قاع البون في عمران مهدد بكارثة بيئية وزراعية    لقاء في الحديدة يؤكد انسحاب المنظمات قرار سياسي لا علاقة له بالعمل الإنساني    السقاف يزور التربوي القدير زكي مسعد ويشيد بعطائه الريادي    ترامب يصرّح: نتنياهو طلب مني رفع العقوبات عن سوريا    صحيفة اسرائيلية: تل أبيب تبحث عن مخرج لصواريخ اليمن عبر تفاهمات إقليمية    البحر مفتوح والملاحة مسموح    كم جنى تشيلسي بعد تأهله إلى نهائي كأس العالم للأندية؟    الحرب على الجنوب.. من الخطاب إلى الاجتياح    "حيا بكم يا عيال البرتقالة"    الإثنين.. الاتحاد يغادر.. وشراحيلي يدخل برنامجا خاصا    المرة الأولى.. فريتز يبلغ نصف نهائي ويمبلدون    التجربة الأولى.. نجل أنشيلوتي يقود بوتافوجو    فتّش عن البلاستيك في طعامك ومنزلك.. جزيئات خفية وراء 356 ألف وفاة بأمراض القلب سنويًا    ديمبيلي أمام فرصة لتتويج موسم استثنائي يقوده للكرة الذهبية    مبيعات قياسية للسيارات في الصين بدعم من الحوافز الحكومية    إنريكي يستقر على توليفة باريس لقهر الريال    ماذا نتوقع من مؤتمر صيف 2025 لهواتف "غالاكسي"؟    الرئيس العليمي يشيد بجهود الأجهزة الأمنية والعسكرية بالمهرة ويوجه بتعزيز حضور الدولة    علماء يحلون لغز جمجمة "الطفل الغريب"    حارس ميسي يوقع عقدا ب15 مليون دولار لمواجهة لوغان بول    خبير: البشرية على وشك إنتاج دم صناعي    استنكار واسع لاختطاف الشيخ الزايدي بالمهرة    هل للصوص الأراضي علاقة باشعال الحرائق في محمية الحسوة (صور)    العلاج بالحجامة.. ما بين العلم والطب والدين    لحج.. النيابة تُصدر قرارًا بعدم إقامة دعوى ضد الصحفية هند العمودي    سلطة حضرموت ترد على نائب البركان.. رجال الدولة لا يستقون معلوماتهم من الإشاعات    ضابط استخبارات بريطاني سابق يكشف صناعة الغرب ل"داعش"    جنوبية حضرموت قبل الاستقلال في30 نوفمبر1967 (3 وثائق)    هم شهود زور على انهيار وطن    تغاريد حرة .. سيحدث ولو بعد حين    السقلدي يكشف عن القوى التي تسيطر على المهرة واسباب الحضور الباهت للانتقالي    ولادة على خط النار    صنعاء .. الاعلام الحربي ينشر تسجيل مرئي للسفينة "ماجيك سير" من الاستهداف إلى الغرق    (دليل السراة) توثيق جديد للفن والأدب اليمني    لندوة علمية بعدن حول (حوكمة الجامعات)    اختتام ورشة تدريبية حول السند القانوني لاستعادة الدولة الجنوبية بالعاصمة عدن    تصل لخلل الجهاز العصبي.. أخطار الشاشات الرقمية على نمو الأطفال    التعرفة بالريال السعودي.. كهرباء المخا من منحة إماراتية إلى مشروع استثماري    مايضير أوينفع الشاة بعد ذبحها    تدشين العمل بمشروع طريق اللصيب – خدير البريهي في ماوية    ذمار تحصد 17مركزا ضمن أوائل الجمهورية    استقرار أسعار الذهب عالميا مع تزايد القلق من الرسوم الجمركية الأمريكية    - وفاة عميد المخترعين اليمنيين المهندس محمد العفيفي صاحب الأوتوكيو ومخترع ال 31 ابتكارا    الرصاص يتفقد سير العملية التعليمية والتربوية في البيضاء    شرطة تعز تمهل الجهات المختصة 24 ساعة لحل أزمة مياه الشرب وتؤكد أنها لن تقف عاجزة    اكتشاف مدينة مفقودة في بيرو عاصرت حضارات مصر القديمة وبلاد الرافدين    الخبير المعالج الصلوي: الطب الشعبي مكملاً للطب العام ، في عدة مجالات    الفصل الخامس    بعد ليزا نيلسون.. فنان فرنسي يتهم مها الصغير ب"سرقة" لوحاته    تحسن ملحوظ في خدمة الكهرباء بعدن عقب وصول شحنة وقود إسعافية    صنعاء .. التأمينات الاجتماعية تعلن صرف مرتبات المتقاعدين وتستعد للانتقال للمحفظة الإلكترونية    مدرب الناشئين:سنتيح الفرصة لاستكشاف المواهب على امتداد خارطة الوطن    الإعلام الأمني: تسجيل 23 حالة انتحار خلال يونيو ومأرب وتعز تتصدران القائمة    أين علماؤنا وفقهاؤنا مع فقه الواقع..؟    العام الهجري الجديد آفاق وتطلعات    (نص + فيديو) كلمة قائد الثورة بذكرى استشهاد الإمام الحسين 1447ه    لا يحق لإمام المسجد رفض أمر ولي أمر المسلمين بعزله من الامامة    عاشوراء.. يوم التضحية والفداء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يمن اللاسلام واللاحرب واللادولة
نشر في المشهد اليمني يوم 25 - 09 - 2023


مقالات
نبيل البكيري
أخيراً، وصل وفدٌ حوثيٌّ كبيرٌ إلى الرياض، عاصمة العدوان كما كانوا يطلقون عليها، لأول مرة ممثلا جماعته، منذ بدأت الحرب في اليمن قبل تسع سنوات مضت، مع وفد عُماني، تتويجا لسلسلة طويلة من المباحثات والمشاورات السرّية والعلنية، بين هذه الأطراف التي تسارعت لقاءاتها بوتيرة عالية مع المصالحة السعودية الإيرانية برعاية صينية، والتي توجت أخيرا بتبادل السفراء بين طهران والرياض، ما أعطى ضوءاً أخضر للحوثيين للذهاب والحج نحو الرياض.
كانت السعودية ولا تزال اللاعب الأقوى في الملف اليمني قديماً وحديثاً، وذهاب الحوثيين إليها، أخيرا، أمنية حوثية تأخرت أكثر من عشر سنوات، بفعل الممانعة الإيرانية لذلك، أما اليوم وقد تصالحت إيران والسعودية، فإن هذا ما كان ينقص الحوثيين للذهاب إلى الرياض، وهو ما تحقق لهم. ولكن إلى أي مدى يمكن أن ينعكس مثل هذا اللقاء، من ترتيبات ونتائج، على المشهد اليمني، وهل يمثل أي توقيع في الرياض خاتمة الحرب والأزمة في اليمن، وما موقع الحوثيين ونصيب خصومهم من أي تسوية، وهل يعني هذا أن الحوثيين غادروا مربع الانقلاب وأصبحوا شرعية معترف بها سعودياً على الأقل؟ أم أن الأمر برمته قفزة في الهواء بالنسبة للسعوديين والحوثيين على حد سواء.
ما يمكن قوله هنا، في هذا الخصوص، أن هذا التطوّر أخيرا في المشهد السياسي اليمني، وصول الحوثيين إلى الرياض، لم يكن مفاجئا لأي متابع وقارئ جيد للمشهد السياسي اليمني ولطبيعة السياسات السعودية في اليمن والمنطقة، تلك السياسات التي تدمن التكتيكي على حساب الاستراتيجي، والهروب إلى الإمام وعدم الوقوف في المكان نفسه فترة أطول، والقفز المفاجئ على الواقع السياسي القائم مهما كانت كارثية نتائج هذا القفز، وهي ميزة سياسية سعودية بامتياز. وبالتالي، مثل هذه اللقاءات وما سيترتب عليها لا تعدو كونها هروبا إلى الأمام بالنسبة للحوثيين والسعوديين على حدّ سواء، فالسعوديون في مرحلة انتقال حكم من جيل إلى آخر، وهم بصدد تصفير عدّاد الأزمات السياسية مع محيطهم، والتفرّغ التام لترتيب هذا الانتقال السياسي الأول من نوعه في تاريخ الدولة السعودية، وكانت الحرب هي مفتتح هذا الانتقال، وقد يكون مطلب وقف إطلاق النار في رأي بعضهم مختتما لهذا الانتقال وتثبيتاً له، بغض النظر عن مخاطر مثل هذا التصوّر التبسيطي للأزمة والحرب في اليمن وأبعادها المحلية والإقليمية والدولية.
أما الحوثيون، فيدركون جيداً أنهم ليسوا أكثر من ورقة، وقد استنزفوا كثيراً وانكشفت تماماً حقيقة مشروعهم، عدا عن عجزهم عن تحقيق أي مكاسب أكثر من التي في أيديهم، والتي اختطفوها في لحظة غفلة من التاريخ واليمنيين، فضلاً عن هذا، هم اليوم وجدوا أنفسهم أمام حالة غضب، تتعاظم كل يوم نتيجة ممارساتهم وسياساتهم الطائفية الاستبدادية التي صادرت رواتب الناس وحقوقهم وحرّياتهم وكراماتهم، وأن الناس لم تعد قادرة على تحمل مزيد من طيش هذه الجماعة وإذلالها.
وقبل هذا كله، ترى إيران أنها، هي الأخرى، بحاجة ماسّة وضرورية لاستراحة محارب أمام تعقيدات الملفات الإقليمية التي تورّطت فيها، وأنها أمام مرحلة دولية وإقليمية بالغة التعقيد، وهي بحاجة لحالة استعادة أنفاس وترتيب وضعها الاقتصادي المتردّي، وترتيب كثير من الملفات الضاغطة في كل من العراق وسورية ولبنان واليمن، عدا عن تعاظم الخطر الأفغاني على حدودها الشرقية. ولهذا أعطت حلفاءها الضوء الأخضر للانخراط في هذه المسارات التكتيكية.
من هذا كله، ما يتم وما يجرى من لقاءات سعودية حوثية عُمانية، تكاد تنحصر في شرعنة الوضع القائم يمنياً على ما هو عليه، بلا أي مقاربات أو حلول نهائية للوضع اليمني، وإنما إبقاء الوضع على ما هو عليه، يمن مقسم ومجزأ وكل جزء منه شبه دولة مستقله غير معترف بها، لأن كل ما يجرى تسريبه من مناقشاتٍ لا يقترب من أي تصوّر حقيقي للحل بقدر ما هو عبارة عن مسكنات وحلول إسعافية لمظاهر الحرب، وليس لأسبابها، وفي مقدّمتها سبب الحرب، إسقاط مليشيات الحوثي الدولة، ويتم اليوم الجلوس مع ممثلي هذه المليشيا وجها لوجه، بمعزل عن الجانب الشرعي اليمني المعترف به محلياً ودولياً والمستبعد تماماً عن هذه النقاشات حالياً، وإنما قد يجرى استدعاؤهم لاحقاً للتوقيع على ما تطلبه السعودية منهم.
الحديث عن معالجات الوضع الاقتصادي والإنساني أولوية، كما يجرى التسريب وترويجه، ليس أكثر من نوع من الهروب وعدم الاقتراب من الأسباب الحقيقية للأزمة، وهي مسألة إسقاط الدولة ونهب مقدّراتها وتفكيك وحدة أراضيها وتجاوز نظامها الجمهوري ودستورها واستلاب مواردها وانتهاك سيادتها وتقسيم جغرافيتها، وتركها رهينة ونهباً للمليشيات وأجنداتها المحلية والإقليمية.
كل ما يجرى التحضير له اليوم، وهو ما يدركه اليمنيون جيداً، هو شرعنة للوضع المليشياوي القائم ومنحه شرعية البقاء والوجود، بعد تفكيك مؤسسات الدولة اليمنية وإنهاء شرعيتها وإضعافها بالسياسات السعودية منذ البداية، وهو ما كان يقوله معظم اليمنيين منذ البداية، عن أن التحالف العربي الذي تدخل لم يكن جادّاً وصادقاً في توجهه، بقدر ما كان يعمل على إضعاف كافة الأطراف اليمنية، وفي مقدمتها الشرعية اليمنية التي وجدت نفسها خارج اللعبة كلها، وخارج كل الحسابات.
قد يعتقد الأشقاء في الخليج، وفي المملكة تحديداً، أنهم سيمضون بهذه الطريقة المسرحية لتحديد مستقبل اليمن ومصيره، وهذا تصور واعتقاد سطحيان للغاية، يتجاوزان حقائق التاريخ والواقع، فاليمن ليس جمهورية موز يمكن تشكيلها وتقطيعها وفقاً لمصالح متوهّمة لهذا الطرف أو ذلك، اليمن بلد حي، وشعب واع ومسيّس جداً وضارب جذوره في أعماق التاريخ، وهذه النخبة التي يجرى اليوم استخدامها لتمرير أي شكل من أشكال الوصاية على اليمن لا تعبر عن اليمن ولا تمثله، ولا يمكن فرضها للقبول بأي وضع يُراد تمريره وتحت أي مبرر كان.
الجمهورية والديمقراطية والوحدة قدر اليمنييين ومصيرهم الدائم، وأي تجاوز لهذه الثوابت الوطنية يمنياً يعتبر تحدّيا لليمنيين وإرادتهم الوطنية، وهو تحدٍّ لا يمكن تمريره بسهولة ويسر، وإنما يعمل على تكريس حالة وعي عميق بأهمية الحفاظ على هذه الثوابت، وأن كل من يسعي إلى تجاوزها بأي شكل لا ينظر له اليمنيون سوى أنه عدو واضح لا يمكن الخضوع له وتجب مقاومته.
الأزمة والحرب في اليمن أكثر تعقيداً وعمقاً مما يتخيّله الساسة الخليجيون، فالأمر متعلق بكرامة شعب وكفاحه ونضالاته لعقود، وهذا الوضع لا تمكن حلحلته من القفز في الفراغ وشرعنة وضع مليشياوي شاذ، تحت مبرّرات الإنهاك الذي يعيشه اليمنيون جرّاء هذه الحرب، ووضعهم الإنساني المزري نتيجة انهيار الدولة بفعل هذه الحرب، التي قُدّمت فيها مئات آلاف الضحايا من خيرة ما أنجبت اليمن.
صحيح أن اليمنيين يتمنون السلام ويسعون إليه، وهو سلام الشجعان، السلام الذي يستعيد لهم دولتهم ويحفظ كرامتهم وليس سلام الاستسلام الخضوع للمليشيات، السلام الذي تُستعاد فيه دولتهم، وليس سلاماً على ركام الدولة اليمنية الحديثة التي ضحى ويضحي من أجلها اليمنيون طويلاً. هذا السلام الحقيقي قطعاً ليست بوابته شرعنة واقع مليشياوي تجزيئي لليمن، بل سلام مستدام ينبع من حلحلة أسباب الحرب، وليس تأجيلها وشرعنتها، وغير هذا لن يُكتب لأي جُهد مهما كان أي نجاح، لأن استعادة الدولة اليمنية هي الحل الوحيد الذي يرى اليمنيون من خلاله نهاية الحرب والأزمة اليمنية، وليس سلاماً لاستراحة المتحاربين، ليستأنفوا من بعدها حروبهم اللانهائية.
وختاماً، هذا الاندفاع السعودي والحوثي لا يقود إلى أي شيء يمنياً ، بقدر ما يكرّس واقعا مشوّها ومكشوفا، يسعى الطرفان إلى إنجازه، وهو توهم تجاوز لحظة الحرب، وتوهم أن هذه الخطوة ستجعل اليمنيين يستسلمون لها ولواقع تشكّلها، وهو واقع لن يُنتج سوى حالة من اللاسلام واللاحرب واللادولة، وهذا الواقع هو ما يرفضه اليمنيون جملة وتفصيلاً.
*العربي الجديد
* اليمن
* الحوثي
* السعودية
1. 2. 3. 4. 5.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.