خلال فترة دراستي للدكتوراه كنت امتلك روحا قوية وسعيدة، بذلت جهدي في البحث العلمي ونشرت أبحاثا في أفضل المجلات العالمية المتخصصة في الفيزياء النووية، كان يشار الي بالبنان في قسم الفيزياء بكلية العلوم بجامعة القاهرة وكنت مزهوا بنفسي وأنا أتلقى عبارات المديح من أساتذة القسم والكلية. عندما حصلت على شهادة الدكتوراه في اخر 2014 ظننت أنها بداية العطاء العلمي والمشاركة في بناء الوطن، حصلت على فرص حينها للعمل في مصر وأخرى بالسعودية وأخرى برسيا وبولندا ونصحني اساتذتي بالبقاء في مصر حتى الحصول على فرصة بأوروبا أو أمريكا، ولكني كنت أنظر للأمر من زاوية مختلفة، فالوطن تكفل بدراستي الجامعية والعليا وحان الوقت لرد الجميل فقررت أن أعود الى الوطن على الاقل لبضعة سنوات وبعدها يمكنني أن أسافر وأعود مرة أخرى. عند قدومي لليمن في فبراير 2015، كانت لدي أحلام كبيرة من ضمنها انشاء مركز للدراسات النووية في جامعتي والتقدم بمشروع اصلاح لمناهج الفيزياء والكيمياء والأحياء في المرحلة الثانوية وتأسيس جمعيات علمية تعني بدعم التعليم والثقافة وتأليف كتب علمية تبسط النظريات العلمية للقارئ العربي وكتب أخرى في الفكر الاسلامي وضرورة تجديده وأحلام أخرى. وبعد مكوثي سنة واحدة في اليمن تم اختزال أحلامي ومشاريعي الى مشروع وحيد هو توفير لقمة عيش لأولادي ولنفسي وما زلت أعمل عليه بكل جهدي. ظهرت قويا في بداية الأزمة وكنت سعيدا وكتبت منشورات عدة عن تجربتي مع السعادة ولم أكن أتصور أني سأفقد هذه السعادة التي وجدتها، ولكن ظروف الحرب كانت قاسية للغاية علي وعلى ملايين اليمنيين، ورغم ذلك ما زلت أدعي السعادة ولكني لم أعد متأكدا هل أنا سعيد أو حزين، أصبحت مشوش الذهن ولم يعد بإمكاني التأكد. نعم الظروف قاسية على الجميع فلربما أنا حزين لأني أصارع من أجل البقاء ولم أقدر على توفير معيشة كريمة لي ولأسرتي وربما يكون السبب كثرة الديون أو أن السبب هو أني لم أعد باحثا متميزا كما كنت فقد توقفت مسيرتي البحثية وكل ما أفعله الان هو التدريس في كليات الهندسة لمقررات بعضها لا ناقة لي فيها ولا جمل وانما لتوفير لقمة العيش لأسرتي. في أيامي الأخيرة في القاهرة كان زملائي واساتذتي ينظرون الي كمشروع عالم نووي والان لم أعد متأكدا من ذلك وبدلا من ذلك قد يكون عزائي أن طلابي ينظرون الي كمدرس جيد وأتمنى أن أكون كذلك على الأقل. أنظر الى صورتي في المرآه أحيانا واتخيل لوحة الموناليزا الشهيرة والتي لا تعرف أنها مبتسمة أو حزينة. كانت لدي أحلام تأسيس جمعيات أهلية تعني بالأيتام والفقراء في مجتمعي الفقير في تهامة وبدلا من أن أعينهم على مكافحة الفقر اذا بي أتنقل عند بعض أقاربي الفقراء لأشاركهم سللهم الغذائية التي يحصلون عليها من منظمات الاغاثة لأسد احتياجات أسرتي من الغذاء وعلى كل حال الحمد لله فربنا من علينا بالستر والعافية. أتمنى نهاية سريعة لهذه الحرب اللعينة، لن أوجه نداء لأي جهة، فالمجتمع الدولي لا يعنيه أمر اليمن التي أنهكها الحصار والحرب والفقر والمرض والفساد، ولن أوجه رسالتي لما يسمى بالشرعية ورئيسها هادي فهو أصل المشكلة ولن يكون الحل وتسببت هذه الشرعية في نقل البنك وتعهدت بالرواتب ولم تفي بذلك، ولن أوجه رسالة الى حكومة الانقاذ في صنعاء فقد غدت حكومة اغراق لا انقاذ ولم نلمس منها أي اصلاح للوضع ولم نرى منها محاسبة للفساد ولا تفعيلا لدور الرقابة والمحاسبة، ولكن أوجه رسالتين الاولى الى الله والذي ندعوه أن يجنبنا الفتن ويرزقنا الاستقرار ويرحمنا برحمة من عنده، والثانية الى المجتمع اليمني المغلوب على أمره بأن يصبر ويتراحم ويتكافل ويتعاون ويناصح بعضه البعض. بالنسبة لي، سيبدأ موسم عملي (التدريس) قريبا وانتظره بفارغ الصبر لأن العطلة الدراسية أنهكتني وانقلبت من وقت للراحة الى وقت عصيب للصراع من أجل البقاء. أهدافي لهذه السنة توفير الامن الغذائي لعائلتي وتوفير الحليب قبل النوم تلك العادة التي داومت عليها لثلاثين سنة أو أكثر وقطعتها عن نفسي وأولادي منذ عدة أشهر وأن أقضي بعضا من ديوني. ليس لي أحلام علمية كبيرة في الوقت الراهن سوى محاولة العودة الى البحث العلمي وتأليف بعض الكتب. عندما أوفر العيش الكريم نسبيا لأسرتي سأبدأ في هذه المشاريع العلمية. وطني الغالي اليمن الحبيب لا أدري هل علينا الأخذ بيدك أم عليك الأخذ بيدنا، أشعر بحنانك البكاء الان يبدو أنك تعاني أكثر مما نعانيه، يبدو أنك متعب للغاية ويبدو لي أنك في أمس الحاجة الينا، سأحاول أن أشرح هذا لبنيك وسأعود لأخبرك بما اتفقنا عليه. لن نتركك وحدك سنحاول النهوض وحينها ستنهض انت. عشت يا وطني وبارك الله أرضك.