تسمرت الأعين أمام الشاشات فتصفيات كأس العالم 2010 في جنوب أفريقيا تشغل أذهان معظم سكان الكرة الأرضية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. والجميع في انتظار نهاية المونديال لتعود الحياة إلى طبيعتها ويسير جدول الأعمال كما كان. وكل من يتابع الرياضة ونتائجها عليم بها ثقافيا لدرجة مبهرة، مهما كان ضعيف الشأن في نواح أخرى في حياته. الرياضة مهمة في حياة الفرد وكذلك الشعوب والمجتمعات لفوائدها الكثيرة ليس مجال سردها هنا، لكن ما يجب أن نقف عنده هو أننا نريد أن نسحب قوانين الرياضة وأدبياتها على جزء من حياتنا السياسية، فما يحكم الرياضة من مبادئ وأخلاق منعدمة في حياتنا السياسية، هل نعرف لماذا؟
الجمهور الرياضي يحب الرياضة وهذا مما لا شك فيه، فهو يترك كل شيء من أجل الرياضة: وقته واهتماماته لصالح الرياضة، ينفق المال ويطلب الهدوء من أجل الاستمتاع بمشاهدة الرياضة، عندما يشاهد يعرف كل أسس ما يحكم اللقاء الرياضي، لذا هو حَكَم يفرض سلطته على الحَكَمِ الفعلي في الميدان، فلا يستطيع الحكم الميداني أن يميد عن المعايير الصارمة لصالح فريق على آخر، فهو غير قادر على ذلك، فكل الجمهور ضده، وإن كان لصالح أحد جماهير الفريق على الآخر، الجمهور لا يتمثل هنا بمن يشاهد على ميدان اللقاء الرياضي بل يمتد إلى الجمهور المشاهد على الشاشات والفضائيات، فالكل يفرض استقامة مسار التحكيم.
وبعد أن اتضح من يحكم الرياضة فعلا نبقى مع الرياضة السياسية التي ليس لها جمهور، وإن وجد ليس له من الوعي السياسي ما يتيح له فرض سلطته على الأدوات السياسية لتكون فعالة كما يجب وتنتج شرعية حقيقة.
ميدان وأدوات الرياضة السياسية هي الديمقراطية والانتخابات، وتحكمها اللجان الانتخابية واللجان الأمنية. وكما أسلفنا بالنسبة للرياضة، فالحَكَمُ ليس وحده من بيده مجريات الأمور بقدر ارتباط الجمهور بالحدث الرياضي واستيعابه لقوانين اللعبة، وتعدي ذلك الفهم والاستيعاب إلى مرحلة الفعل إن مادت سلطة الحكم عن الصراط المستقيم الواضح لدى الجمهور الرياضي (الحكم الفعلي).
متطلبات الوعي السياسي كبيرة وغير ممتعة، لكنها إن وجدت في قطاع عريض وكبير من الجمهور السياسي، فإن نتائجها ممتعة للجمهور جميعه وبشتى المجالات الإبداعية والإنسانية والأخلاقية والعدلية، وكل ما هو جميل فإن الوعي السياسي بوابته الواسعة.
مشكلتنا في المنطقة العربية ليست في الذي أدار العملية السياسية وما أسفر عنها من نتائج غير شرعية لكن المشكلة الحقيقية في (الحكم الفعلي/ الجمهور السياسي) الذي هو من يزور الانتخابات بتغاضيه عن التجاوزات التي تصاحب العملية الرياضية/ السياسية.
ورحم الله متنبي اليمن عبد الله البردوني: لا تلم قادتنا إن ظلموا ولُمِ الشعب الذي أعطى الزّماما.
عوامل ومراحل كثيرة وطويلة توصل الجمهور السياسي إلى السيادة وحكم الشعب (الديمقراطية) لها نفقاتها المادية والنفسية تقوم على إرادات فولاذية تسندها قوى العقل والمنطق، فليس أمام قوى التغيير إلا البلاغ المبين الذي إن وجد تغيرت النفوس وتوافر وقود وطاقة التغيير وأدواته الحقيقية.
المجتمع الأمريكي يتمتع بوعي سياسي كبير تجسد في تجاوزه مرض العنصرية، أكبر عائق أمام تخطي أوباما مراحل وصول البيت الأبيض، فترشحه في حزبه وفوزه أمام وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون ليكون مرشح حزبه أمام الحزب الآخر وفوزه النهائي بالرئاسة.