لا تكاد تمر صلاة في مسجد دون أن ترى محتاجاً يمد يده طالباً المساعدة. مشاهد تتكرر خمس مرات يومياً في هذا المكان وحده. تختلف معها قصص المحتاجين، عاهة مستديمة منعت صاحبها السعي في أرض الله. إصابة أنتجتها غارة جوية على امرأة تسكن منزلها، فراح زوجها يبحث لها عن دواء، بعد أن كان في السابق كل همه إصابة قوت يومهما. قذيفة سقطت على منزل، فأصبح أهله بلا مأوى. أو عجز عن الحصول على لقمة تسد رمق الأبناء بعد أيام من البحث عن عمل في إحدى الجولات. أناس كثر من هؤلاء يقسمون بالله أنهم اضطروا إلى الوقوف في ذلك الموقف. لم تعد هناك حاجة لهذه الأيمان، فبالإضافة إلى مناظر هؤلاء الدالة على عفّتهم وترفعهم عن سؤال الناس، تنشر المنظمات الدولية تقاريرها بشكل شبه يومي. محذرة من كارثة إنسانية. آخرها ما نشره برنامج الغذاء العالمي عن مجاعة وشيكة تكاد تضرب البلاد وتهوي بها في مهب الفاقة والجوع. وقبلها منظمة أوكسفام البريطانية التي أشارت إلى احتياج 21 مليون شخص في اليمن إلى مساعدات عاجلة. أي أن الشعب اليمني في الداخل – كله - بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة. غلاء الأسعار الجنوني لم يعد يطيقه أحد. فقد تجد من جيرانك ممن عُرف عنهم يسر الحال. يشترى المواد الأساسية بالنصف وبالربع الكيلو. فكيف تتوقع حال الكثيرين الذين يعانون أصلاً قبل تصاعد الأزمة ووصولها إلى هذا المستوى..؟! في الجانب الآخر، يعيش من يدعي مسؤوليته عن هذا الشعب خارج البلاد. ولذا فهو لا يدخل مسجداً فيه متسولون يصطرخون ويرموا شماغاتهم عليه – جاهاً - أن يغيثهم وأولادهم. ولن يجد جاره الذي دخل دائرة العَوز، وأصبح يشد على بطنه كي تستمر حياة أطفاله. وربما لن يخجل من القول إن المنظمات الدولية تبالغ في الأرقام التي تنشرها. وقد تجده يعزف على شاشات التلفزة سمفونية أن الشعب اليمني قادرٌ، مقاوم، جبّار، ويستطيع أن يصمد أمام المؤامرات والأزمات. نعم، الشعب اليمني شعب مقاوم وصابر ومعتاد على تحمل المشاق في سبيل استمرار عيشه. لكنه لن يصمد طويلاً أمام موجات الجوع التي تنهكه وتكاد تفتك به. ولسنا هنا في سياق الحديث عن الآثار أو التهديدات الناجمة عن هذا الوضع. فالجميع يعرفها، ويعلم مخاطرها المهددة لمستقبل البلاد. كما يعرف الجميع تماماً أن الحل يكمن في الدولة فهي وحدها الجهة القادرة على معالجة الأوضاع وإنقاذ ما يمكن إنقاذه. أما إذا انتظرنا انتصار أحد المتقاتلين على الآخر، فسيكون على الطرف الغالب حينها أن يحدد أولوياته. هل يصارع الجوع أم يحارب الإرهاب الذي خلفه الجوع أيضاً..؟!