في حديث خاص لموقع وزارة الدفاع "26 سبتمبر نت" بمناسبة احتفالات اليمن بالعيد ال51 لثورة 14 أكتوبر المجيدة عاد الرئيس الأسبق علي ناصر محمد للمطالبة بعقد ما اسماه مؤتمر إنقاذ ومصالحة وطنية بشكل عاجل لإخراج البلاد من مأزقها الخطير بعد اطلاقه الدعوة لعقد المؤتمر للمرة الأولى في بيانه نهاية أغسطس الماضي خلال الاعتصامات والاحتجاجات التي نظمتها جماعة الحوثي داخل العاصمة صنعاء وعند مداخلها. -رغم تجاوز الازمة الراهنة مرحلة الانفجار العسكري الشامل الا ان فكرة عقد المؤتمر لاتفارق مخيلة علي ناصر و أصبحت محور نشاطه واتصالاته التي اجراها مع غالبية الأطراف اليمنية خلال الأسابيع الماضية والتي كان أهمها اتصاله بالرئيس السابق بذريعة تهنئته بعيد الأضحى المبارك لكن لماذا هذا الاصرار لعقد المؤتمر ؟وما هي أهداف ناصر منه؟ -هناك العديد من التلميحات و الإشارات المقتضبة التي احتوتها تصريحات واحاديث علي ناصر في الفترة الماضية التي يمكن من خلالها معرفة الأهداف التي يسعى الى تحقيقها من المؤتمر خاصة مع تناغمها مع نفسية الرجل وسياسته المعروفة للكثيرين ومن ابرز تلك الأهداف التالي : 1-السعي للعودة الى الحكم من بوابة مؤتمر الإنقاذ وذلك راجع الى هوسه الشديد بالسلطة والرغبة الجامحة في المسك بزمام الأمور ،ويبدو ان طول فترة بقاءه خارج السلطة - التي فقدها مضطرا جراء الهزيمة التي لحقت بقواته في احداث 86م الدموية -لم تؤثر في تلك الرغبة بل زادتها اشتعالا سيما مع ادراكه ان هذه الازمة ربما تكون آخر فرصه لتحقيق حلمه مع تقدمه بالعمر. -ولان ملايينه التي جمعها ومنتجعاته التي يمتلكها في اكثر من دولة لاتمكنه من منافسة خصمه علي سالم البيض -صاحب الثروة المهولة –وفرض نفسه كقوة فاعلة على الأرض قادرة على تحريك الشارع الجنوبي متى ارادت،ومن ثم يدرك ناصر ان فرصته الوحيدة للعودة الى الحكم هي عبر طريق السياسة ومؤتمر الإنقاذ على وجه التحديد وهذا الامر يمكن من خلاله فهم الخطوط الرئيسية التي يبني عليها سياسته كالحرص في الظهور كشخصية مجمع عليها من مختلف الأطراف و إبقاء خطوط اتصالاته مفتوحة والاحتفاظ بعلاقات جيدة مع الجميع والتأكيد على وقوفه على مسافة واحدة من الجميع وان ما يهمه هو امن واستقرار وسلامة الوطن والعدل والمساواة للأجيال القادمة كما جاء في بيانه الأخير . -كما يعتمد ناصر على جعل العمومية والغموض سمات بارزة لغالبية مواقفه من القضايا الرئيسية على الساحة،فنجده مثلا يتجنب ابداء موقف واضح وصريح مؤيد للانفصال كما لايتحدث عن دعمه لتقرير المصير للجنوب الا في اطار موقف جماعي يمثل المؤتمر الجنوبي في القاهرة -الذي يتشارك في قيادته مع حيدر العطاس وشخصيات أخرى –أكثر من كونه موقفا شخصيا له،ويضمن ناصر بمثل هذه المواقف دعم القوى الشمالية له وتقديم نفسه ممثلا عن اليمن بمختلف مناطقه وسكانه. -لكنه في الوقت ذاته شديد الحرص على عدم خسارة دعم القوى الجنوبية المطالبة بالانفصال ويلجأ هنا الى سياسة ترتكز على التالي : أ-ابراز دوره ومواقفه في خدمة المشروع الانفصالي من خلال التأكيد انه اول من دعا الى التصالح والتسامح . ب- الحديث عن دوره في المكاسب التي تحققت للجنوب خلال الفترة الماضية كقوله ان النقاط العشرين التي اقرها مؤتمر الحوار الوطني جاءت من الرؤية التي قدموها لجمال بن عمر وللجنة التحضيرية للحوار المقدمة من تكتل المؤتمر الجنوبي “القاهرة” ج- التأكيد المستمر على أن القضية الجنوبية سياسية بامتياز ومن الضروري إيجاد حل عادل يرتضيه الشعب في الجنوب ويستجيب لآماله وتطلعاته المشروعة ،وكذلك قوله ان مؤتمر الإنقاذ هو من اجل بحث كل الخيارات ,... د-الايعاز الى عدد من الصحفيين الترويج له ولما يمتلكه من مهارات و ودهاء واعتباره الشخصية الجنوبية التي استطاعت مقارعة القيادات الشمالية بل والتفوق عليها عبر الادعاء بوقوفه وراء المصير الذي الت اليه القيادات التي شنت حرب على الجنوب العام 94م وان ناصر عمل على تأجيج الوضع بينها مستخدما ثورة التغيير 2011 لينتقم منهم بطريقة كسر العظم وبانه العقل المدبر لاسقاط صالح من الحكم كما ذهب اليه الصحفي احمد الدميني في مقاله قبل ايام (مهندس السياسة الجنوبية والرجل المفكك للقوى الشمالية الزعيم على ناصر محمد) . 2- أما ثاني اهداف علي ناصر من الدعوة الى مؤتمر انقاذ فيتمثل في سعيه للتحالف مع الحوثي خلال الفترة القادمة باعتباره القوة الصاعدة في الشمال،ويهدف من ذلك الى : أ-استغلال الموقف الحوثي المنفتح كثيرا على حل القضية الجنوبية-اذا ما قورن بمواقف القوى الشمالية الأخرى-والحصول على دعمهم لاقرار حق تقرير المصير للجنوب في مؤتمر الانقاذ ،وفي هذه الحالة سترتفع أسهمه كثيرا في الجنوب وقد يتمكن من منافسة البيض في الشارع الجنوبي . ب-في حال تراجع الحوثي عن دعم تقرير المصير خلال المؤتمر فبالإمكان ارجاع ذلك الى الموقف الإقليمي والدولي الرافض للانفصال وإقناع الجنوبيين بالمكاسب التي تحققت لهم من المؤتمر خاصة في حال تم إقرار فيدرالية الاقليمين وفي الوقت ذاته ضمن ناصر دعم الحوثيين له وتسخير إمكانيات المختلفة لفرض سيطرته على الإقليم الجنوبي ،لذا يمكن فهم تماهي دعوة عبدالملك الحوثي الأخيرة للقيادات الجنوبية للعودة الى صنعاء لمعالجة عادلة للقضية الجنوبية وبين دعوة علي ناصر لعقد مؤتمر الإنقاذ في صنعاء وليس خارج اليمن كما تطالب به قوى الحراك. ج-ضمان تولي منصب رئيس اليمن خلال عمر الفترة الانتقالية الجديدة التي ستكون ضمن مخرجات مؤتمر الإنقاذ وما يعنيه ذلك من تحقيق حلمه بالعودة الى الحكم حتى لو كان لسنوات معدودة يقابله تخلص الحوثيين من التزاماتهم وفق مخرجات الحوار الوطني واتفاق السلم كون الفترة الانتقالية الجديدة ستؤسس وفق مرجعية جديدة يفترض إقرارها كمخرجات لمؤتمر الإنقاذ الذي سيتجنب البحث في القضايا التي تمكن الحوثيين من حسمها مسبقا بالقوة وفرضها كواقع على الأرض يجب التعامل معه. 3-أما ثالث اهداف علي ناصر من الدعوة الى مؤتمر انقاذ فتتمثل في السعي للحصول على اعتراف القوى الشمالية المشاركة والقوى الخارجية الراعية للمؤتمر به ككمثل شرعي عن الجنوب ،وفي هذه الحالة سيتمكن ناصر من : أ- إزاحة الرئيس هادي من الحكم والحلول محله كشريك جنوبي في النظام الجديد،ويبدو أن ناصر يركز نشاطه الحالي للتمهيد لذلك عبر التحرك نحو القوى الشمالية الفاعلة (الحوثي وصالح)وتقديم نفسه كحليف جنوبي في النظام الجديد بديل عن هادي وظهر ذلك بجلاء في خطوتين رئيستين قام بهما : -الأولى التواصل المباشر مع الرئيس السابق لعدة اعتبارات اهمها اعتبار صالح الحليف الاهم للحوثي وتزايد ثقله ودوره على الساحة الداخلية بعد تمكنه عبر الحوثي من التخلص من خصومه وإزاحة الاخوان من السلطة ،والاهم من كل ذلك سعي ناصر لاستغلال العلاقة المتوترة بين صالح وهادي والتي تصاعدت حدتها في الفترة الأخيرة لمصلحته خاصة مع عدم استبعاد وصول تلك العلاقات الى حد القطيعة بين الرجلين في الأسابيع القادمة جراء ردة الفعل الغاضبة المتوقعة من قبل صالح في حال قرر مجلس الامن فرض عقوبات دولية ضده،وتحميله هادي مسئوليتها ذلك والوقوف وراء ما حصل . -في حين تمثلت ثاني خطوات ناصر في محاولاته المتكررة التودد والتقرب من الحوثي وهناك امثلة كثيرة تشير الى ذلك منها تأكيد ناصر المتكرر في جميع مواقفه وتصريحاته الاخيرة على استنكاره الشديد لجريمة ميدان التحرير الارهابية او الإشادة بموقفهم من القضية الجنوبية ودور الجماعة في مؤتمر الحوار وقبل ذلك ظهور ناصر في اعلام الحوثي تارة بحوار مطول مع صحيفة صدى المسيرة وأخرى بنشر مقال في صحيفة الهوية . -يضاف الى ذلك ابداء ناصر مواقف متماهية تصل حد التطابق مع مواقف الحوثي من غالبية القضايا كموقفه من الإرهاب وقرار الجرعة الاقتصادية واسبابها الحقيقية ومسئولية هادي عن القرار والاختلالات الأمنية والفساد السياسي ,وو..لدرجة لجوء علي ناصر لتشبيه قرار الجرعة بتآمر مشركي قريش على الرسول الكريم (ص)لعل ذلك التشبيه الغريب يلقى رضى من الحوثي ولم يتبق امام ناصر سوى ترديد شعار الصرخة لاعلان انضواءه تحت عباءة الحوثي ،وربما يساهم رفض اللجنة التحضيرية لفعالية الحراك في ذكرى أكتوبر استقبال وفد الحوثي في تعزيز فرص ناصر في التحالف مع الحوثي. ب- إزاحة علي سالم البيض من الواجهة كممثل رئيسي عن الحراك والاعتراف به ككمثل للحراك والجنوب عموما،لذا نجده شديد الحرص في الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع جميع القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في اليمن وعدم الارتهان الى قوة بعينها كما هو حال خصمه البيض،ويبدو أن التوجه الحالي لمجلس الامن الدولي لفرض عقوبات على البيض باعتباره ضمن القوى المهددة للعملية السياسية في اليمن،سترفع من فرصه في الاعتراف الدولي به كممثل شرعي عن الجنوب خلال المؤتمر،وفي الغالب سيركز ناصر جهوده لاقناع المجتمع الدولي من اجل ممارسة مختلف أنواع الضغط اللازمة لإجبار البيض على اعتزال العمل السياسي والاعكتاف من جديد في منفاه بسلطنة عمان . -علي ناصر المهووس بحب السلطة لايتورع من اجل العودة اليها في القيام باي شيء يحقق له ذلك بغض النظر عن قانونية واخلاقية وكرامة ووطنية تلك الأفعال فليس لديه مشكلة في التحول الى أداة في يد الحوثي ومساعدته في تحقيق أهدافه اذا كان ذلك سبيلا في إزاحة هادي من الحكم والحلول محله وليس لديه مشكلة في التملق للرئيس السابق والبحث عن دعمه اذا كان ذلك سيمكنه من مراده حتى لو تسبب ذلك في اضعاف دور ومكانة الشريك الجنوبي في الحكم . -بل ليس لديه مشكله في التراجع عن تقرير المصير اذا كان ذلك هو المقابل لنيل رضى السيد عنه ،فهاهو يدعو الى عقد مؤتمر الإنقاذ في اليمن وليس خارجه كما تشترط قوى الحراك المتشدد في تنازل مسبق عن تقرير المصير وتماهى مع دعوة الحوثي في خطابه الأخير التي وجهها للقيادات الجنوبية بالعودة الى صنعاء للبحث عن حل عادل للقضية الجنوبية . -صحيح ان علي ناصر هو الشخصية الجنوبية الأكثر دهاء ومكرا وحبا للسلطة ما يجعله اكثر الشخصيات شبها بصالح لكن مع فارق جوهري بين الرجلين ،فصالح رغم هوسه بالسلطة الا انه يتجنب إراقة الدماء من اجلها -قدر الإمكان -كما حصل في 2011م بعد اصابته في النهدين،في حين ان علي ناصر سعى الى تصفية خصومه في 86م من اجل السلطة ،ورغم حرصه في عدم الظهور كلاعب رئيسي في الاحداث لكن الكثيرين يعرفون الدور الرئيسي الذي قام به في التخلص من الشهيد سالمين وفي نفي عبدالفتاح إسماعيل الى موسكو وفي غالبية الاحداث والماسي التي وقعت في الجنوب قبل الوحدة وفي احداث رئيسية بعدها. -لا اعتقد ان الحوثي الذي ابدى ذكاء ومهارة واضحتين في ادارته للازمة خلال الأشهر الماضية قد يتخلى عن ذكاءه ويتحالف مع شخص على شاكلة علي ناصر الذي ينظر بتكبر ممزوج بحقد للرئيس هادي ويعتبره تابع له وموظف سابق عنده ،ولايتردد في التخلص من خصومه عند ما تسنح له الفرصة فكيف ستكون نظرته الى شخص يصغره بعقود وقادم من جبال مران وهو من يمثل الجنوب بمساحته وثرواته،ولو كان ناصر هو من يرأس البلاد خلال الازمة الأخيرة لكانت شوارع صنعاء ومداخلها قد فاضت بالدم . __________________________ [email protected]