إضافة إلى معاناتهم الكبيرة، يتعرض أطفال فئة المهمّشين في اليمن للعزل والتنمر في عدد من المدارس، ما قد يدفعهم إلى التسرب تُعاني فئة المهمشين في اليمن من جرّاء بعض الممارسات التي توصف ب "العنصرية"، كان آخرها حرمان عدد من أطفال المهمشين من الدراسة، وعزل آخرين في الصفوف، أي بعيداً عن بقية التلاميذ. في السياق، يؤكّد ماهر شرف أن إدارة مدرسة زينب الحكومية القريبة من الحي الذي يسكنه في منطقة حزيز جنوبصنعاء، فصلت التلاميذ الذين ينتمون إلى فئة المهمشين عن التلاميذ الآخرين، وخصصت لهم فصولاً دراسية أخرى. ويقول شرف إن "عدم دمج أطفال المهمشين في الفصول الدراسية مع بقية الأطفال في بعض مدارس صنعاء، دفعهم للتسرّب من المدارس من جراء التمييز العنصري"، مشيراً إلى أن "كثيراً من أطفال المهمشين تركوا التعليم بسبب تعرضهم للضرب والتنمر من قبل بعض الإداريين في المدرسة والتلاميذ". من جهته، يقول المواطن خالد حسين، وهو من فئة المهمشين أيضاً، إنّ "ما يُمارس ضد التلاميذ الذين ينتمون إلى فئة المهمشين في المدارس الحكومية في صنعاء، انتهاك لحقوق الإنسان وتمييز طبقي، وهذا ناجم عن غياب العدالة الاجتماعية في البلاد". يضيف أنّ "فئة المهمشين في اليمن محرومة من أبسط حقوقها التي يتمتع بها بقية المواطنين من قبيل التعليم والصحة والدمج في المجتمع، الأمر الذي ولّد لديهم شعوراً بالدونية". ويؤكد أن "كثيراً من التلاميذ المهمشين باتوا لا يريدون استكمال الدراسة بسبب عدم دمجهم في المدارس مع بقية التلاميذ، إضافة إلى نعتهم بألفاظ عنصرية مثل كلمة خادم التي تُطلق على كل مُهمّش". يضيف حسين: "أرسلت أبنائي إلى المدرسة مع بدء العام الدراسي الجاري، إلّا أنّهم واجهوا مشاكل عدة، كالتنمّر من قبل زملائهم بسبب بشرتهم السوداء، ما جعلهم يكرهون التعليم". ويشير إلى أن المدارس فرضت على التلاميذ بشكل عام رسوماً في مقابل الدراسة، وحين "عجزتُ عن تسديدها، انتهى الأمر بإخراج أبنائي من المدرسة". وبحسب مصدر خاص، فإن عدداً من المدارس الموجودة في منطقة حزيز جنوبصنعاء ترفض استيعاب التلاميذ المهمشين بذريعة عدم تسديدهم الرسوم. ويقول مصدر يعمل في منظمة حقوقية (رفض ذكر اسمه) إن "مدرسة سعد بن معاذ، ومدرسة الحسين، ومدرسة الحمد، وغيرها من المدارس في المديرية رفضت استقبال التلاميذ المهمشين بذريعة عدم دفع الرسوم وعدم وجود صفوف كافية"، مطالباً الجهات المعنية بالعمل على إلحاق التلاميذ بالمدرسة ومعالجة مشاكلهم. وفي ظل تزايد الممارسات العنصرية ضد فئة المهمشين في اليمن، ظهرت مبادرات مجتمعية عدة تهدف إلى دمج المهمشين في المجتمع بشكل تدريجي، وتوفير الخدمات الأساسية لهم، إضافة إلى حثهم على مواصلة التعليم لتحسين مستواهم المعيشي، منها مبادرة "أساس لتنمية ودمج المهمشين في المجتمع". ويقول رئيسها محمود سعيد إن فئة المهمشين "مواطنون يمنيون ويجب منحهم الحق في التعليم والصحة والحصول على أدوار اجتماعية بارزة أسوة ببقية أفراد المجتمع ومن دون فوارق مجتمعية". ويؤكّد سعيد أن المبادرة تعمل على "تنمية ودمج المهمشين في المجتمع من خلال إلحاقهم بالمدارس، وتوعية الآباء حول أهمية العلم وعدم إرسال أبنائهم إلى سوق العمل وحرمانهم من التعليم، وحصول المهمشين على حقوقهم المختلفة للنهوض بواقعهم نحو الأفضل". ويوضح أنّ المبادرة تعمل بدعم ذاتي وتعتمد على جهود شباب متطوعين: "أكثر من 30 طالباً جامعياً إضافة إلى خريجين من الثانوية العامة يتطوعون في المبادرة بهدف الحد من الأمية بين المهمشين، والحد من تسرّبهم من المدارس، والبحث عن تمويل لمشاريع في مجالات التعليم والصحة تخدم فئة المهمشين وتضمن لهم حياة كريمة والاندماج مع بقية أفراد المجتمع". ويقول عيد إن "المبادرة تعمل بالتنسيق مع الجهات المعنية في الدولة لتعزيز الوعي حول أهمية نبذ العنصرية في أوساط المجتمع"، مشدداً على أهمية دمج التلاميذ المهمشين في الفصول الدراسية في كل المدارس الحكومية مع بقيّة التلاميذ، لأن عدم دمجهم يُشعرهم بالنقص وعدم تقبل المجتمع لهم. ويؤكد أنّ "أوضاع فئة المهمشين في اليمن لن تتغيّر، إلا من خلال إلحاق أبنائهم بالمدارس لمواصلة تعليمهم، وهذا لن يحدث إلا بمساعدة الحكومة والمنظمات الدولية لهم، لأن غالبيتهم لا يستطيعون إرسال أبنائهم إلى المدارس بسبب المصاريف الدراسية". وعلى الرغم من أن الممارسات المجتمعية العنصرية ضد فئة المهمشين في اليمن مشكلة قديمة، إلا أنها زادت بشكل كبير خلال السنوات الماضية، بحسب الباحثة النفسية والاجتماعية هند ناصر. تقول إن "المهمشين من أكثر الفئات تضرراً من الحرب القائمة في البلاد نتيجة غياب سلطات الدولة الثلاث التي تحفظ حقوق المواطنين بشكل متساوٍ في أي دولة من دون النظر إلى ألوان بشرتهم أو أنسابهم". تضيف ناصر أن المهمشين "في كافة أنحاء اليمن، وليس في صنعاء فقط، يعانون بشدة من نظرة الاحتقار التي يرونها في عيون أفراد المجتمع تجاههم بسبب لون بشرتهم السوداء والمهن الدونية التي يعملون فيها"، مشيرة إلى أن هذا الأمر "يؤثر بشكل كبير في نفسياتهم ويدفع معظمهم إلى تفضيل العزلة على الاندماج مع المجتمع المحيط". وتؤكد ناصر أنّ "كثيراً من أطفال المهمشين تركوا المدارس خلال سنوات الحرب الماضية، والتحقوا بجبهات القتال المشتعلة في مختلف أنحاء البلاد، من جرّاء تردّي أوضاع أسرهم الاقتصادية". والمهمّشون في اليمن من ذوي البشرة السمراء، ويسكن غالبيتهم مساكن من الصفيح أو "الطرابيل: البلاستيكية، على شكل تجمعات يُطلق عليها اسم "محوى"، وغالباً ما يكون المنزل الواحد مكوناً من غرفة واحدة تعيش فيها أسرة كاملة. ويشكّل المهمّشون 12 في المائة من إجمالي سكان اليمن، ويتوزعون على مختلف محافظات البلاد، وفقاً لآخر الإحصائيات الرسمية. )العربي الجديد)