اعتبرت صحيفة "غادريان" البريطانية أن إعلان فلاديمير بوتين عن بدء سحب روسيا "للقسم الأكبر" من قواتها العسكرية من سوريا، قد فاجأ العالم. ويبدو أنه حتى الإدارة الأمريكية أخذت على حين غرة، وبدأت تتساءل عن معنى الانعطافة الروسية، وذلك بعد ستة أشهر فقط من مفاجأة صناع السياسة الغربيين بحملتها العسكرية في سوريا. ولكن يبقى السؤال الأعمق حول ما يكمن من وراء خطوة بوتين، ومدى تأثيرها على الأحداث، والأوضاع الميدانية في سوريا. توقعات وترى الصحيفة بأن التوقعات تبقى سيدة الموقف في تقييم أثر الانعطافة الروسية المفاجئة في صراع أدى لمقتل 300 ألف شخص، وحيث لا تبدو نهايته وشيكة، رغم سريان هدنة منذ ما يزيد على أسبوعين. ويتعلق ديبلوماسيون غربيون حالياً بأمل قديم متجدد بأن يتخلى بوتين عن الرئيس السوري بشار الأسد، خاصة بعد أن استعرض النفوذ الروسي في الشرق الأوسط. وقد يقود ذلك، في حال تحققه، لدفع عملية السلام قدماً إلى الأمام، لأن مصير الأسد شكل عقبة كبيرة. ولكن، بحسب الصحيفة، توحي عدة مؤشرات بعكس ذلك، حيث أدى الغزو الروسي لتقوية ودعم الأسد، ووضع حداً للخسائر العسكرية التي مني بها النظام السوري في عام 2015، ولذا تستطيع اليوم روسيا استثمار ذلك عبر التظاهر بأنها تتراجع، إذ نفذت ما يكفي لكي تمارس نفوذها، فيما سيجري لاحقاً في سوريا. لا صدفة وتقول الصحيفة بأن إعلان بوتين عن سحب قواته لم يتزامن صدفة مع بداية مفاوضات جديدة في جنيف، ومن شأن ذلك أن يوفر لروسيا فرصة لأن تثبت أنها ملتزمة بإنهاء الحرب، عبر كونها أول من يبدأ بسحب قواته خارج سوريا، عوضاً عن ضخ المزيد منها، ولأن التصورات غالباً ما حلت مكان الحقائق، فمن الأجدر التعامل مع الخطوة الروسية بحذر، حيث حلقت قاذفات سو 34 وخرجت من الأجواء السورية، يوم أمس الثلاثاء، وسط ضجة إعلانية. لكن ما زال من غير المعروف مدى استمرارية وشمولية هذا الانسحاب، إذ تواصلت غارات جوية روسية يوم الثلاثاء. كما أكدت روسيا أنها سوف تحتفظ بمنشآتها العسكرية التي بنتها على الساحل السوري، وهذا يعني أنها قادرة على معاودة العمليات الجوية حينما تشاء، وفي هذا الصدد، أبقى بوتين خياراته مفتوحة. تحقيق أهداف.. وغموض وتلفت "غارديان" إلى أن بوتين يستطيع أيضاً القول بأن روسيا حققت معظم أهدافها، إذ منعت انهيار نظام الأسد، وجعلت من المستحيل على الولاياتالمتحدة وأوروبا إقامة مناطق آمنة كانت ستوفر، في ظروف أخرى، منصة قوية لقوات مناهضة للأسد، حاول الغرب دعمها، وقد كانت تلك القوى هدفاً أولياً للقصف الروسي، وخاصة في حلب. كما، وبعد أن نشر الروس أنظمة دفاعهم الجوي إس 400 في سوريا، فقد أصبح التدخل الغربي العسكري المباشر في الحرب الأهلية، أو السياسي، غير ممكن حالياً. وتعتبر الصحيفة أن بوتين سيد الغموض الديبلوماسي، فهو يقول إن انسحاباً روسياً جزئياً قد يساعد على التوصل لتسوية من خلال مفاوضات، وقد لفت الكريملن الانتباه لمكالمة أجراها بوتين مع الأسد، وحيث زعم الرئيس السوري أنه ملتزم بتسوية سلمية، وربما يكون الروس بدأوا في زيادة ضغطهم على الأسد، وخاصة بعدما ادعى أخيراً أن قواته سوف تستعيد كامل الأراضي السورية، ولا شك في أن بوتين يرغب في تجنب التورط في البقاء في سوريا إلى ما لا نهاية. ولكن إن كان هذا يعني أن الأسد سوف يتخلى عن السلطة في نهاية المطاف، أم أن روسيا ترغب بإزاحته، فتلك مسألة أخرى.