الجنوب.. معاناة إنسانية في ظل ازمة اقتصادية وهروب المسئولين    قيادي في "أنصار الله" يوضح حقيقة تصريحات ترامب حول وقف إطلاق النار في اليمن    اليوم انطلاق منافسات الدوري العام لأندية الدرجة الثانية لكرة السلة    هي الثانية خلال أسبوع ..فقدان مقاتلة أمريكية "F-18" في البحر الأحمر    كيف تُسقِط باكستان مقاتلات هندية داخل العمق؟    اسعار الذهب في صنعاء وعدن الاربعاء 7 مايو/آيار2025    وزير الشباب ومحافظ ذمار يتفقدان أنشطة الدروات الصيفية    دوري أبطال أوروبا: إنتر يطيح ببرشلونة ويطير إلى النهائي    ارتفاع عدد الشهداء الصحفيين جراء العدوان الصهيوني على غزة إلى 213    عشرات القتلى والجرحى بقصف متبادل وباكستان تعلن إسقاط 5 مقاتلات هندية    الإرياني: استسلام المليشيا فرصة تاريخية يجب عدم تفويتها والمضي نحو الحسم الشامل    الكشف عن الخسائر في مطار صنعاء الدولي    النمسا.. اكتشاف مومياء محنطة بطريقة فريدة    دواء للسكري يظهر نتائج واعدة في علاج سرطان البروستات    مكون التغيير والتحرير يعمل على تفعيل لجانه في حضرموت    إقالة بن مبارك تستوجب دستوريا تشكيل حكومة جديدة    57 عام من الشطحات الثورية.    الحوثيين فرضوا أنفسهم كلاعب رئيسي يفاوض قوى كبرى    الإمارات تكتب سطر الحقيقة الأخير    تتويج فريق الأهلي ببطولة الدوري السعودي للمحترفين الإلكتروني eSPL    في الدوري السعودي:"كلاسيكو" مفترق طرق يجمع النصر والاتحاد .. والرائد "يتربص" بالهلال    بذكريات سيميوني.. رونالدو يضع بنزيما في دائرة الانتقام    وزير التعليم العالي يدشّن التطبيق المهني للدورات التدريبية لمشروع التمكين المهني في ساحل حضرموت    صرف النصف الاول من معاش شهر فبراير 2021    لماذا ارتكب نتنياهو خطيئة العُمر بإرسالِ طائراته لقصف اليمن؟ وكيف سيكون الرّد اليمنيّ الوشيك؟    طالبات هندسة بجامعة صنعاء يبتكرن آلة انتاج مذهلة ..(صورة)    بين البصر والبصيرة… مأساة وطن..!!    التكتل الوطني: القصف الإسرائيلي على اليمن انتهاك للسيادة والحوثي شريك في الخراب    بامحيمود: نؤيد المطالب المشروعة لأبناء حضرموت ونرفض أي مشاريع خارجة عن الثوابت    الرئيس المشاط: هذا ما ابلغنا به الامريكي؟ ما سيحدث ب «زيارة ترامب»!    تواصل فعاليات أسبوع المرور العربي في المحافظات المحررة لليوم الثالث    النفط يرتفع أكثر من 1 بالمائة رغم المخاوف بشأن فائض المعروض    الكهرباء أول اختبار لرئيس الوزراء الجديد وصيف عدن يصب الزيت على النار    الوزير الزعوري: الحرب تسببت في انهيار العملة وتدهور الخدمات.. والحل يبدأ بفك الارتباط الاقتصادي بين صنعاء وعدن    إنتر ميلان يحشد جماهيره ونجومه السابقين بمواجهة برشلونة    اسعار الذهب في صنعاء وعدن الثلاثاء 6 مايو/آيار2025    أكاديميي جامعات جنوب يطالبون التحالف بالضغط لصرف رواتبهم وتحسين معيشتهم    ماسك يعد المكفوفين باستعادة بصرهم خلال عام واحد!    ودافة يا بن بريك    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    انقطاع الكهرباء يتسبب بوفاة زوجين في عدن    برشلونة يواجه إنتر وسان جيرمان مع أرسنال والهدف نهائي أبطال أوروبا    رسالة من الظلام إلى رئيس الوزراء الجديد    الثقافة توقع اتفاقية تنفيذ مشروع ترميم مباني أثرية ومعالم تاريخية بصنعاء    من أسبرطة إلى صنعاء: درس لم نتعلمه بعد    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    متى نعثر على وطن لا نحلم بمغادرته؟    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    مرض الفشل الكلوي (3)    إلى متى سيظل العبر طريق الموت ؟!!    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرجل الذي أدخلني اليمن
نشر في المنتصف يوم 25 - 09 - 2015

جمع أحمد محمد المتوكل بين دماثة الدبلوماسي ولباقته، وبين حزم الضابط وصرامته، بين حكمة اليمن وبعد نظره، وبين التزام المؤمن وصلابته، فترك بين معارفه وأصدقائه أثراً طيباً جعله ذا مكانة عالية تليق بتاريخه ودوره في حياة اليمن العسكرية والدبلوماسية.
أما في لبنان، حيث أمضى أحمد محمد المتوكل، سنوات من عمره سفيراً لبلاده لدى حكومة لبنان وشعبه في آن، فيتذكره بحب وتقدير كل من عايش صموده لسنوات في زمن الحرب الأهلية في بيروت “المشطورة” إلى غربية وشرقية، بل من عايش صموده في أقسى تلك الحرب، فيما زملاء كثيرون من سفراء الدول الأخرى أثروا الابتعاد عن بيروت وأحياناً دون أن يأتي من يخلفهم، لذلك أستحق لسنوات “عميد الدبلوماسيين في لبنان”، وأحياناً “وحيدهم” حيث لم يبق غيره من الجسم الدبلوماسي في لبنان…
وأجمل ما في صمود راحلنا الكبير في لبنان، أنه كان حريصاً على التلاقي والانفتاح على كل التيارات المتصارعة في لبنان، ففي زمن القطيعة بين رئيس الجمهورية أمين الجميل، ورئيس الوزراء الدكتور سليم الحص، (1987 – 1988)، كنت تراه متنقلاً بين القصر الرئاسي في بعبدا، ومقر الرئيس الحص في منزله في عائشة بكار، فأطلق عليه اسم “السفير الجوال” تشبهاً “بالمرسوم الجوال” الذي كان يمرّر على الرئيسين والوزراء لتوقيعهما.
وحتى في زمن الحكومتين (حكومة الحص وحكومة العماد ميشال عون) بقي المتوكل على صلاته بهما، بل على لعب دور بعيد عن الأضواء في حياكة الحل السياسي للمحنة اللبنانية الذي “سمي فيما بعد بأتفاق الطائف” الذي يمكن القول أن السفير المتوكل كان أحمد الممهدين له.
لم تنحصر صلة الراحل العزيز بالرسميين اللبنانيين فقط، بل امتدت واتسعت لتشمل معظم شرائح المجتمع اللبناني من مفكرين ومثقفين وأدباء وإعلاميين ومبدعين ورجال أعمال رغم محدودية إمكانات اليمن المادية، وضعف تأثيره إلى بعض الدول الأخرى…
ولم يكن اهتمامه محصوراً بنجوم المجتمع الذين تٌسلّط عليهم الأضواء، بل كان يتوغل في عمق المجتمع ليتعرف إلى “الجنود” المجهولين فيه مدركاً أنهم الصناع الحقيقيون للحدث وإن لم يحظوا باهتمام وسائل الإعلام.
وبعد إصدارنا مجلة “المنابر” في آذار/مارس 1986، واختيارنا للصديق الكبير الدكتور عبد العزيز المقالح عضواً في هيئتها الاستشارية، اتصل بي السفير المتوكل، الذي لم أكن أعرفه بعد، طالباً اللقاء بي، فرحبت أشدّ الترحيب خصوصاً أن لليمن في ذاكرتنا القديمة والحديثة موقع متميّز، وللأصدقاء اليمنيين مكانة خاصة في عقلي وقلبي والوجدان.
في ذلك اللقاء الذي تمّ في أوائل سبتمبر/أيلول 1987، حمل لي السفير المتوكل دعوة لزيارة اليمن لحضور احتفالات اليوبيل الفضي لثورة 22 سبتمبر المجيدة (25 عاماً على إعلان الجمهورية)، فقبلتها شاكراً خصوصاً أنه “لا بدّ من صنعاء وإن طال السفر…”، وبعدها تكرّرت الزيارات، وتعددت الصداقات، وتوطدت العلاقات مع جمع من أخيار اليمن، مثقفين ومبدعين وسياسيين، حتى “ظنّ” البعض أن لي في اليمن صداقات تفوق في عددها صداقاتي وعلاقاتي في لبنان…
ولا أنسى أننا حين تلقينا دعوة من قيادة الحزب الاشتراكي في الشطر الجنوبي، سألت السفير المتوكل، فشجّع على تلك الزيارات، رغم التوترات بين حكومتي صنعاء وعدن، قائلاً نريد جسوراً بين شطري اليمن، وأنتم كوحدويين من لبنانيين وعرب، تعرفون أكثر من غيركم شرور التقسيم والانفصال…
ذهبنا يومها في مطلع عام 1988، الوزير السابق بشارة مرهج، والأخ عدنان عيتاني، في إطار وفد تجمع اللجان والروابط الشعبية ومعنا الكاتب الصديق الأستاذ محمد كشلي صاحب العلاقات القوية مع قيادات الحزب الحاكم في اليمن الجنوبي، ونقلنا للمسؤولين رغبات أمّتهم بإصلاح ذات البين بينهم وبين إخوانهم في الشمال، خصوصاً أن توتراً حدودياً كان قائماً يومها.
نقل لنا القادة في عدن عتبهم على إخوانهم في صنعاء لعدم تجاوبهم مع مبادرات أطلقوها، فقررنا التوجه إلى صنعاء لنقل الرسالة العاتبة إلى رئيس الوزراء آنذاك الشهيد عبد العزيز عبد الغني، الذي أبلغ الرئيس علي عبد الله صالح بمضمون الرسالة الشفوية التي حملناها من الرئيس حيدر أبو بكر العطاس (رئيس الوزراء في عدن)، وقادة الحزب الاشتراكي…
بعد يومين علمنا، ونحن في صنعاء أن الراحل عبد الغني توجه على رأس وفد كبير إلى عدن، حيث أعيد تطبيع العلاقات وتطويرها وصولاً إلى الإعلان عن وحدة اليمن في 21 مايو/أيار 1990.
كان فرح المتوكل ؟؟؟؟؟؟؟؟ كبير جداً، فهو وحدوي بالفطرة، وإيجابي بالسليقة، وكان فرحه كبيراً أيضاً حين علم أننا شكّلنا مع الدكتور عبد العزيز المقالح وعدد من شخصيات يمنية وعربية لجنة تحضيرية لعقد ندوة “المائة مثقف” لدعم الانتفاضة الفلسطينية الأولى (انتفاضة الحجارة التي انطلقت في 8/12/1987)، وقد حضر تلك الندوة ثلة من ابرار المثقفين والمبدعين العرب، قبل أشهر من انعقاد ندوة “الوحدة العربية” التي دعا إليها مركز دراسات الوحدة العربية بالتعاون مع جامعة صنعاء، والتي كانت أول جهد بحثي متكامل للوحدة العربية بكل جوانبها وعوائقها، والتي مهّدت لإطلاق العديد من مؤسسات العمل القومي العربي كالمؤتمر القومي العربي، ومخيمات الشباب القومي العربي، والجمعيات العربية المتخصصة.
وفي كل هذه الفاعليات كانت بصمات راحلنا العزيز واضحة، سواء لجهة التشجيع أو التسهيل أو التنبيه إلى ملاحظات تحصن المبادرة وتحميها.
لذلك حين تقاعد أحمد محمد المتوكل من السلك الدبلوماسي، تمّت دعوته لعضوية المؤتمر القومي العربي تقديراً لتاريخه القومي المشرف، ولمساهماته الجليلة في إنجاح المبادرات القومية، وكان حريصاً على أن يحضر مع صديقيه الكريمين الأستاذ عبد الحميد الحدي، والدكتور أحمد الأصبحي، كل دورات المؤتمر القومي العربي، وكل مؤتمر أو ملتقى ينعقد من أجل قضايا الأمّة، لاسيّما في فلسطين والعراق وغيرهما…
كانت بيروت التي أحبها أحمد المتوكل وأحبته، محطته في كل رحلاته من صنعاء إلى عواصم العرب والغرب، وأذكر أنني حين التقيته قبيل زيارته الطبية الأخيرة إلى ألمانيا كان يتصرف وكأنها رحلة النظرة الأخيرة إلى بيروت.
قلّة ربما تعرف بعض هذه المعلومات عن السفير المتوكل، الضابط السابق والعضو في مجلس الشورى، وشقيق الشخصية اليمنية اللامعة الراحل يحيى محمد المتوكل (رحمه الله)، فلقد كان متواضعاً، بعيداً عن الأضواء، مهتماً بالفعل أكثر من القول، وبالنسبة لي يكفيني أنه هو من أدخلني اليمن الحبيب الذي نأمل أن يخرج من المحنة المفروضة عليه عزيزاً كريماً.
* "رأي اليوم"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.