لم نكن نتمنى، بأي حال من الأحوال، أن يصل الموقف بين الفرقاء السياسيين في الوطن إلى ما وصل إليه المستوى الأيديولوجي لهياكلهم التنظيمية والحزبية، حتى وإن وقف بعضهم أمام بعض موقف الخصم والحكم في آن واحد، فتغيير الحقائق أو حتى تعديلها لا يحدث بتلك البساطة التي كانت تحدث حين يتعلق الأمر بالمواقف فقط، أما حين يصل الأمر إلى العقائد، فكما قلت من الصعب التراجع بقصد التعديل، أو التغيير، خاصة وأننا في وطن كل كبير فيه يخلفه كبير، ولكل سياسة فيه سياسة مضادة! وباختصار فإن هذه الحرب الجوية والبحرية والبرية التي يواجهها المتدينون ليس في اليمن وحده بل العالم العربي والإسلامي أجمع، تحدث بفعل الميل عن السياسة إلى السياسة المضادة، فقد كانت سياسة الإخوان في مهدها اليمني، مثلاً، واضحة جداً قبل حرب الانفصال، لكنها بعد ذلك النضوج المبكر الذي حدث بفعل حرارة المشهد السياسي بشكل عام بدأت تفقد الكثير من قيمها الدينية وتحولت قناعاتها الأيديولوجية إلى قناعات أيديوسياسية، وكأنها تشهد ملحمة جديدة لدين بلا دولة أو دولة بلا دين!
متدينو اليمن ليسوا من المتدينين أو الإخوانيين، بمعنى أدق فهم نتاج تنشئة سياسية وتعبئة قبلية خاطئة، لكن فطرتهم الدينية والوطنية والإنسانية لم يشبها العطب الذي أصاب الكثير من متدينين خلطوا بين فلسفة الحق والواجب بمعيار ديني جديد يخوّلهم ليكونوا وكلاء لذرية آدم في الأرض، وفي هذا إسفاف وتسفيه وخروج عن النظام العام للسلم الاجتماعي المتمثل في عقد الحق والواجب بين النظام والشعب. حورب هؤلاء المتدينون لأنه ربما نسوا أو تناسوا أنه كان عليهم لعب دور القدوة الصالحة، لكنهم لم يفعلوا ذلك لأسباب كثيرة بعضها عام وبعضها خاص، لكن تلك الأسباب مجتمعة لم تساند مواقفهم المختلفة من النظام السياسي في الوطن بالرغم من مساحة التصالح التي منحهم إياها خلال مرحلة تكتيكية معينة. لكن وحتى أكون منصفة فيما أقول فقد كان موقف المتدينين في الوطن من المشهد الحوثي موقف عاقل وحكيم ومرن جداً على الأقل حتى هذه اللحظة.