يوم الجمعة الماضي أصدر مجلس الأمن بالإجماع قراراً بتجريم "تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام". شِئنا أم أبينا، علينا الاعتراف بأن في خليجنا "داعش". أمير الخلافة المزعومة أبو بكر البغدادي، أعلن اعتزام التنظيم دخول الكويت. القرب الجغرافي بين الكويت وأماكن انتشار هذه الجماعة الإرهابية مؤشر خطير لا يجب إغفاله. يبدو أن البغدادي ومنظّري الفكر المتطرِّف لديهم تصفية حسابات مع الولاياتالمتحدة الأميركية، وينوون قتالها في الجهراء والسالمية! في البحرين، أوقفت وزارة الداخلية سبع مركبات تضع ملصقات تنظيمات إرهابية، منها تنظيم "داعش". الشعارات هي الخطوة الأولى، ولكن قد يتبعها سفك دماء وتفجير مساكن وأماكن للعبادة، وتخريب منشآت في سند والجفير لا سمح الله. في المنطقة الشرقية في السعودية أوقفت إحدى الدوريات سيارة خليجية عليها شعار "داعش" في كورنيش الخبر. كيف دخلت هذه السيارة الجوازات والجمارك السعودية؟ في شرورة عبارات داعشية على سور مبنى إسكان قوى الأمن. الشيخ عادل الكلباني وصف "داعش" بأنها نبتة سلفية، وأن تلك حقيقة يجب مواجهتها بشفافية. يا فضيلة الشيخ، هذه "النبتة" حوّلت أبناء الوطن من "مناضلين للصحوة" في الجمعيَّات والجامعات، إلى قنابل رخيصة وقاطفي رؤوس في الفلوجة وسنجار بسبب صمت (وربما تواطؤ) بعض العلماء. لم يعد خافياً أن "داعش" ليست بعيدة كثيراً فكرياً عن البيت الخليجي، الدليل هو الصمت المريب تجاه الفئات التي تتعاطف بشكل مبطّن تارة، وسافر تارة أخرى مع طروحات "داعش" الإرهابية. إذن "الفكر الداعشي" متواجد ويمارس نشاطه الخفي وربما ينشر أفكاره المخالفة لسماحة الإسلام بلا كسل أو ملل. هل علينا الانتظار إلى أن يتمكَّن هذا الفكر البغيض من دوائر المسؤوليَّة، باعتبار حامليه حرَّاس الفضيلة والفكر والمجتمع والتعليم والمرأة؟ خلال الأسبوع الماضي تم وضع اسمين لسعوديين هما عبدالرحمن الجهني وعبدالمحسن الشارخ على قائمة الإرهابيين التي أصدرها مجلس الأمن الدولي. في هذا الأسبوع فجّر باسل الزهراني نفسه في اليمن، بينما فجر زياد المطيري نفسه في العراق، إضافة إلى الرجل الذي ذهب إلى تركيا بصغاره للمشاركة مع "داعش" في القتال لنصرة دولة الخلافة الإسلامية! من يتلاعب بعقول الشباب بأنشودة "حور الجنان تنادي سجلني استشهادي"؟ أتفق مع الكاتب خالد الدخيل في القول بأن نقطة الضعف المركزية للمؤسسة الدينية هي الجمود الفكري الذي ظلت تعاني منه في خضم كل التغيرات الكبيرة التي تحيط بها من كل حدب وصوب، وأن جمودها المنهجي منعها من التفاعل مع التغيرات المتتالية. للأسف دور العلماء في تنقية الفكر من تأويلات التطرُّف مغيّب عن الساحة. بعض أئمة المساجد حذروا من التغرير بالشباب وجرهم إلى الانخراط في زمرة أصحاب الأفكار الإرهابية تحت غطاء الجهاد. الشجب والاستنكار لا يكفيان، فالمتحدث باسم تنظيم "داعش" أبو محمد العدناني، جهاز إعلامي مُتَمَرِسْ يُسَوّق لحور العين الفاتنات. حتى لا نبخس السلطة الدينية حقها، وزارة الشؤون الإسلامية رسمت خارطة طريق لمنسوبي المساجد بتحديد 29 مسؤولية، من أهمها ضرورة التزام الخطباء بعدم الخوض في المسائل السياسية. هذا جيد ولكنه غير كافٍ، فالمسؤولية تقع على العلماء وخطباء المساجد والإعلام، وعلينا الإسراع بإصلاح ما سبق من كوارث. إمام وخطيب المسجد الحرام بمكة المكرمة الشيخ عبدالرحمن السديس كان واضحاً عندما دعا العلماء إلى ترسيخ العقيدة الإيمانية لدى النشء، والوقوف في وجه كل من يحاول اختطاف وتشويه الإسلام. خارطة وزارة الشؤون الإسلامية، ودعوة الشيخين السديس والكلباني، جيدة ولو أنها جاءت متأخرة أكثر من ثلاثين عاماً. لابد من تكثيف الوعي لدى الشباب بخطر الإرهاب وبأهمية الابتعاد عن مواطن الاقتتال والشبهات. ليس لدي شك أن البيت الخليجي (منفرداً أو بمساندة قوى صديقة) قادر على ردع أي اختراق عسكري أو فكري لأراضيه. لكن أسلوب الفوضى والقتل والأعمال الوحشية للجماعات المسلحة لا يحتاج إلى كثير من التنظيم، قليل منه أشاع الفوضى، فأعادت "داعش" رسم الحدود واحتلت مساحات شاسعة في بلدين عربيين. الوضع في البيت الخليجي وحوله أسوء مما نعتقد، فإعلان "داعش" دولة "الخلافة" يُدخِل المنطقة، ويدخلنا كلنا، في حرب شرسة مفتوحة مع الجميع. "داعش" تمارس الوحشية بأبشع صورها لأنها فهمت النصوص الشرعية فهما خاطئا ومخالفاً لفهم الصحابة والسلف الصالح. "داعش" سفكت الدماء وقتلت الأبرياء وهجّرت مئات الألوف من قراهم ومدنهم. الأهم من هذا وذاك أن "داعش" شوّهت صورة الإسلام بتسامحه وإنسانيته ونقائه، وأساءت بذلك لكل الشرائع والأديان. فإلى متى يستمر الصمت؟ عضو جمعية الاقتصاد السعودية * العرب اللندنية