[نشرها الأستاذ، المحامي والمستشار القانوني، هائل سلام، في صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك بتاريخ 24 يناير 2015K ويعيد المنتصف نت نشرها بإذن من الكاتب، تزامنا مع نشوب الحاجة إليها مجددا] التوصيف الدستوري والقانوني ل " إستقالة " الرئيس هادي :
نظم الدستور شروط وأحكام إستقالة رئيس الجمهورية ،وخلو منصب الرئيس ، في المادتين (115)،(116) منه . وبقراءة نصي هاتين المادتين نجد الأول منهما جاريا على نحو : " يجوز لرئيس الجمهورية ان يقدم استقالة مسببة الى مجلس النواب ويكون قرار مجلس النواب بقبول الاستقالة بالاغلبية المطلقة لعدد اعضائه فاذا لم تقبل الاستقالة فمن حقه خلال ثلاثة اشهر ان يقدم الاستقالة وعلى مجلس النواب ان يقبلها ".
فيما يقرر الثاني مانصه : " في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية او عجزه الدائم عن العمل يتولى مهام الرئاسة مؤقتا نائب الرئيس لمدة لا تزيد عن ستين يوما من تاريخ خلو منصب الرئيس يتم خلالها اجراء انتخابات جديدة للرئيس وفي حالة خلو منصب رئيس الجمهورية ونائب الرئيس معا يتولى مهام الرئاسة مؤقتا رئاسة مجلس النواب واذا كان مجلس النواب منحلا حلت الحكومة محل رئاسة مجلس النواب لممارسة مهام الرئاسة مؤقتا ويتم انتخاب رئيس الجمهورية خلال مدة لا تتجاوز ستين يوما من تاريخ اول اجتماع لمجلس النواب الجديد ".
مايعني أن الدستور أجاز لرئيس الجمهورية تقديم إستقالته من منصبه ، مفترضا توافر أسباب ذاتية لدى الرئيس تبرر له تقديم هذه إستقالة ، مسببة، الى مجلس النواب الذي يتوجب عليه فحص أسبابها والبت بشأنها. فإذا ماتوافرت الاغلبية المطلوبة لقبولها ،وهي - بحسب النص الأول - الأغلبية المطلقة لعدد اعضائه ، إعتبرت الإستقالة مقبولة ، ومالم تتوافر هذه الأغلبية فتعتبر مرفوضة لهذا السبب .
وفي هذه الحالة ، أي الرفض ، أجاز الدستور للرئيس التقدم بإستقالته ، مرة أخرى ، بعد إنقضاء ثلاثة من تاريخ رفض إستقالته الأولى . (مع ملاحظة أن آلية اتخاذ القرار في مجلس النواب عدلت الى التوافق بحسب المبادرة الخليجية ).
ولا عبرة هنا بالتمسك بظاهر النص قولا بأنه أجاز للرئيس التقدم بإستقالته للمرة الثانية " خلال ثلاثة أشهر " وليس بعد إنقضاء ثلاثة أشهر ، ذلك أن المتوجب ، وفقا للقواعد القانونية الكلية ، إعمال الكلام في مقاصده ، إعتبارا بأن العبرة في الكنايات بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني . وواضح أن مقصد المشرع الدستوري من هذا التقرير هو منح الرئيس أجلا كافيا قدره بثلاثة أشهر لمراجعة موقفه من الإستقالة ، وكفرصة زمنية معقولة لإجراء المشاورات التي قد تكون ضرورية لإثناء الرئيس عن الإستقالة أو لمعالجة وإزالة الأسباب التي دفعته إليها.
والقول بغير ذلك من شأنه إهدار الحكمة المتغياة من هذا التقرير الدستوري ، على نحو يجعل هذا التقرير يتخالف وقواعد العقل والمنطق . إذ هو ، أي هذا القول ، يجعل من حق الرئيس التقدم بإستقالته ، مرة أخرى ، في اليوم التالي لرفض إستقالته ، من جهة . ويلغي حق الرئيس في التقدم بإستقالته بعد إنقضاء مدة الثلاثة أشهر ، حتى ولو توافرت أسباب أخرى إضافية ، أو أزدادت أو تأكدت جدية الأسباب السابقة ،من جهة أخرى . وهو مالايستقيم مع منطق العقل والقانون ، بأي حال .
وواضح أن النص الثاني يعالج حالة شغور منصب الرئيس بسبب عجز الرئيس ، عجزا دائما ، مبينا من يتولى مهام الرئاسة في حالتي الإستقالة أو العجز ، الدائم ، على النحو الوارد فيه .
ومن الأهمية بمكان إيضاح أن الإستقالة المقصودة هنا ، هي الإستقالة القائمة على أسباب ذاتية خاصة بشخص الرئيس ، أي الإستقالة الطوعية الإرادوية ، لا الإستقالة القسرية أو الإكراهية ، لأي سبب خارجي " براني " من شأنه تغيير طبيعة الإستقالة وإلغاء طابعها الإرادوي ، لتأخذ حكم الإقالة .
لذلك ، ولأن الرئيس هادي إنما قدم إستقالته مسببا إياها بالقول ( بالنظر الى المستجدات التي ظهرت منذ 21 سبتمبر 2014 على سير العملية الإنتقالية للسلطة سلميا...وحدنا أننا غير قادرين على تحقيق الهدف الذي تحملنا الكثير من المعاناة والخذلان ، وعدم مشاركتنا من قبل فرقاء العمل السياسي في تحمل المسئولية...)، فإن إستقالة الرئيس هادي ، والحال هذه ، ليست طوعية ولا إرادوية ، بل قسرية وإكراهية ، الى حد يجعلها تبدو وكأنها إقالة ناجمة عن السبب المشار إليه فيها ، وهو السبب الناجم ، كما هو معروف ، عن إجتياح جماعة الحوثي للعاصمة صنعاء وما رافقه من أعمال أدت ، بالقصد أو بالنتيجة ، الى تعطيل وإعاقة أعمال مؤسسات الدولة الدستورية ، بما فيها مؤسسة الرئاسة .
وهو الأمر الذي يتعين معه على مجلس النواب مناقشته ، وجوبا ،من مختلف جوانبه ، والتقرير ، من ثم ، أما بإدانة فعل الإجتياح المذكور وما رافقه ونتج عنه من أعمال وتداعيات وآثار ، وإتخاذ مايراه مناسبا من قرارات وإجراءات وتوصيات بخصوصه بما يمكن الرئيس هادي من ممارسة مهامه وصلاحياته الدستورية ، وأما شرعنة فعل الإجتياح ذاك ، بإعتباره يمثل " الشرعية الثورية " أو لأي سبب آخر قد يراه المجلس مبررا ومسوغا لذلك الإجتياح ، مع إعلان ذلك للشعب في الحالتين .
وأيا كان الحال ، فمن الجدير بالإشارة ، في هذا المقام ، أن القول بأن البلاد تعيش حالة فراغ دستوري نتيجة " إستقالة " الرئيس هادي هو قول يفتقر للدقة ، حال أن النص الدستوري ، سالف الإيراد ، قد بين من يتولى مهام الرئاسة نتيجة خلو منصب الرئيس إما لإستقالته أو لعجزه ، مؤقتا أو دائما ، وهو إما نائب الرئيس أو رئاسة مجلس النواب أو الحكومة ، بحسب الأحوال . مايعني أن حالة الفراغ الدستوري ، المقول بها ، لاتتوافر إلا إذا لم يوجد نائب رئيس ومجلس نواب وحكومة . والحال ليس كذلك هنا ، بالنظر الى وجود مجلس نواب ، يمارس صلاحياته التشريعية وفقا للدستور ، بقطع النظر عما قد يقال بشأنه من أقوال وأقاويل وتقولات . وذلك كله بإفتراض أن " إستقالة " هادي قد قبلت جدلا ، والأمر ليس كذلك في الواقع ، حتى الآن على الأقل .
( ملاحظة : ماقلته هنا يمثل رأيا مهنيا ، لا شأن له ، البتة ، بأرائي ومواقفي السياسية ، وإن كان لايخلو ، بطبيعة الحال ، من ثمة مراعاة لإعتبارات المصلحة الوطنية ).