(ياترى:هل سمع عن اليمن يوماً؟؟).. تشومسكي يؤكد أنه لا توجد حكومة واحدة في العالم تقبل حملة الطائرات دون طيار التي تقودها واشنطن، باستثناء اسرائيل وأفغانستان, ,,, لندن - استضاف المعهد الملكي البريطاني للدراسات الدولية، «شاتام هاوس» المفكر والسياسي نعوم تشومسكي للحديث عن السياسة الخارجية الأميركية وتقييمها من وجهة نظره. وكالعادة يفاجئ محاوره الأستاذ في قانون حقوق الإنسان كونور جيرتي، ويفاجئ الجميع بأفكاره وطريقة تحليله للأحداث التي عادة ما تختلف عما هو سائد. كان الحوار في البداية عن المواد التي نشرها سنودن، والتي اعتبر تشومسكي أنها كانت مفاجئة جدا بالنسبة إليه، حيث اطلع عليها من خلال كتاب للصحفي غلان غرينوالد واكتشف درجات المتابعة التي تقوم بها أميركا للأشخاص، ومن يقابلون وكيف يتحرّكون، والهدف يتمثل بالتأكيد في تجميع كل المعلومات عن كل الأعداء. وهي معلومات تكشف أن الدولة تعتبر أن أول أعدائها هم السكان المحليون الذين يقع وضعهم تحت المراقبة لمواجهة أي خطر يمكن أن يشكلونه. يستذكر تشومسكي أشياء كثيرة وقعت في الماضي حيث يقول إنه كان في الستينات متهما في نشاطات رافضة للحرب على فيتنام، وأنه لا يمكن التحادث بين الناشطين بالهاتف لأنه يقع تحت المراقبة. كما يتذكّر أن الأحاديث بين الأصدقاء كان فيها الكثير من الحذر لأن الدولة تزرع المخبرين بين أغلب المجموعات. ويعتبر تشومسكي أن الوضع درامي في الولاياتالمتحدة، فرغم أن التعديل الدستوري الرابع يضمن أمن المواطنين في أشخاصهم وبيوتهم ووثائقهم ويمنع ما يسمى بعمليات التفتيش والحجز غير المبررة، فإنه يتم اليوم انتهاك التعديل بشكل مؤسف رغم أن بعض القانونيين يحاولون إيجاد بعض التبريرات لذلك. وعن مدى تشابه حادثة سنودن مع حادثة واترغيت يقول تشومسكي أن المواد التي نشرها سنودن تعتبر مفاجئة لأنها كشفت أمورا خطيرة لكن الحادثة الأولى ساهمت في إسقاط رئيس البلاد لأن الضغط ربما فيها كان أكبر. وبالحديث عن واترغيت يتذكّر أيضا فضيحة أخرى ظهرت في نفس الوقت وهي ‘برنامج محاربة التجسس" (كوانتالبرو 1969)، الذي يعتبر عملية حكومية إجرامية ضخمة ضد الشعب امتدت على مدى أربع إدارات، كينيدي وجونسون ونيكسون (بدأت قبلهم بقليل)، واستهدفت نظريا كل الفكر والنشاط النقدي، ليس فقط من أجل التجسس بل من أجل الإرباك، ويعتبر تشومسكي أنها تجاوزت بكثير مسألة سنودن، لأنها وصلت إلى درجة الاغتيال، وقد قام بها البوليس السياسي القومي (أف.بي.أي) ضد حركة السود مما أدّى إلى القضاء على أغلب نشطائها، وكانت أبشع حالة فيها هي جريمة اغتيال فراد هامبتون، الذي كان عضوا في جمعية بلاك بانثر، ومنظما ناجحا فيها ولم تكن له سوابق إجرامية البتة. فعندما فشلت عناصر أف.بي.أي في مرة أولى في اغتياله عبر تحريض عصابة إجرامية في حيه. استعملت بعد ذلك مُخبرا وهو حارسه الشخصي، وأعطت معلومات خاطئة لشرطة شيكاغو عن وجود بنادق في الشقة، وفي الرابعة صباحا اقتحمت الشرطة الشقة على طريقة الغاستابو وقتلته وهو في فراشه، وتلك الحادثة هي من بين حوادث أخرى كثيرة في إطار كوانتلبرو وكانت أخطر بكثير من واترغيت، وحتى أخطر من وكالة الأمن القومي (أن.سي.أي). صناعة الإرهاب عن مدى اعتبار الحادثة مشابهة لما يعرف اليوم بالطائرات دون طيار وردود الرأي العام الأميركي يقول عالم اللسانيات اليهودي الأميركي إن حملة الطائرات بدورها إرهاب عالمي تقوده إدارة أوباما ليس له مثيل، وهي عمليات عادة ما تكون بغير علم الرأي العام الأميركي ما يفرض على الصحافة أن تضطلع بمهمة الإعلام بمثل هذه المسائل الهامة لكي تلعب دورا في مجتمع ديمقراطي. لكن في بعض الأحيان لا يتحقق هذا الدور إلا بدرجة محدودة جدا. أما في في حالة كوانتلبرو وفي حادثة اغتيال هامبتون فلم تكن هناك أية تغطية تقريبا. في نفس الإطار يقول تشومسكي: الآن أن تكون مذنبا يعني أن أوباما قرر قتلك، ذلك هو الواقع. ففي صباح الثلاثاء تنعقد جلسات في البيت الأبيض تستعرض فيها مواعظ عن الحروب العادلة ويقرر من سنقتل اليوم. يتم تحديدهم على أنهم متهمون، على مساحات شاسعة من العالم بل إن بعض الحالات قتل فيها أميركيون مما أفرز ردود فعل قوية، مما يعني أنه إذا وقع قتل مواطن غير أمريكي فهذا أمر عادي لكن قتل مواطنين أميركيين يثير عددا من المسائل الدستورية. ويقدّم فرضية أن إيران مثلا عندها القدرة على قتل أشخاص في الولاياتالمتحدة أو اسرائيل تراهم تهديدا، ويكون لديها سبب وجيه لاعتبارهم تهديدا، "فهل سنجلس هنا بهدوء ونقول أن كل شيء على ما يرام؟ لكن عندما نفعل نحن ذلك، فهو أمر شرعي". ويضيف أن المدهش حقا أن تدرك الحكومة الأميركية شيئين مهمين. أحدهما أن لا تقتل المشبوه فيهم فقط، بل تولّد الإرهاب أيضا عندما تشرع في قتل أناس في مجتمعات قبلية لها ثقافة دفاع وثأر، ويقدّم مثال الحادي عشر من سبتمبر حيث انكشف أن 11 شخصا من المختطفين التسعة عشر ينتمون إلى قبيلة في اليمن تعرضت لقمع وهجوم شديدين، أولا من قبل مركز الأمن القومي ثم من قبل المناصرين الدوليين له. إذن فهم كانوا يأخذون بالثأر. وقد أشار الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات الأميركية مايكل هايدن مؤخرا أنه لا توجد حكومة واحدة في العالم تقبل الأساس القانوني لدى واشنطن لحملة الطائرات دون طيار، باستثناء اسرائيل وأفغانستان. الدول الأعداء سال الأستاذ في قانون حقوق الإنسان كونور جيرتي محاوره المفكّر نعوم تشومسكي عن رأيه في القول التالي: "صحيح أننا سننفر بعض الأشخاص، لكننا نقضي على الزعماء، إنه ‘صراع الحضارات' المشهور الذي تبنته مجموعات التفكير الأميركية والكتب حول أخف الشرور، الخ. عندنا الديمقراطية، عندنا سيادة القانون – نحن الأشخاص الطيبون هنا. أنت تحمل ازدراء تاما لذلك، لكنني أتساءل ألا يوجد في جوهرها نوع من الحقيقة الأساس في كون هذه المجتمعات مختلفة؟ فأجاب عالم اللسانيات والناشط السياسي الأميركي قائلا: -بالتأكيد نحن أكثر عنفا وعدوانية بكثير. في الحقيقة عندما يحدث هذا في مجتمع ديمقراطي نوعا ما يكون المواطنون مذنبين أكثر مما لو وقع في دولة متسلطة. لنفترض أن إيران تقوم بقتل أناس يهددونها في الولاياتالمتحدة واسرائيل وربما بريطانيا. في هذه الحالة لا يستطيع المواطنون الإيرانيون فعل أي شيء حيال ذلك، فالدولة قاسية ومتسلطة. لكن الأمر مختلف هنا فنحن أحرار، وإذا قبلنا ذلك وتسامحنا معه، فذلك يعد ذنبا من الناحية الأخلاقية. وفي موضوع الحريات تحدّث جيرتي عن الصحافة الصينية وما تنشره معتادة عن مدى فظاعة الولاياتالمتحدة، "وكلما أثارت معهم قضية حقوق الإنسان يجيبونك بما ترتكبه أميركا. أنظر إلى كل العنف، أنظر إلى رودني كينغ. هل هذا دائما رد مناسب؟ لأنه يبدو لي أنهم دائما سيقولون ببساطة: ما تفعله روسيا سيء، ما تفعله الصين سيء، لكن أنظر ماذا تفعل أميركا. يبدو لي ذلك مراوغة للنقد، أليس كذلك؟". وأجابه تشومكسي بأنه لا يعتبر ذلك مراوغة، قائلا "نحن نقبل ذلك المبدأ فيما يخص الدول الأعداء. مثلا إذا انتقدت شيرين عبادي إيران لكن لم تنتقد اسرائيل، أو إذا انتقد آي وايواي الصين لكنه لا يدين الولاياتالمتحدة فإننا ننبهر بذلك. فهم يفعلون ما يجب فعله. عليهم أن يركزوا على جرائم بلدانهم، لكن لا أحد يريدهم التحدث عن جرائم الولاياتالمتحدة أو بريطانيا، لأن ذلك مضيعة للوقت. لدينا مسؤولية أكبر بكثير لفعل ذلك لأننا مسؤولون، بينما المنشقون في الدول المستبدة ليسوا كذلك. ونحن بإمكاننا التأثير على هذه السياسات". اللوبي الاسرائيلي دار حديث بين جيرتي وتشومسكي عن كتاب عن سلطة اللوبي الاسرائيلي في الولاياتالمتحدة، الذي أثار ضجّة كبيرة، وعلّق تشومسكي عليه قائلا: هناك أمر يتعلق بجودة الادعاءات، وآخر حول استقباله. أعتقد أنه لقي استقبالا جيدا، والسبب هو أنه يبرئ الحكومة الأميركية. يقول الكتاب: أنظروا، نحن على ما يرام، لكن ما بيدنا حيلة. هناك لوبي يهودي قوي يتحكم فينا. نحن سعداء بالتطوع لمساعدة الآخرين فتلك طبيعتنا الغريزية، لكن يحاصرنا اللوبي اليهودي. ذلك هو السبب الوجيه الذي يجعل الكتاب حسب رأيي يلقى رواجا. المسألة الثانية تتعلق بالطرح، فهل من المعقول أن يتحكم لوبي إثني صغير في السياسة الأميركية؟ إذا صدّق أحدهم هذا الطرح فهناك قول تكتيكي مستتبع: ارتد ثيابك واذهب إلى مكاتب المديرين لشركات لوكهيد مارتن، جنرال إلكتريك، غولدمان صاكس، جاي.بي مورغن تشيس واشرح لهم أن مصالحك يضر بها لوبي صغير تستطيعون أن تقضوا عليه اقتصاديا في ظرف خمس دقائق. فهل سيفعل أي منهم ذلك؟ لا، لأن ذلك غير ممكن. ميرشايمر ووالت باحثان جيدان جدا. يصنفان على أنهما باحثان واقعيان في العلاقات الدولية. وحسب المدرسة الواقعية تتّبع الدول ما يسمى بالمصلحة الوطنية، وبالخصوص الأمن في عالم فوضوي. لكن ما هي المصلحة الوطنية؟ في الواقع يتبين أنها مصالح قوة الدولة والقوة الاقتصادية المركزة. هل المصلحة الوطنية بهذا المعنى تتضرر من السياسة الأميركية تجاه اسرائيل؟ من الصعب القول بهذا الرأي. وبالتأكيد مراكز القوة الأميركية لا ترى ذلك الرأي. خذ مثلا لوكهيد مارتن أو الصناعة العسكرية بأسرها، وهي لوبي كبير. هم يرون أن ذلك شيء عظيم. عندما تمنح الولاياتالمتحدة اسرائيل بعض المليارات من الدولارات لشراء سلاح متطور فذلك هبة لشركة لوكهيد مارتن. في الواقع هي هدية مزدوجة لأنها ما يسمى في تجارة التجزئة ‘المثير'. هذا يعني أن المملكة العربية السعودية تأتي وتقول: نريد شراء ما قيمته 60 مليار دولار من المعدات من الدرجة الثانية لا نعرف كيف نستخدمها. إذن الصناعة العسكرية تستطيع بيعها لهم، وذلك شيء عظيم. فضلا عن ذلك تقوم اسرائيل باختبار المعدات المتطورة على أهداف حية، وهو ما يمكنك من التعلم. مشروع الدولتين سأل كونور جيرتي تشومسكي عن رأيه إذا اتصل به جون كيري غدا ويقول: مشروع الدولتين فشل، وأنا سئمت من أنك تقول لي ماذا أفعل – سأفعل أي شيء تطلبه مني. وليس لديه من الوقت إلا دقيقة واحدة. ما هو الحل التالي؟ الدولة الواحدة؟. علّق عالم اللسانيات اليهودي الأميركي عن هذا الموضوع قائلا إنه يعتقد أن الخطاب كله مضلل. الخطاب المعهود عند الجميع تقريبا من جانب السلطات الاسرائيلية والفلسطينيين والمعلقين الدوليين وفي كل مكان بأنه يوجد خياران: إما دولتان، أو دولة واحدة. وفي الحقيقة الكثير من الفلسطينيين يؤيدون ذلك. يقولون: حسنا، ليكن عندنا اسرائيل. لنعطيهم المفاتيح. سيستولون على المكان كله، وسننظم كفاحا من أجل الحقوق المدنية، وهو نوع من الكفاح ضد الفصل العنصري. هناك في هذه الحالة خياران: الأول يتمثل في الإجماع الدولي على حل الدولتين، والثاني هو أن تواصل اسرائيل فعل ما تفعله الآن، بدعم أميركي. اسرائيل لا تريد السيطرة على السكان الفلسطينيين. في الواقع ما يفعلونه هو تنفيذ برامج استيطان وتطوير تقضم الضفة الغربية – غزة بقيت سجنا – بشكل يضم إلى اسرائيل الأجزاء التي يريدونها من غزة، ويقسمون المنطقة إلى نوع من الكنتونات، ويستولون على أهم الموارد بما في ذلك المياه، لكن يتركون السكان. المخطط يعمل على أن يبقى عدد قليل جدا من الفلسطينيين في المناطق الملحقة باسرائيل. إذن في الواقع لن يكون هناك ما يسمى المشكل الديمغرافي المتمثل في وجود الكثير من العرب في دولة يهودية. لن يحدث ذلك. ما سيحدث في الواقع هو زيادة نسبة اليهود في اسرائيل الكبرى عندما يأتون بالمستوطنين. ذلك هو الخيار الثاني، إذا لم يكن هناك حل الدولتين ذلك ما سيحدث، طالما دعّم الأميركيون والبريطانيون ذلك طبعا.