تعز تغرق بالقمامة    البرازيل تنضم لدعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام العدل الدولية    ضربة أمريكية لسفينة فنزويلية يتهمها ترامب بتهريب المخدرات    ريمونتادا +90 تُنقذ أهلي جدة أمام الهلال في الدوري السعودي    قلت ما يجب أن يقال    الرشيد يطيح بأهلي تعز ويبلغ نهائي بطولة بيسان    الرشيد يصل نهائي بيسان ، بعد الفوز على الاهلي بهدف نظيف، وسط زخم جماهيري وحضور شعبي الاول من نوعة منذ انطلاق البطولة    حزب الله يدعو السعودية لفتح صفحة جديدة ويؤكد التزامه باجراء انتخابات آيار 2026    الفريق السامعي يدين اغتيال مدير صندوق النظافة بتعز افتهان المشهري    مسيرات حاشدة بمأرب نصرة لغزة وتنديدا باستمرار جرائم الإبادة    شرطة تعز تعلن القبض على متهم بقتل مدير صندوق النظافة والتحسين    إصلاح المتون والزاهر والمطمة بالجوف يحتفل بالذكرى ال35 للتأسيس    تعز.. اعتصام واحتجاجات نسائية للمطالبة بضبط قتلة المشهري وتقديمهم للعدالة    الرئيس المشاط يعزي في وفاة الشيخ عبد الله أحمد القاضي    بن حبريش: نصف أمّي يحصل على بكلاريوس شريعة وقانون    المركز الثقافي بالقاهرة يشهد توقيع " التعايش الإنساني ..الواقع والمأمون"    الرشيد يتأهل إلى نهائي بطولة "بيسان الكروية 2025"    العليمي أصدر مئات القرارات في الظلام.. حان الوقت لفتح الملفات    متفوقاً على ميسي.. هالاند يكتب التاريخ في دوري الأبطال    نتنياهو يطرد أردوغان من سوريا    أين ذهبت السيولة إذا لم تصل الى الشعب    مانشستر سيتي يتفوق على نابولي وبرشلونة يقتنص الفوز من نيوكاسل    الربيزي يُعزي في وفاة المناضل أديب العيسي    محافظة الجوف: نهضة زراعية غير مسبوقة بفضل ثورة ال 21 من سبتمبر    الأرصاد يخفض الإنذار إلى تحذير وخبير في الطقس يؤكد تلاشي المنخفض الجوي.. التوقعات تشير إلى استمرار الهطول    الكوليرا تفتك ب2500 شخصًا في السودان    جائزة الكرة الذهبية.. موعد الحفل والمرشحون    البوندسليجا حصرياً على أثير عدنية FM بالشراكة مع دويتشه فيله    لماذا تراجع "اليدومي" عن اعترافه بعلاقة حزبه بالإخوان المسلمين    صندوق النظافة بتعز يعلن الاضراب الشامل حتى ضبط قتلة المشهري    الصمت شراكة في إثم الدم    الفرار من الحرية الى الحرية    ثورة 26 سبتمبر: ملاذٌ للهوية وهُويةٌ للملاذ..!!    مسيّرة تصيب فندقا في فلسطين المحتلة والجيش الاسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ ومسيّرة ثانية    الهيئة العامة للآثار تنشر القائمة (28) بالآثار اليمنية المنهوبة    إشهار جائزة التميز التجاري والصناعي بصنعاء    البنك المركزي يوجه بتجميد حسابات منظمات المجتمع المدني وإيقاف فتح حسابات جديدة    الوفد الحكومي برئاسة لملس يطلع على تجربة المدرسة الحزبية لبلدية شنغهاي الصينية    نائب وزير الإعلام يطّلع على أنشطة مكتبي السياحة والثقافة بالعاصمة عدن    بتمويل إماراتي.. افتتاح مدرسة الحنك للبنات بمديرية نصاب    تعز.. احتجاجات لعمال النظافة للمطالبة بسرعة ضبط قاتل مديرة الصندوق    موت يا حمار    أمين عام الإصلاح يعزي الشيخ العيسي بوفاة نجل شقيقه ويشيد بدور الراحل في المقاومة    رئيس هيئة النقل البري يعزي الزميل محمد أديب العيسي بوفاة والده    حكومة صنعاء تعمم بشأن حالات التعاقد في الوظائف الدائمة    الامم المتحدة: تضرر آلاف اليمنيين جراء الفيضانات منذ أغسطس الماضي    استنفاد الخطاب وتكرار المطالب    التضخم في بريطانيا يسجل 3.8% في أغسطس الماضي    لملس يزور ميناء يانغشان في شنغهاي.. أول ميناء رقمي في العالم    وادي الملوك وصخرة السلاطين نواتي يافع    العرب أمة بلا روح العروبة: صناعة الحاكم الغريب    خواطر سرية..( الحبر الأحمر )    اكتشاف نقطة ضعف جديدة في الخلايا السرطانية    100 دجاجة لن تأكل بسه: قمة الدوحة بين الأمل بالنجاة أو فريسة لإسرائيل    في محراب النفس المترعة..    بدء أعمال المؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم في صنعاء    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    6 نصائح للنوم سريعاً ومقاومة الأرق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجيش اليمني.. تعدد الولاءات وغياب العقيدة

عرّت الأزمة الأخيرة في اليمن الحال المروّع للجيش اليمني لجهة التعاطي مع عقيدة عسكرية تدين بالولاء للوطن دون غيره، فقد ظهر جلياً أن قيادات الجيش، والتشكيلات التي تتبعها، أبعد ما تكون عن عقيدة مفترضة كهذه، فضلاً عن الفساد المالي والسياسي وتعدد الولاءات في تشكيلاته، الأمر الذي حوله إلى ميليشيات، كما ظهر في الأزمة والحرب الأخيرتين.
لم تكن الصورة التي ظهرت بها التشكيلات العسكرية في خضم الأزمات الأخيرة التي عاشها ويعيشها اليمن، مفاجئة للرأي العام ولنخبه السياسية والمدنية، غير أن المفاجئ توغّل قيادات وتشكيلات عسكرية بالولاء المطلق لشخصية، ما أو تيار سياسي بعينه والاصطفاف إلى جانب جماعة ميليشياوية، كما حدث مع قطاعات عسكرية اصطفت مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح، الذي دخل في تحالف مع جماعة الحوثي المسلحة، وتجسد عملياً في سبتمبر/ أيلول العام الماضي عندما مكنت تلك القطعات العسكرية الجماعة من اجتياح صنعاء والسيطرة عليها، بإيعاز من صالح ووفق خطته للانقضاض على من وقفوا وراء خلعه من الحكم في احتجاجات العام 2011.
منذ العام 2012 كان على السلطات في اليمن أن تنفذ خطة لإعادة هيكلة الجيش وفقاً لبنود التسوية السياسية التي نصت عليها الاتفاقية الخليجية المعروفة ب«المبادرة الخليجية» الموقعة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، غير أنه على الرغم من تشكيل لجنتَيْن في العام نفسه، إلا أن مخرجاتهما تجسدت بقرارات من الرئيس الحالي عبدربه منصور هادي، القائد الأعلى للقوات المسلحة، ولم تر النور بشكل عملي.
ولقيت قرارات إعادة هيكلة الجيش معارضة علنية وأخرى مستترة ونُفذت شكلياً، بينما بقيت الولاءات السابقة كما هي، وعلى الرغم من أن هادي أقال عدداً كبيراً من أنصار صالح، فإنه لم يستطع التخلص منهم جميعاً.
وكانت من أشهر قرارات هادي في هذا السياق في أواخر عام 2012، عندما أصدر قراراً بحل الوحدتَيْن المتنافستَيْن اللتين يقودهما اللواء علي محسن الأحمر وأحمد علي صالح، النجل الأكبر للرئيس السابق، ورغم تعيينهما في منصبَيْن آخرَيْن، فقد ظل كل منهما يلعب دوراً في القوات المسلحة، حيث عاد محسن من تقاعده لقيادة ما تبقى من «الفرقة الأولى مدرع»، التي كانت تحت إمرته، لمواجهة اجتياح ميليشيا الحوثيين لصنعاء أواخر عام 2014، فيما كان أحمد علي صالح يقود فعلياً وحدات قوات الحرس الجمهوري لتسهيل دخول الحوثيين إلى صنعاء ومشاركتهم في الانقلاب والتمرد والاستيلاء على المحافظات واجتياح المناطق الجنوبية وصولاً إلى مدينة عدن. وتعارضت قرارات الهيكلة مع توصيات اللجنة الفنية، التي ركّزت إلى حد كبير على تنفيذ قانون التقاعد، وإجراء التدوير الوظيفي للقيادات، وتحقيق التوازن بين الوحدات من حيث الحجم والعتاد وقضية الجنود الوهميين، حيث بلغت الوظائف الوهمية في قوات الحرس الجمهوري الذي كان يرأسه نجل صالح 75 ألف وظيفة، وفي الفرقة الأولى مدرع 45 ألف وظيفة و30 ألف وظيفة في الوحدات النظامية الأخرى للجيش.
الانقسام في صفوف الجيش وانزلاقه في دوامة الصراع المسلح يقف على تاريخ حافل من الاختلالات البنيوية التي ظلت تعانيها مؤسسة الجيش وبرزت إلى الواجهة في العام 2011 ،كما تصاعدت بصورة خطرة للغاية بعد اقتحام الحوثيين للعاصمة صنعاء، والصورة التي ظهر بها الآن تستدعي إعادة بناء جذرية. أكثر الاختلالات تعزى إلى البناء التنظيمي والبنيوي الهش وغياب العقيدة لدى الجيش التي تكرست نتيجة السياسات التي اتبعها النظام السابق في بناء هذه المؤسسة في تشكيلات قتالية افتقدت البناء المؤسسي في مقابل عنايته ببناء قوات النخبة ممثلة بقوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة التي افتقرت هي الأخرى إلى الرؤية الوطنية في تأسيسها وبنائها، فيما كانت الفرقة أولى مدرع والمنطقة الشمالية الغربية بتشكيلاتها العسكرية التي كانت منتشرة في العاصمة والمحافظات، تتمتع باستقلالية ونفوذ كبيرين.
تجاذب النفوذ
لسنوات طويلة ظلت هذه التشكيلات العسكرية تتجاذب النفوذ في ظل حالة انقسام غير مرئي برز إلى العلن خلال ثورة فبراير/ شباط 2011 عندما أعلن اللواء على محسن الأحمر والعديد من قادة الوية الجيش تأييد الثورة الشبابية المطالبة بإسقاط النظام مقابل إعلان قوات أخرى تأييدها للرئيس السابق.
هذا الانقسام كان واحداً من أعنف الهزات التي تعرض لها الجيش، وبددّ كلياً الفرضيات التي كانت تتحدث عن وحدة الجيش وتماسكه المؤسسي، وحسب العميد الركن ثابت حسين صالح نائب رئيس المركز الوطني للدراسات الاستراتيجية برئاسة الجمهورية، فإن الجيش لم يكن متماسكاً خلال أزمة 2011، إذ أعلن جزء منه تأييده وانضمامه إلى الثورة، وأخذ على عاتقه مسؤولية حماية الثورة والثوار من قمع وبطش النظام القائم حينها برئاسة الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي ظل الجزء الآخر من الجيش، خصوصاً قوات الحرس الجمهوري والأمن المركزي موالية له ومدافعة باستماتة عن هذا النظام، الأمر الذي قاد الطرفين إلى الموافقة على صفقة أو تسوية سياسية عرفت بالمبادرة الخليجية.
هذا الوضع كشف، وفق خبراء عسكريين، اختلالاً خطراً في بنية الجيش اليمني استمر النظام السابق في تكريسها عقوداً، ويتصدرها بناء الجيش على أسس الولاءات الشخصية والقبلية والمناطقية، ينخره الفساد ويمارس النهب للثروة من نفط حضرموت وغاز شبوة، مقابل خدمات الأمن العسكري، كما يوصف، وهي مبالغ كبيرة ظهرت تحت هذا البند وقد أفصحت عنها شركات استكشاف وإنتاج النفط والغاز وتصل إلى نحو 240 مليون دولار أمريكي سنوياً تذهب إلى قيادات عسكرية بعينها.
ويتحدث هؤلاء عن ملامح أساسية كانت سائدة في مؤسسة الجيش اليمني خلال مدة حكم النظام السابق يتصدرها غياب العقيدة والولاء الوطني وشيوع الولاءات الشخصية والعشائرية والقبلية، فضلاً عن سياسة الإقصاء المتعمدة لبعض المناطق، خصوصاً المحافظات الجنوبية.
إعادة الهيكلة
لم تكن مشكلة الاختلالات التي يعانيها الجيش اليمني بمعزل عن البحث بعد ثورة فبراير/شباط التي قامت ضد منظومة الحكم السابق، فبعد توافق الفرقاء السياسيين على تسوية تاريخية للحل السياسي، تجسدت بالمبادرة الخليجية، جاءت الآلية التنفيذية للمبادرة بخطة لهيكلة الجيش اليمني كواحدة من الضرورات الأساسية لدعم الأمن والاستقرار في هذا البلد.
استهدفت الخطة إعادة البناء المؤسسي للجيش اليمني على أسس وطنية ومعالجة الاختلالات المؤسسية التي كان يعانيها في عهد النظام السابق، وخلصت إلى قرارات بإعادة توزيع ودمج هذه القوات لإنهاء حالة الانقسام في الجيش وفقاً لهيكل تنظيمي جديد وضع رئيس الجمهورية القائد الأعلى على رأس هذه القوات، كما منح سلطات أوسع لوزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان العامة.
ويرى البعض أن خطة الهيكلة فككت مراكز القوى التي كانت سائدة في عهد النظام السابق بعدما ألغت قوات الحرس الجمهوري والفرقة الأولى مدرع، ودمجت وحداتها في القوات البرية وحرس الحدود والحماية الرئاسية؛ فضلاً عن تحديدها بناء تنظيمي جديد للقوات المسلحة شمل القوات البرية والبحرية والدفاع الساحلي والجوية وحرس الحدود والاحتياط الاستراتيجي.
شكلت تلك الإجراءات في نظر الخبراء العسكريين واحدة من أهم الخطوات لإنهاء التركيبة السابقة للجيش والتي مثلت العنصر الرئيسي في معادلة انقسامه بسبب النفوذ الكبير لمعسكراتها في العاصمة واليمن بصورة عامة، حيث كان لكل فصيل قواته ومعسكراته الخاصة غير الخاضعة للرئاسة أو وزارة الدفاع، فضلاً عن حالة الصراع والتوتر التي وضعت فيها منذ ثورة فبراير 2011.
رغم النجاحات النظرية التي تحققت في إطار خطة هيكلة الجيش في معالجة المشكلات العميقة التي ظل الجيش اليمني يعانيها لعقود، إلا أن الخطة بحسب بعض الخبراء لم تقدم حلولاً جذرية للمشكلة وهي تفكيك نفوذ النظام السابق في الجيش وتصحيح وضعه.
برز ذلك إلى الواجهة في بقاء قوات الفرقة الأولى مدرع على حالها تحت إمرة اللواء علي محسن، وهي القوات التي كانت تتمتع باستقلالية ونفوذ كبيرين في عهد الرئيس السابق علي عبد الله صالح الذي فشل في إزاحة اللواء محسن عن منصبه أو التعرض لقواته رغم محاولاته الكثيرة، واحتفظت بنفوذها في العاصمة وبعض المحافظات وظهرت تداعياتها الخطرة تالياً في الحروب اندلعت مع الحوثيين في محافظة عمران.
في المقابل بقيت تشكيلات الحرس الجمهوري الموالية للرئيس السابق ونجله محتفظة بقوتها التي سُخرت للمساهمة في الانقلاب والتمرد على الشرعية وخوض الحرب الأخيرة إلى جانب ميليشيات جماعة الحوثي، وهي تشكيلات ذات قوة راقية في التدريب والتأهيل وعالية التجهيز. فقد عين صالح نجله الأكبر أحمد قائداً لها في العام 2000، كتشكيلات في الجوهر تحمي منظومة حكمه وتؤهل نجله لوراثته.
تعدد الولاءات القبلية والسياسية
عكس الصراع الدامي والأزمة الأخيرة الانقسام الحاد في الجيش، وتجسد في تشكيلات تدين بالولاء للرئيس السابق علي عبدالله صالح، الذي فرض سيطرة محكمة على مؤسسة الجيش، إذ كانت التعيينات في المناصب العسكرية في عهده تتم على أساس العلاقات الشخصية والانتماءات القبلية، ما تمخّض عن هياكل ظلت مرتبطة به ارتباطًا مباشرًا، والتي ساندت الحوثيين في السيطرة على العاصمة وبعض المحافظات الشمالية واجتياح المناطق الجنوبية، مقابل تشكيلات تدين بالولاء للشرعية الدستورية ممثلة بالرئيس عبدربه منصور هادي، وفي كل التشكيلات هناك امتدادات تقوم بالطبع على الانتماء القبلي والعشائري.
تقول فلورنس غاوب، وهي محللة في معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية، ومقره باريس، في دراسة نشرها المعهد إنه «على الرغم من أن السياسة القبلية جزء لا يتجزأ من التكوين الاجتماعي لليمن، فإن استغلال صالح إياها في هذه الحالة شوّه هياكل القوات المسلحة والإجراءات المتبعة داخلها، حيث استغلت القبائل القوات المسلحة لتعزيز مراكزها وضمان المحسوبية، ولم تكن الرتب العسكرية تُضفي على شاغلها سلطة من دون رابط يربطه بقبيلة متنفّذة، وكان الاتصال يتّبع الخطوط القبلية لا هياكل القيادة».
وتُضيف غاوب: شجّع صالح المسؤولين الحكوميين، بداية من الثمانينات، على استغلال مناصبهم والإثراء منها، وما زالت القوات المسلحة اليمنية إلى يومنا هذا ضالعة في تهريب الأغذية والوقود والسلع الأخرى، و«رِشوة» القبائل بالأسلحة الصغيرة.
وذكّرت الباحثة باعتراف الحكومة أيضاً بإقدامها، بما يخالف القانون، على إعادة تصدير الأسلحة إلى بلدان مفروض عليها الحظر مثل السودان، ومثلما هو الحال في العراق، صار الجنود الوهميون (أفراد لا وجود لهم توزَّع رواتبهم على الضباط) ظاهرة واسعة الانتشار. وكانت قوة الأفراد الفعلية في معظم الألوية تصل إلى ثلث القوة الاسمية أو نصفها، وكانت مستويات التدريب والروح المعنوية متدنية.
وحسب فلورنس غاوب فإن هناك ثلاثة تطورات ساهمت في حالة الضعف الراهنة التي تعتري القوات المسلحة، أولا: تردّت الأوضاع في الجيش ترديّاً شديداً في العقد الأخير من حكم صالح. ثانيًا: ما زالت التداعيات السلبية لما حدث بين محسن وصالح، وهي الواقعة التي شقت الصف في عام 2011، وتتردد أصداؤها إلى اليوم. ثالثاً: كانت الإصلاحات التي نفّذها هادي خليفة صالح معيبة من نواحٍ عدة، ومن ثم فعندما وصل المتمردون الحوثيون أخيراً إلى العاصمة صنعاء، كانت القوات المسلحة عاجزة عن الاستجابة بفعالية».
من ناحيته يوجز الخبير في الشؤون العسكرية العميد ركن ثابت حسين صالح بالقول إن عدم قدرة الجيش اليمني الأخذ بزمام المبادرة خلال الفترة الماضية كما فعل الجيش المصري، يعود إلى ان الجيش اليمني لم يكن موحداً ومنضبطاً لقيادة عسكرية واحدة بل كان متعدد الولاءات وبالتالي فقد انقسم وتوزع بين الفرقاء السياسيين، سواء في 2011، أو في الأزمة الراهنة، على عكس الجيش المصري الموحد والمنضبط والمبني على أسس وطنية وعلمية والذي كان وما زال دائماً يقف منحازاً للشعب المصري فقط كما حصل في 1952 و2011 و2013.
القدرات التسليحية
لا تتيح الجهات الرسمية في الجيش اليمني معلومات دقيقة عن عديد قواته، غير أن المتداول منها بصورة غير رسمية يشير إلى أن عدد أفراده يصل إلى 500 ألف، يتوزعون على سبع مناطق عسكرية، فيما كان معروفاً ألأن القوات المسلحة تستنزف أكثر من 40% من موازنة الجمهورية اليمنية الفقيرة، وكشفت وقائع الحرب الأخيرة التكديس المهول للأسلحة والذخائر، التي يقف وراءه الرئيس المخلوع صالح.
جغرافياً تتوزع المناطق العسكرية إلى: المنطقة العسكرية الأولى (حضرموت)، المنطقة العسكرية الثانية (جنوب حضرموت والمهرة وسقطري)، المنطقة الثالثة (شبوة ومأرب)، المنطقة الرابعة (تعز ولحج وأبين وعدن والضالع)، المنطقة العسكرية الخامسة (الحديدة وحجة)، المنطقة السادسة (صعدة وعمران والجوف)، والمنطقة السابعة (صنعاء وذمار وأب والبيضاء)، وكذلك وحدات الصواريخ التي تخضع لقيادة رئيس الجمهورية ضمن قوات الحماية الرئاسية.
وعُدت القوات المسلحة اليمنية، التي تربعت على المرتبة 43 عالمياً ضمن قائمة أقوى جيوش العالم، لعام 2013، وفقاً لموقع «غلوبال فاير باور» المتخصص في مجال التسلح، والمرتبة الخامسة عربياً، ومن أقدم الجيوش في منطقة الشرق الأوسط التي تأسست في مطلع القرن الماضي وتحديدًا في 1919، ويتكون من 4 أقسام رئيسية ممثلة في القوات البرية، القوات الجوية، القوات البحرية، قوات حرس الحدود، وقوات الاحتياط الاستراتيجي التي تضم العمليات الخاصة والحماية الرئاسية وألوية الصواريخ.
وعلى صعيد القدرات التسليحية للجيش اليمني تتوفر الإحصاءات خلال الفترة 2011 وحتى 2013، على معلومات تشير إلى امتلاك اليمن 665 قطعة مدفعية، و790 دبابة قتال رئيسية، منها 110 دبابات حديثة، كما يمتلك الجيش اليمني أكثر من 1000 آلية مدرعة من صنوف مختلفة.
ويمتلك تقديرياً 247 قطعة جوية ابتداءً من طائرات التدريب إلى المقاتلات الجوية مروراً بطائرات النقل ومروحية نقل مقاتلة، وبضع مروحيات طبية تم تدشينها في منتصف 2013. ويعتمد التسليح اليمني بشكل عام على التسليح الشرقي، خصوصاً من روسيا، وتمتلك القوات الجوية عدة قواعد عسكرية من أهمها «قاعدة الديلمي الجوية» في صنعاء و«قاعدة الريان الجوية» في المكلا و«قاعدة عتق الجوية» في شبوة و«قاعدة طارق الجوية» في تعز و«قاعدة العند الجوية» في لحج و«قاعدة الحديدة الجوية» في الحديدة.
ويمتلك اليمن قدرات صاروخية مختلفة، أبرزها صواريخ (Scud B)، وأنواع أخرى من صواريخ أرض - أرض، وصواريخ موجهة مضادة للدروع، ونحو 800 صاروخ أرض - جو. و275 ما بين طائرة مقاتلة وطائرة تدريب وطائرات نقل عسكري ومروحيات متنوعة.
وتمتلك البحرية اليمنية 4 زوارق صاروخية، و16 زورقاً عادياً، وست كاسحات ألغام، وستة زوارق برمائية.
وفي الأحداث الأخيرة فقد اليمن كثيراً من ترسانته العسكرية وشلت قوات التحالف قدراته الجوية وجزءاً كبيراً من قواته البرية والصاروخية بعد أن قامت ميليشيات الحوثي باستخدامها ضد أبناء شعبها، إضافة إلى تهديدها لجيرانها، بخاصة بعد أن قامت بمناورات عسكرية بالقرب من الحدود البرية مع المملكة العربية السعودية.
تدمير جيش الجنوب
قضية الالتزام بالمعايير المؤسسية كانت خللاً ظاهراً في مؤسسة الجيش خلال مدة حكم النظام السابق الذي لم يكترث للمعايير المؤسسية في منح الترقيات والتعيين في المناصب، وتفعيل أنظمة المحاسبة والمساءلة ونظام التقاضي داخل المؤسسة العسكرية لمنع الانحرافات.
ومن جانب آخر، مثلت السياسة التي اعتمدها نظام صالح في المحافظات الجنوبية بعد حرب صيف 1994 ضربة قاصمة للمؤسسة العسكرية اليمنية، خصوصاً أنها كرست مفهوم الهيمنة المناطقية والولاء للفرد وشروط المنتصر، بعدما أحال عشرات الآلاف من الضباط العسكريين والأمنيين إلى التقاعد القسري، كما أقصى الآلاف من وظائفهم ومناصبهم العليا والمتوسطة؛ فيما أبقى على عدد محدود منهم في مناصب إدارية روتينية أو استشارية في مقابل تسليم المناصب الحساسة إلى المقربين منه. وفي الحقيقة فإن صالح ومنظومة حكمه قضيا على الجيش الذي توافرت فيه صفات جيوش العالم وجيش وطني حقيقي، والذي كان قائماً فيما يعرف بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، قبل الوحدة، حيث تم الإجهاز عليه وتصفيته عمليا بعد حرب عام 1994.
الأوضاع المتردية للجيش والأجهزة الأمنية كانت ناتجة عن تراكمات الماضي السياسي والسلطوي لعقود طويلة لم يكن فيها النظام السابق في وارد بناء جيش قائم على أسس وطنية وعلمية حديثة، بل على الولاءات القبلية والمناطقية والحزبية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.