في أحيان كثيرة بل غالباً يتحول القادة والسياسيون والنخب بمختلف اطيافهم الى وكلاء من الدرجة الأولى ومنهم من الدرجة الثانية والثالثة لتنفيذ أجندات من يتبعون أو من يدعمهم على مستوى الإقليم أو المستوى الدولي وهم هنا ملحقون بدواليب مخططات المحاور الإقليمية خصوصاً في مراحل انعدام الوزن الذي تعيشه دول المنطقة ومنها اليمن. وفي ظل غياب الاصطفاف حول مشروع وطني جامع وواضح لإرادة اليمنيين يتحول قادة وزعماء المكونات والقوى الى عامل مساعد بل ورافعة تشد البلاد والعباد - الجميع - نحو العمل بالوكالة لتنفيذ أجندات خارجية وخدمة مصالح اقليمية حتى لو ادى الأمر لتفجير حروب وتدمير البلاد وتقديم البشر قرابين لتعزيز قوة ونفوذ احد محاور الصراع في المنطقة و إضعاف وتدمير المحور الآخر.
والتضليل السياسي والإعلامي الذي تستخدمه أطراف الصراع في البلاد خصوصاً تلك التي تسيطر على السلاح والمال وبيدها مفاعيل الحرب والسلام لن يدوم ولن تطول فعاليته فسرعان ما تتكشف الأقنعة وتسقط ورق التوت ويبدأ التدحرج نحو الأسفل لينتهي الى الهرولة نحو السقوط والفشل في ظل انعدام الصدق والإحساس بخطورة الأوضاع في البلاد أو الغرور المميت والقاتل. وبمراقبة سلوك القوى والمكونات التي تتجمع بيدها مفاعيل القوة " السلاح والمال " وتخدمها الظروف الإقليمية والمحلية بتبدلاتها وتغييراتها السريعة نجدها تركن الى تفوقها في موازين القوى وتحاول بكل الطرق بما في ذلك التلويح بالقوة واستخدامها إن اقتضى الأمر ظناً منها أن تلك القوة التي تحت يدها هي عامل الحسم وطريق النصر.
وفي ظل هيمنة القوة واستعراض العضلات التي تمارسها المكونات السياسية منذ سنوات خلت سواء جاءت من خلال الحزب الحاكم صاحب الأغلبية المريحة أومن الحزب الأكبر والأكثر عددا وتسليحاً ومالاً والذي يصبح بسبب ما يملك من مال وسلاح بيده مفاتيح الحشد والتجنيد وتحريك الشارع والجماهير لكنه يتناسى في لحظة زهو وغرور القوة أن إيقاع الزمن سريع وان المتغيرات عاصفة وأن المنطقة برمتها تمر بمرحلة انتقالية حرجة ولم تصل بعد الى التماسك والوضوح بنوعية وطبيعة النظام الأقليمي المطلوب للمرحلة.
وفي مرحلة ضبابية تجريبية في المنطقة ليس من مصلحة اليمن أن يستجيب لأي طرف اقليمي أو دولي للانجرار وراء سياسات المحاور ولعبة الشحن الطائفي والتقسيم والتفتيت ولابد من أخذ العبرة والاستفادة مما مرت به دول في المنطقة " العراق وسوريا وليبيا" ومحاولة تجنب ما لحق بتلك الدول من صراعات واقتتال طائفي وتحولها الى جهنم على شعوبها .
هناك فرصة تاريخية أمام اليمنيين ساسة ونخباً وشعباً بمختلف اطيافه أن يكونوا أصحاب قرار في وطنهم بمعنى تكون شراكتهم فعلية في صنع القرارات التي تهم بلادهم وليسوا مجرد وكلاء لتنفيذ مشاريع وتوجهات تعبر عن سياسية المحاور المتصارعة في المنطقة وفي الغالب لا يدرك اليمنيون أبعاد تلك المشاريع أو تحدد أدوارهم خصوصاً النخب والسياسيين الذين بيدهم صناعة القرارات أو المشاركة في صناعتها.
إن الآمال معقودة على الحكماء في المكونات والأحزاب السياسية لفرملة أولئك النفر في مكوناتهم واحزابهم الذين يمكن ان نطلق عليهم بهواة الحروب والصراعات وعباقرة الفتنة والاحتراب وتجار السلاح ومافيا الفساد من اعتادوا على ان الحروب والصراعات ميادين ارزاق بالنسبة لهم تزيد من ارصدتهم البنكية وعقاراتهم وهم معروفون لا تخطئهم العين المبصرة لكنا نقول لهم هذه المرة لن تسلم الجرة فالانقسام حاد وأخذ ابعاداً جديدة لم تكن حاضرة في الحروب والصراعات السابقة بالإضافة الى تغيرات عميقة في موازين القوى على المستويين المحلي والإقليمي .
وهناك أمل لدى المتعبين والجياع والعاطلين عن العمل وكل الذين يعانون من عشرات السنين من التهميش والإقصاء أن لدى اليمن فرصة تاريخية مهمة لتكون دولة مستقلة توازن بين المصلحة الوطنية والمصالح الاقليمية والدولية إذا ما أتقنت قيادتها وقادة مكوناتها وقواها السياسية والاجتماعية لعبة حفظ التوازن التي تتناسب مع موقعها " الجيوسياسي " .
وأهم أدوات إتقان لعبة التوازن عدم الإنصياع وراء مطالب المتصارعين في الإقليم والتخلص من حالات الثأر المريضة ومكاشفة الشعب بشفافية ووضوح بكل من يسعى من المكونات والأطراف الإضرار باليمن والشعب بتكريس سياسة المحاور وفرض انقسام جديد في اليمن بين المتصارعين في المنطقة.
فعلى قادة وزعماء الأطراف والمكونات السياسية أن يدركوا بأن تحولهم الى وكلاء حروب للأطراف الإقليمية وتحويل اليمن الى ساحة تصفية حسابات سيجر البلاد الى هاوية سحيقة وسيكونون هم أول الضحايا ولن ينفع الندم عندما يتفاهم ويتحاور المتحاربون الكبار في الإقليم.
وأخيراً: إن قوة حلفاء حرب صيف 94م لم تنفعهم فهزموا جميعاً وحلفاء فبراير 2011م برغم سيل الجماهير الكاسح لكنهم عندما ركنوا الى القوة والاستحواذ والإقصاء هزموا شر هزيمة ، فعلى حلفاء اليوم الأقوياء ان يتعظوا بأن القوة وحدها لا تكفي للحسم وإنما القبول بالآخر والتعايش والشراكة الحقيقية. اللهم اجعلهم يفهمون ويتعقلون ويرشدون قبل أن تصيبهم لعنة القوة وشياطينها فتدمرهم كما دمرت من سبقهم . اللهم اني بلغت اللهم فأشهد. __________________ صحيفة الثورة :