتى يتشجع القطاع الخاص لدفع الضرائب، 3. للحد من عجز الموازنة ترشيد النفقات لدعم المشتقات النفطية، 4. لتمويل المجالس المحلية ينبغي جعل ضريبة العقارات لصالح المجالس المحلية وممكن البداية للمدن الكبيرة بمعدل إيجار شهر لكل منزل وشقة بحسب حالتها وموقعها كما هو حاصل في تونس ولبنان والاردن وأمريكا حيث تعود هذه الموارد لصالح المجالس المحلية المكتضة بالسكان لتمويل التعليم والصحة والطرقات الداخلية حيث ومصر تسعى نحو ضريبة العقارات. 5. لتمويل المجالس المحلية على مستوى الأرياف إلغاء هيئة الفساد وتشكيل بدلاً عنها هيئة للزكاة من العلماء والقطاع الخاص لتعزيز ثقة الناس حتى يدفعوا الزكاه لتمويل تنمية المجتمعات المحلية حيث وهيئة الفساد ما هي إلا جزء من الفساد المؤسسي كونها لم ولن تعمل شئ حيث تمثل فقط عبء على الموازنة ومجرد إزدواج مؤسسي للجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، 6. لإستنباط حلول أخرى للمحافظة على ديمومة الموارد الطبيعية والبشرية وعلى رأسها المياه وأفة القات والبيئة وكذلك الخدمات التعليمية والصحية ما علينا إلا الرجوع إلى التقارير الرائعة التي أعدها مجلس الشورى خلال الفترة 2000-2008 حول المياه، السكان، الصحة، التعليم، الطرقات، البيئة، البنوك، بيئة الاستثمار، الثروات المعدنية والإنشائية والنفطية والكهرباء. 7. أما محاربة الفساد فهي تأتي أولاً من خلال إصلاح المنظومة الانتخابية لإجراء أنتخابات نزيه كما هو على الأقل حاصل في لبنان والعراق، حيث سينبثق عنها إنتخابات محلية ونيابية نزيه تأتي بكفأة تدير الموارد على مستوى المديريات كما سيؤدي إلى تشكيل حكومات ذات رؤية إدارية 8. ومن أهم وسائل مكافحة الفساد أئتمتة أعمال الحكومة للحد من إلتقاء المواطنين بالموظفين وخصخصة الخدمات العامة القابلة للخصخصة كالكهرباء والمياه والاعلام والنفط، وأكبر دليل على نجاح هذه العملية هي الإتصالات حيث هناك تنافس لخدمة المواطن وكم أتمنى أن يكون ذلك للكهرباء والمياه بحيث لو تتوفر الإرادة السياسية لتشجيع القطاع الخاص أياً كان سواءً من المعارضة أو غير للاستثمار في هذا الجانب. 9. وأخير كما أنه ليس هناك أخلاق في السياسية ليس هناك تمييز في الاقتصاد فنحن ندعوا العرب والعجم للاستثمار فمن الأولى أن نسمح للقطاع الخاص المحلي للأستثمار بعيد عن التمييز السياسي والمناطقي والمذهبي.
الدكتور الصبري، هو خبير اقتصادي، وأمين عام رئاسة الوزراء سابقاً، يقيم حالياً في الولايات المتحدة