أخي الشاب: تأمل كيف يعود أكثر المجاهدين حانقين على أوطانهم، واقعد مع القاعدين، مع المحرضين الذين لم يذهبوا إلى أي مكان ولن يذهبوا، سيقعدون وهم يرددون عليك ما حفظناه منهم بأن قيمتهم بالقعود أكبر! منذ عقود، وشباب المسلمين يعيشون الروتين نفسه، بلا تغيير، تبدأ الحكاية بأن تتعرض دولة ما إلى ابتلاء ليهب شباب المسلمين من كل الأقطار لنجدتها، ثم لا يمضي كثير من الوقت حتى يصبح هؤلاء الشباب هم المشكلة، بل قد تتخلص تلك الدولة المنكوبة من جميع مشاكلها إلا مشكلة من هبوا لنجدتها، هذه الحكاية تكررت منذ الجهاد في أفغانستان إلى الشيشان فالبوسنة ثم العودة إلى أفغانستان ومنها إلى العراق، وآخر البلايا "داعش" في بلاد الشام. (إنها بلاد قبلية جبلية لا أحد يستطيع السيطرة عليها، كل من حاول عبر التاريخ فشل، وكانت الدولة العثمانية آخر الفاشلين، لا أريد أن أتورط في اليمن وأورط شعبي) هذا ما قاله الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وهو يشرح السبب الذي دعاه إلى سحب قواته من اليمن -رغم تقدمه- لإدراكه بأن اليمن وحل لمن أراد السيطرة عليه بالقوة، واليوم نجد بعض الأصوات العارفة بالوضع في اليمن يرجحون أن الوجود الإيراني في اليمن لن يكون تحقيقاً للحلم الفارسي، بل سيكون الوحل الذي تغرق فيه إيران -شريطة- ألا يتدخل شباب المسلمين وهم يرددون: لبيك يا داعي الجهاد، فإن الحلم الفارسي يُراهِن كثيراً على تلبية هذا النداء. وإنّا اليوم نشهد بوادر تكرار الحكاية نفسها، أفكار تُطرح من قِبل دعاة همهم في هذه المرحلة جس النبض، ثم يأتي من يتلقف تلك الأفكار ليتبناها ويبدأ في نشرها لتجميع الأتباع حولها والمؤيدين لها، وهذه هي الخطوة الأولى إلى المأساة، يليها التطبيق العملي وبدء التدافع إلى صنعاء، كأنهم يزرعون بذوراً لا يحصد المسلمون إلا مُر ثمارها، بينما يستأثر الأعداء دوماً بحلو الثمار. ليس رجماً بالغيب القول إن أي جهاد في اليمن، إن حدث، فسيتحول إلى معارك ضد المجاهدين بعضهم البعض ولا شيء آخر، شباب سيذهب فيبايع أمراء جهاد مرتزقة همهم تجميع المكتسبات، ولا طريق لزيادة المكتسبات إلا تنحية التنظيمات الأخرى عن الطريق بأية وسيلة كانت، وما عاد خافياً أن الوسيلة الأسرع والأجدى باتت تكفير كل جماعة لأختها، في الأخير سيقتل الأخ أخاه لاختلاف الانتماءات وتعارض التوجهات، في الأخير سيخرج الحوثيون من كل هذا الصراع سالمين! لقد حفظنا الروتين عن ظهر غيب لكثرة التكرار، فهل ستكون صنعاء استثناء؟ قد يقول قائل: وهل في القعود حل؟ وأقول: نعم، اجلس في بيتك، تابع التلفاز ومواقع التواصل، أنجز بعض الأعمال، اقرأ كتاباً أو اكتب بيت شعر، أفعل أي شيء مفيد؛ لأن ذهابك لن يُفيد كما لم يستفد أحد من الذين سبقوك إلى ساحات الوغى، اكسر هذا الروتين بألا تفعل شيئاً على الإطلاق، اقعد مع القاعدين، مع الدعاة المحرضين الذين لم يذهبوا سابقاً إلى أي مكان ولن تحدث معجزة اليوم لتجبرهم على الذهاب، سيقعدون وهم يرددون عليك ما حفظناه منهم بأن قيمتهم بالقعود أكبر، وأن مكانتهم العلمية تجعل من حياتهم أثمن. إن لم يتم كسر الروتين هذه المرة، فالمسألة مسألة وقت حتى تنهال الكرامات، وتكثر ابتسامات الشهداء، وتهبط الملائكة للقتال، وما بين أناشيد الحماس وترديد: "الله أكبر" سينتهي الأمر بشبابنا -كما ينتهي دائماً- إلى تحولهم لأدوات هدم، لأنهم دائماً يذهبون مخدوعين بالأباطيل. عزيزي الشاب: أهلك في صنعاء ليسوا في حاجة لك، لديهم رجالهم ونساؤهم وشيوخهم وعلماؤهم وقبائلهم، إنهم ليسوا في حاجة لك، بل إنك ستصبح عبئاً يُضاف إلى أعبائهم، كما كان سابقوك مجرد أعباء، ولن يحدث اليوم أي تغيير في النواميس والقوانين التي ألفناها حتى تكون أنت الحل. تأمل قبل أن تُلبي دعوة الدعاة، أراغبٌ أنت في جنة الخلد أم هارب من مسؤولياتك تجاه أهلك ووطنك؟ أهي الشجاعة تسوقك إلى الموت أم أن الجُبن يدفعك إلى الهرب من كل شيء؟ أأشقياء أم أتقياء قد أوهموك أن زرع الحسرات في قلب أهلك هو الثمن لبلوغ جنة النعيم؟ أيستحق وطنك أن يعاني من آثار جريرتك كلما تاقت نفسك لنعيم لا يزول؟ تأمل كيف أن الجميع يُردد أمامك: الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، الموت للشيطان، لكنه لا يأمرك إلا بقتل المسلمين بحجة أنهم مجرد عقبة وعليك تخطيها! تأمل كيف ذهب من كان قبلك لنصرة قوم ثم انتهى به المطاف وهو يحاربهم لنصرة هذا الدين! فأي شيطان أقنع شبابنا بأن ثمن بلوغ الجنة هو هدر دماء المسلمين؟ تأمل كيف يعود أكثر المجاهدين حانقين على أوطانهم، كأنهم قد آمنوا بأن الإسلام لا شيء أكثر من دار حرب ورماح وسيوف ورصاص ودماء لا ثمن لها، كأنهم آمنوا بأن محمد -عليه الصلاة والسلام- ما ترك للمسلمين سوى السيف، فيقتل القاتل وهو لا يدري في أي شيء قَتَل، ويموت المقتول دون أن يُدرك على أي شيء قُتِل! تأمل قبل أن يخدعوك هذه المرة ب"حيّ على الجهاد".