مرض الفشل الكلوي (30)    الكثيري: المجلس الانتقالي يؤكد التزامه بأمن الوادي ودعم استكمال تحرير حضرموت    لحج.. قوات الجبولي تواصل حصارها لقرى في المقاطرة وسط مناشدات للجنة الرئاسية بالتدخل    المهرة .. مسيرة حاشدة بالعيد ال 58 للاستقلال ال 30 من نوفمبر    قيادة حضرموت تصدر أمراً عسكرياً لإنهاء تمرد بن حبريش بعد اعتدائه على مواقع النفط    الرئيس الزُبيدي يُعزّي العميد الركن محمد علي حمود في وفاة والدته    الشيخ أبو رأس: ال 30 من نوفمبر سيظل عنواناً للحرية والكرامة والتحرر    إيران: منع التأشيرات عن أعضاء اتحادنا للقدم لحضور قرعة كأس العالم غير قانوني    كازاخستان تتهم أوكرانيا بمهاجمة منشأة نفطية روسية    الرئيس المشاط يعزّي في وفاة الشيخ مجحود علي المنبهي    ناشئو اليمن يتأهلون بالعلامة الكاملة إلى نهائيات كأس آسيا    مظاهرة في هامبورغ الألمانية بمشاركة "يمنية: دعماً للمقاومة الفلسطينية    تعز تشهد مسيرات حاشدة تأكيداً على التحرير وزوال المحتل    الفضة تسجل قفزة تاريخية مدفوعة بالطلب الهندي    يونايتد يجمد كريستال بالاس عند النقطة 20 ويرتقي للمركز السادس    الأرصاد: صقيع متوقع على أجزاء من المرتفعات وأجواء باردة إلى شديدة البرودة على المرتفعات والهضاب    الرئيس الزُبيدي يضع إكليلا من الزهور على النصب التذكاري لشهداء الجنوب العربي بمناسبة العيد ال58 للاستقلال الوطني 30 نوفمبر    بيان سيئون يطالب بتخصيص عائدات الموارد لخدمة شعب الجنوب    فلامنغو البرازيلي يتوج بكأس ليبرتادوريس للمرة الرابعة    محافظ الحديدة يُدّشن موسم تصدير المانجو للعام 1447ه    76.5 مليار دولار.. حصيلة التجارة الخارجية الإيرانية في 8 أشهر    الجنوب مع حضرموت منذ البدء.. والثروة للزيود وشتائم السفهاء للجنوبيين    أمين عام الإصلاح يعزي رئيس تنفيذي الحزب في البيضاء بوفاة شقيقه    رحيل الشيخ المقرمي.. صوت التدبر الذي صاغته العزلة وأحياه القرآن    بدون طيار تستهدف قياديًا في تنظيم القاعدة بمأرب    طائرة ورقية    انعقاد المؤتمر الصحفي لتدشين بطولة كأس العرب قطر 2025    تدشين المخيم الطبي المجاني لأمراض العيون والاذن في ريمة    إب.. تحذيرات من انتشار الأوبئة جراء طفح مياه الصرف الصحي وسط الأحياء السكنية    مدير امن تعز "الحوبان" يرفض توجيهات المحافظ المساوى بإخلاء جنود الامن من مصنع الطلاء كميكو    الشاب حميد الرقيمي. من قلب الحرب إلى فضاء الإبداع    نهاية تليق برجل رباني    اليمنية تعلن إلغاء اشتراط حجز تذاكر ذهاب وعودة للمسافرين من اليمن إلى السعودية    تأهّل 20 سباحاً إلى نهائيات بطولة المياه المفتوحة على كأس الشهيد الغماري بالحديدة    عاجل: قائد العسكرية الثانية يتعهد بردع اعتداءات بن حبريش    الصحفي والشاعر والاديب الراحل الفقيد محمد عبدالاله العصار    فقدان السيطرة على السيارة ينهي حياة أسرة مصرية    الأرصاد: صقيع على أجزاء من المرتفعات ودرجات الحرارة الصغرى تلامس الصفر المئوي    مساحته 5 ملايين كيلومتر.. ثقب عملاق فوق الأطلسي يثير قلق العلماء    أمام الأهلي.. الجيش الملكي يتعثر بالتعادل    "شبوة برس" يكشف اسم الدولة التي إغلقت قناة بلقيس    جنوب سوريا وخطى حزب الله الأولى.. هل تتكرر تجربة المقاومة أم يحسمها الجولاني؟    إليه.. بدون تحية    انتقالي العاصمة عدن ينظم كرنفالاً بحرياً ضخماً للزوارق في مديرية البريقة    رسائل إلى المجتمع    فضول طفل يوقض الذكريات    الأجهزة الأمنية بمأرب تضبط عصابة ابتزت واختطفت امرأة من محافظة أبين    بعد ان علمهم القراءة والكتابة، زعموا انه كان لايقرأ ولا يكتب:    تقرير أممي: معدل وفيات الكوليرا في اليمن ثالث أعلى مستوى عالميًا    قصتي مع الشيخ المقرمي    الشيخ المقرمي.. وداعا    في وداع مهندس التدبّر    الاغذية العالمي يستبعد قرابة مليوني يمني من سجلات المساعدات الغذائية    معرض وبازار للمنتجات التراثية للأسر المنتجة في صنعاء    صنعاء تستعد لانطلاق مهرجان المقالح الشعري    الذكاء الاصطناعي يفتح آفاقاً جديدة في أبحاث الدماغ    الرياضة في الأربعينات: سلاحك ضد الزهايمر    غداً انطلاق بطولة 30 نوفمبر لأندية ردفان 2025 والمقامة في دار شيبان الراحة بمديرية الملاح.    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف نفهم حرب مصر في اليمن؟
نشر في المشهد اليمني يوم 26 - 06 - 2022

في خضم إعادة التفكير، أو بالأحرى نسخ التفكير، في حرب يونيو (حزيران) 1967، تُسرَد كذلك عوامل تلك الهزيمة المروّعة، وكلها تستحق الفحص، ومنها حرب اليمن، ولكن ما ستفحصه المقالة ليس دور الحرب في تلك الهزيمة، بل قرار نظام جمال عبد الناصر في مصر بالتدخل في اليمن (1962-1967) دعمًا لثورة 26 سبتمبر 1962، ومحاولة تسييقه تاريخيًا حتى يمكن فهمه وتعيين مكانه في خريطة الصراع آنذاك؛ لأن فهم هذا التدخل هو مقدّمة جيدة لتقييم دور حرب اليمن في الهزيمة، وهو كذلك مفيدٌ لنقد ثقافتنا السياسية الراهنة والأشكال التي يُصاغ داخلها التاريخ في نقاشات المجال العمومي.
يصوّر قرار حرب اليمن غالبًا بأنه مجرّد نزوة حاكم مطلق القدرة تتلبّسه أوهام الزعامة فيذهب للمغامرات بدون حساب. هذا التصوّر للسلطة الناصريّة الديكتاتوريّة ليس شائعًا بين عامة الناس فحسب، بل كذلك عند مؤرّخين تُترجم كتبهم إلى العربية، مثلًا يرى المؤرّخ الأميركي يوجين روجان، في كتابه "العرب"، أن حرب اليمن لم تكن إلا "التباس البلاغة بالسياسة الحقيقيّة". الشيء الوحيد الذي يستفيده المرء من حكمٍ من هذا النوع أن أصحابها لم يفتحوا كتابًا عن تاريخي مصر واليمن، وربما لم يتأملوا في الخريطة، وهم يدبّجون الكتب والمقالات عن الموضوع.
بعد عامين فحسب من إجهاز صلاح الدين الأيوبي على الدولة الفاطميّة، واستتباب الأمر له في مصر، بعث أخاه توران شاه على رأس حملةٍ عسكريةٍ لغزو اليمن، وهذا ملفتٌ إذا تذكّرنا الأخطار المُحدقة بصلاح الدين آنذاك من الصليبيين وبقايا الفاطميين. من بواعث صلاح الدين لتجريد الحملة تأمينُ البحر الأحمر وحماية الحجاز، هذا علاوةً على أن في أجزاء من اليمن قوى فاطمية كانت تمحض الولاء للخليفة الفاطمي في القاهرة، أهمّها الدولة الصليحيّة ثم الزريعية التي كانت تحكم عدن، وهذا ملمحٌ آخر مهم في تاريخ مصر واليمن يجب إمعان النظر فيه.
وبعد حملة الصليبي أرناط (رينو دي شاتيون) على الحجاز في 1182، تأكّد صلاح الدين من سلامة قراره السابق بالسيطرة على اليمن فأرسل إليه حملة ثانية بعد الاضطراب الذي أصاب سيطرة الأيوبيين هناك إثر عودة توران شاه إلى الشام ثم مصر. بعد إنهاء الرسوليين دولةَ الأيوبيين في اليمن، ورغم الصراع على الحرم المكّي بين الدولة الرسوليّة في اليمن والأيوبيين ثم المماليك في مصر، حرص حكّام مصر على إبقاء علاقات الود مع الرسوليين حفاظًا على عوائد تجارة طريق التوابل؛ التجارة التي كانت تمرّ في البحر الأحمر، شريان تجارة العالم القديم.
اقرأ أيضاً
* في 12 محافظة.. الحكومة الشرعية تعلن الاستعداد لتنفيذ حملة صحية ابتداءً من يوم غد الإثنين
* عاجل: وزير الخارجية الإيراني يتحدث عن إعادة فتح سفارة بلاده في السعودية وفتح سفارة المملكة في طهران
* مباحثات يمنية صومالية لحماية المصالح الحيوية في البحر الأحمر
* إلى أي مدى شاركت في إسقاط الدولة اليمنية والجمهورية وإشاعة كل هذا الخراب؟
* بنك تجاري يمني يعلن تدشين النظام البنكي والانترنت المصرفي الحديث
* بعد ساعات من توقعات حوثية بانفجار الوضع عسكريًّا داخل مدينة مأرب.. اندلاع مواجهات مسلحة بين القبائل وقوات الجيش
* في مؤشر جديد على الانهيار.. الحكومة اليمنية تخرج عن صمتها وتعلن مواجهة التحشيدات العسكرية لجماعة الحوثي
* الحكومة اليمنية تستهدف أكثر من مليون طفل
* مشروع جديد لتسليم اليمن للمليشيات و المنطقة لإيران
* "الغذاء العالمي" يتخذ قرارا صعبا و صادما لملايين اليمنيين
* "العراق" تقود تحركات جديدة لدى "الرياض" و"طهران" بشأن إنهاء الحرب في اليمن
* "طارق صالح" يصدر توجيهات جديدة للقوات المرابطة في الساحل الغربي
علينا أن نتذكّر كذلك أن التفكير العثماني باليمن بدأ بعد غزو العثمانيين مصر؛ بدأوا بمهاجمة ساحل اليمن بقيادة سلمان الرومي، ثم بعد قرابة العقد من ذلك الهجوم جُرّدت الحملة العثمانية الأولى على اليمن، وعلى رأسها سليمان باشا الخادم، الوالي العثماني على مصر. ثم بعد ثلاثة قرون جاء عهد محمد علي باشا الذي أرسل حملة لغزو الساحل اليمني للسيطرة على البحر الأحمر وتجارة البن في ثلاثينيات القرن التاسع عشر؛ فسيطرت قواته بقيادة إبراهيم باشا يكن على ميناءي المخا والحديدة، ثم توغلت، فسيطرت على تعز والعُدَيْن وضمتهما للإدارة المصريّة، وكان الخوف من توسّع محمد علي في اليمن وإحكامه السيطرة على ساحلها من دوافع بريطانيا لاحتلال عدن عام 1839.
خلاصة القول إن قرابة الألف عام الأخيرة من تاريخ البحر الأحمر تقول إن من يسيطر على مصر، شمال البحر، يفكّر تلقائيًا في تأمين مدخله الجنوبي (اليمن) بالتحالف أو بالغزو.
أما بشأن الاعتبارات الاستراتيجية التي دفعت مصر نحو دعم الثورة اليمنية على نظام الإمامة، فقد كانت سوريّة قبلها بعام قد انفصلت عن مصر، ولعبت السعودية دورًا في دعم الانفصال، وكانت علاقات مصر والسعودية التي تميّزت بالاستقرار في الخمسينيّات قد استحالت خصومة سياسية شديدة بعد الوحدة المصرية - السورية، وكان نجاح اليمنيين في إقامة نظام جمهوري على أنقاض الملكيّة وحليف لمصر على حدود السعودية مكسبًا استراتيجيًا مهمًا لمصر في الجزيرة العربية.
كما أن وجود مصر مباشرة أو عبر نظام حليف لها في شمال اليمن سيجعلها قادرةً على مواصلة تصفيتها للاستعمار البريطاني؛ لأن مخالبها ستطاول البريطانيين في مستعمرة عدن، كما أنها ستكون قريبةً كذلك من المستعمرة الفرنسية في جيبوتي. كانت عدن بعد استقلال الهند ثم محاولة محمد مصدق تأميم النفط في إيران قد أصبحت مرتكز الإمبراطورية البريطانيّة، وهذا يعني أن طرد الإنكليز من عدن سيكون بمثابة دفن للإمبراطورية البريطانية، وسينهي وجودها في الخليج العربي، كما أن ذلك سيحسم مسألة السيادة العربية على البحر الأحمر وتأمين قناة السويس من مضيق باب المندب.
بعد ذكر كل هذه الاعتبارات الاستراتيجية، يمكن الحديث عن الدوافع الأيديولوجية والعروبية والتحرّرية لنظام عبد الناصر في دعم ثورة اليمن، ويمكن كذلك الحديث عن حاجة عبد الناصر آنذاك إلى ملعب جديد يرمّم فيه مكانته القيادية في العالم العربي بعد ضربة الانفصال المؤلمة. أما اختزال الأمور في الشعارات والأفراد، فإنه، علاوة على تحامله، لا يقدّم تفسيراتٍ متسقة مع الوقائع لتاريخ هذه الأمة وتحولاتها.
ورغم كل هذه الاعتبارات التاريخية والاستراتيجية، لم تُجمع أجنحة النظام الناصري في البداية، وعلى رأسه عبد الناصر نفسه، على دعم الثورة في اليمن بقوات عسكرية، وحصلت نقاشات داخله بشأن ما يجب فعله؛ السادات مثلًا كان مؤيدًا بقوة للتدخّل، بينما تحفّظ محمد حسنين هيكل عليه. من الواضح أن عبد الناصر الذي أدرك استراتيجية الموضوع لم يتوقع تكاليفه؛ فالقوات المصرية في اليمن لم تكن، في البداية، إلا تشكيلات بسيطة (كتائب صاعقة)، ولكنها، مع الوقت ومع اشتداد قوة الملكيين بدعم من السعودية والأردن وبريطانيا (ثم إيران وإسرائيل لاحقًا)، أصبحت تشكل ثلث الجيش المصري.
للقرار إذًا عمق تاريخي محكوم بالجغرافيا، يتجاوز نظامَ 23 يوليو، وبالتأكيد شخصَ عبد الناصر، وفيه اعتبارات استراتيجيّة وقوميّة تتجاوز نزوات الأفراد أو غرقهم في الشعارات، أما دور التدخل المصري في اليمن في هزيمة حزيران فمبحث شائقٌ ومفيد، ولكنه موضوع آخر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.