تثار شكوك كثيرة حول سر الصعود الكبير لتنظيم "داعش" قبل أن يكون "دولة" و"خلافة" على أجزاء مقتطعة من سورياوالعراق مستفيدا من التضخيم الإعلامي الغربي الذي يقدمه وكأنه اللاعب الوحيد في البلدين متعمدا التقليل من شأن ثوار سوريا وثوار عشائر العراق. ويقول مراقبون إن تمدد تنظيم "داعش" جغرافيا والسهولة التي هزم بها قوات رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته نوري المالكي لا يفسره سوى دعم خفي من جهات خارجية هدفها توفير أرضية مثلى لتقسيم المنطقة لخدمة أهدافها الاستراتيجية. ولفت المراقبون إلى أن الولاياتالمتحدة أكبر مستفيد من وجود عدو يتسم بالغباء، ويستعدي العالم ضده، وهو ما يبرر استمرار الوجود الأميركي في المنطقة. يشار إلى أن الولاياتالمتحدة بادرت إلى تحرك دبلوماسي منذ سيطرة "داعش" على مواقع حساسة في العراق، ونجحت في تحشيد دول المنطقة ضد التنظيم المتشدد الذي لا يفتأ يتحرك بشكل استفزازي وكأن هدفه هو تسريع التحرك الدولي ضده. وفي هذا السياق، يقول المفكر الفلسطيني/السوري سلامة كيلة في حديث ل"العرب" إن السياسة الأميركية كانت دائما تعتمد على خلق عدو عالمي خطير يبرر كل سياساتها العالمية. وتابع أن تشغيل الصراع ضد عدو وهمي يجعل موقفها أقوى، وعليه تغدو الولاياتالمتحدة مستفيدة من وجود الحركات المتطرفة كتنظيم الدولة الإسلامية. وقال إن الانهيارات المالية التي عاشتها الولاياتالمتحدة في السنوات الأخيرة ستجعلها أضعف سياسيا، ولذلك فهي تحاول البقاء كقوة عظمى من خلال خلق مناخ أمني وسياسي مأزوم في الشرق الأوسط يجعل حلفاءها في حاجة دائمة إليها. وأشار مراقبون إلى أن واشنطن تتجنب التدخلات العسكرية في المستقبل وتبني استراتيجيتها على تأزيم الأوضاع الأمنية مما يسمح لها بأن تكون "حارسا أمينا" لمصادر النفط والملاحة الدولية. ويعزز وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل وجهة النظر التي تتبنى إحجام الولاياتالمتحدة عن السياسات الهجومية العدائية لصالح البراغماتية الاقتصادية. وقال هيغل في ندوة أقامها بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى إن الخيط المشترك في نسيج الشرق الأوسط هو أن الحلول الفعالة الأكثر ديمومة التي تواجه المنطقة سياسية وليست عسكرية، معتبرا أن الدور الأميركي يكمن في التأثير على الأحداث وتشكيل مسارها من خلال استخدام الأدوات الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية. وتوقع هيغل أن يسير النظام القديم في الشرق الأوسط إلى الزوال بشكل متسارع، وأن حالة من عدم الاستقرار سوف تستمر في المنطقة وعلى الولاياتالمتحدة أن تعدل من استعداداتها تبعا لذلك. من جانبه، يبيّن المحلل السياسي كريستوف ليمان في تقرير له بخصوص مستقبل الشرق الأوسط أن كتائب الدولة الإسلامية "داعش" استخدمت من أجل تفتيت وحدة العراق وتوسيع الصراع السوري إلى حرب شرق أوسطية أشمل بهدف إفقاد إيران توازنها وتوريطها في أكثر من أزمة. * العرب اللندنية