إذا عجز الوزراء في الإدارة العليا أن يوضحوا لماذا وزارتهم قائمة؟ وما هي رسالتها فإنهم لن يستطيعوا التعامل بفاعلية مع القضايا المهمة التي تواجههم داخلياً وخارجياً تقدمت الحكومة الجديدة بمشروع برنامجها العام إلى مجلس النواب الأسبوع الماضي، وقد انتقد البرنامج من قبل مجموعة كبيرة من الكتّاب والنقّاد وبعض القيادات الإدارية، فمنهم من قال عنه بأنه عبارة عن خطبة إنشائية ركيكة الصياغة، ومنهم من وصفه بأنه عبارة عن استغفال للشعب اليمني، مطالباً أعضاء مجلس النواب بعدم منح الثقة لهذه الحكومة، ومنهم من وصفه بأنه شبيه بسابقيه وبالأخص برنامج حكومة الوفاق، منتقدين طرح الحكومة في برنامجها المشاكل وبعض الحلول دون كيفية تطبيق هذه الحلول على أرض الواقع، فالجميع يريد حلولاً واضحة المعالم، لا برنامجاً يحتوي على صيغ إنشائية غير واقعية أو واضحة. فمن الملاحظات التي تؤخذ على برنامج حكومة الكفاءات، أنها تعترف بأن أهم التحديات التي تواجهها: اتساع نطاق الفقر وتفاقم مشكلة البطالة، لكنها لا تضع الحلول الجديدة والمناسبة لحل هذه المشاكل، بل تتخذ نفس الحلول للحكومات السابقة، رغم الفشل الذريع لهذه الحلول وعدم قدرتها خلال السنين الماضية، حتى يومنا هذا، على تحسين وضع الفقراء، فبرنامج الحكومة الحالية كسابقتها يعتزم رفع مستحقات الضمان الاجتماعي للفقراء رغم علمها بأن معظم المسجلين في كشوف مستحقات الضمان هم غير فقراء، وذلك لأسباب جميعنا يعلمها، ومنها "الوساطات والرشوات"، في حين أن فقراء اليمن، الذين يزيدون كل يوم، كانوا أحوج إلى مشاريع إنتاجية يعملون ويقتاتون منها، فلو أن برنامج الحكومة قام بوضع حلول جديدة، مثل تحويل المبالغ المالية المعتمدة للضمان الاجتماعي إلى مشاريع إنتاجية تساهم في تحسين دخل الفرد والأسرة وتحويلهما إلى قوة عاملة منتجة تساهم في مجال التنمية، ولنا في بداية ثورة الصين الصناعية خير مثال على ذلك. فلو أن برنامج الحكومة بني على التخطيط والتخطيط الاستراتيجي، وتم تقسيمه على أهداف استراتيجية مستقبلية وفق المستوى التنظيمي الإداري، وتم تحديد مدى زمني لتنفيذ هذه الأهداف التي وضعت في البرنامج من قبل أعضاء حكومة الكفاءات لكان أقرب إلى المصداقية من سابقيه.. فالمتعارف عليه في علم الإدارة، بأنه إذا عجز الوزراء في الإدارة العليا أن يوضحوا لماذا وزاراتهم قائمة؟ وما هي رسالتها، فإنهم لن يستطيعوا التعامل بفاعليه مع القضايا المهمة التي تواجههم داخلياً وخارجياً. كما أنهُ لا يكفي أن تشمل هذه الحكومة كفاءات علمية وخبرة عملية، ما لم تكن النية صادقة ومخلصة من أجل خدمة الوطن والمواطن والشعور بالمسئولية الوطنية العليا، فهذا كله أساس نجاح برنامج أي حكومة. جميعنا يعلم بأن أمام هذه الحكومة مسئوليات جساماً وضعت على عاتقها، وأنها منفردة لن تستطيع أن تحقق أي نجاحات تذكر دون تكاتف الجهود والعمل المشترك بروح الفريق الواحد مع المؤسسات الدستورية، والقوى السياسية، والقوى الوطنية بمختلف اتجاهاتها، حتى إن عدداً من أعضاء مجلس النواب سخروا من برنامج الحكومة، معتبرين التزام الحكومة بتنفيذ مخرجات الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة الوطنية يفوق قدراتها، كونها اعترفت في برنامجها بعدم قدرتها على تنفيذه لوحدها، ولذلك أتمنى من الجميع، قيادات إدارية ذات كفاءة أو كُتّاباً ذوي خبرة، وغيرهم أن يسهموا مع هذه الحكومة بالقول والعمل ولو حتى بالنصيحة، فجميعنا ركاب هذه السفينة التي تكاد أن تغرق في وحل الفوضى والفساد، وإسهام كل فرد من أفراد المجتمع اليمني يمكن أن يساعد على إنقاذ هذه السفينة.. وأنا كوني أعمل في إحدى أكبر مؤسسات البلاد، سأساهم ببعض ما لديَّ من معلومات إدارية أتمنى أن تأخذ بمحمل الجد من هذه الحكومة. التخطيط يعرف التخطيط بأنه: مرحلة التفكير في المستقبل والتنبؤ بالمشكلات والإمكانات والاحتياجات والاستعداد للمستقبل.. ويتطلب ذلك: وضع الأهداف والمعايير رسم السياسات والإجراءات التنبؤ وإعداد الموازنات وضع برامج العمل والجداول. مع العلم بأن الخطة (plan) تختلف عن التخطيط (فالخطة هي مجموعة أنشطة أو عمليات متتالية لازمة لتحقيق أهداف أو أغراض معينة، ونستنبط من هذين التعريفين أنهما يتحدثان عن استشراف المستقبل سواءً أكان قريباً أم بعيداً، وتقدير الموارد بشرية كانت أو مادية، ووضع طرق حكيمة للوصول إلى الأهداف المرسومة، وهذا يذكرني بتعريف (fayol) رائد المدرسة الوظيفية في الإدارة القائل بأن: التخطيط هو التنبؤ بالمستقبل والاستعداد لهذا المستقبل. أما التخطيط الاستراتيجي، فيعرف بأنه صنع الاختيارات، فهو عملية تهدف لدعم القادة لكي يكونوا على وعي بأهدافهم ووسائلهم، وبذلك فالتخطيط الاستراتيجي هو أداة إدارية ولا تستخدم إلا لغرض واحد مثل بقية الأدوات الإدارية الأخرى، ألا وهي مساعدة المؤسسة في أداء عمل أفضل. أو هو العملية التي تنقلنا من الحاضر إلى المستقبل بحيث يكون الطريق ممهداً وجاهزاً للانتقال، فالتخطيط الاستراتيجي بعيد المدى يأخذ في الاعتبار المتغيرات الداخلية والخارجية، وهو عملية تبنى على دراسة المستجدات داخل وخارج المؤسسة. أو يمكن أن نقول، هو العملية التي يتم من خلالها تنسيق موارد المؤسسة مع الفرص المتاحة لها وذلك على المدى الطويل، والخطة الاستراتيجية هي خطة عمل شاملة طويلة الأجل تهدف المؤسسة من خلالها إلى تحقيق الأهداف الموضوعة. وقد فرق الدكتور/ أحمد ماهر بين التخطيط والتخطيط الاستراتيجي قائلاً: التخطيط هو امتداد للماضي باستخدام بياناته لمعرفة ما يجب أن يكون في المستقبل وهو عادة ما يتم استناداً على التنبؤ. كما يتميز التخطيط الاستراتيجي بأنه يتضمن اختيار ما هو أفضل استجابة للظروف التي تشكل بينه ديناميكية وتعتمد على البيانات، فهو يتيح لك توجيه المستقبل وإدارته، فالعقلية الإدارية هي عقلية معنية بتحقيق الأهداف والعقل الاستراتيجي يتواكب مع التغيير. وبسبب الأهمية الكبيرة التي حظي بها التخطيط الاستراتيجي في الوقت الراهن نجد أن الكثير من برامج تطوير الذات قد بدأت في تطبيق أساليبه لتحقيق التطوير الفردي والجماعي. مع العلم أن التخطيط الاستراتيجي مر بعدة مراحل قبل أن يصبح تخصصاً مستقلاً بذاته في أبجديات إدارة الأعمال. ويمكن أن نوجز تلك المرحلة في ثلاث: الجذور التاريخية القديمة للتخطيط الاستراتيجي، فيعود مفهوم التخطيط الاستراتيجي قديماً في الفكر البشري إلى الحضارة اليونانية التي اشتقت كلمة الاستراتيجية من الكلمة اليونانية وهي (strategi) والتي تعني علم الجنرال strategies وهي مكونة من أبعاد ثلاثة: الجنرال، هو ذلك الشخص الذي يمتلك حساً عميقاً بالزمن ومتى يجب أن يتصرف؟ وهو يدرس خططه وتحركاته الاستراتيجية بعمق وينفذها في أوقاتها المناسبة بحيث تعطي النتائج المرغوبة. فلقد برز مفهوم التخطيط الاستراتيجي ابتداءً من خمسينات القرن العشرين على أيدي رجال الأعمال وعلماء الإدارة وذلك تحت مسمى الاستراتيجية الإدارية أو العقل الاستراتيجي أي التفكير الاستراتيجي واختلفوا في من يعود إليه الفضل في ذلك. وأخيراً، لا ننسى أن نفرق بين التخطيط الاستراتيجي والسياسات العامة، فكثير من الناس يخلط بينهما مع أن لكل منهما تعريفاً، فالتخطيط الاستراتيجي قد عرفناه مسبقاً، أما السياسات العامة فتعرف بأنها أحد الآليات المتاحة للإدارة العليا في المؤسسة لوضع سياسات عامة تهتدي بها المستويات الإدارية الدنيا في عملية اتخاذ القرارات بالنسبة للمديرين، وفي التصرف اليومي بالنسبة للعاملين في مجال التشغيل وتساعد على تفويض السلطات بين المستويات الإدارية المختلفة. يحكى أن أحد زعماء الصين عندما تولى مهامه لإدارة بلد المليار نسمة، سأله مستشاروه: كيف لك أن تطعم مليار نسمة؟ فرد عليهم: حسبتكم خاطئة، فلو أنكم سألتموني كيف لك أن تشغل مليار يد عاملة؟ وهذا ما حدث في الصين بالفعل.