من المعروف والمُسلَّم به، أن الرئيس هادي جاءت به تسوية سياسية وقَّعت عليها أطراف الأزمة السياسية والمتمثلة بالمبادرة الخليجية.. وليس كما يزعم هادي بأنه تسلّم منصب الرئاسة بفعل العامل الثوري.. وهنا كان يتحتم على هادي أن يشعر بمسؤوليته تجاه منصبه وأن ينفذ بنود المبادرة وفقاً لما حدّد لها دون الحاجة للاجتهادات، إذا كان يريد تحقيق المشروع الوطني لكل اليمنيين.. فضلاً عن تخطّي اليمن إلى رحاب القرن الواحد والعشرين.. لاسيما وما كان سيعزز موقفه ويدعمه هو استثماره للدعم الدولي والإقليمي غير المعهود. أي أنه كان بإمكانه خلق توازُنات قوى لمراكز القوى، وعلى أن يكون هو رأس حربتها وعمودها الفِقري.. بعيداً عن أن يكون تابعاً لأي طرف. إلاّ أنه، وكما يبدو، قد تمكّن من حسم خيارات تحالفاته من خلال انحيازه الواضح لأحد الأطراف بعد أن فشل أن يكون محور استقطاب الجميع.. لكن ربما أن هادي طبقاً لما ذكَرَته بعض التحليلات قد اعتمد على مشُورات أحد الأطراف السياسية والذي أوهمه وأقنعه بأن قيادات النظام السابق والذي هو جزء منها أصبحت من الماضي.. بينما هم يمثلون الحاضر بل وكل الحاضر. كُل تلك التجاوزات التي وقع فيها هادي من حيث يدري ولا يدري، وإن كان يدري فالمصيبة أعظم مكَّنت أحد الأطراف من إخضاعه للسير وراء تحقيق أجندتهم التي كانوا يريدون تحقيقها؛ أي تشديد قبضتهم ليكونوا حُكَّاماً فعليين من تحت هادي. وتبلور ذلك من خلال تمكُّنهم من فرض مزيدٍ من الضغوطات عليه، بل وحصره في زاوية ضيقة وحجبه عن بقية الأطراف إلى أن استطاعوا أن يوجدوا الفجوة المتمثلة باستحداث خلافات بين هادي وحزبه.. وكل ذلك أثمر بجعل هادي، وتحت الضغوطات المُكثَّفة، يُسارع بإصدار حُزمة من القرارات الجمهورية تمَّ من خلالها إزاحة كل قيادات الجيش والأمن، أعقبتها عملية تحويل ونقل وشرَذَمَة كثير من الألوية العسكرية ومن دون النظر لطبيعة المؤهلات والمهارات!! وكانت النتيجة أن القوى التي كانت تعارض نظام الرئيس السابق وتعمل تحته وتسعى لإزاحته، خَدَمتها فرصة اندلاع ما سُمّي ب"ثورات الربيع العربي"، ونال لها ما كانت تحلم به، من خلال نقل السلطة سلمياً وتنصيب الرئيس هادي ليجدوا ضالتهم في الحكم من تحته. مع أنه كان بإمكان الرئيس هادي الحفاظ علي وحدة المؤسسة العسكرية والأمنية مع تغيير قياداتها من الذين يثق هو فيهم بدلاً من أن يجعل من نفسه مجرد تابعٍ وليس حاكماً توافقياً كما رسم له.. وكان من نتائج مخالفات هادي: تصاعد وتيرة تنظيم القاعدة.. انفلات أمني مريع وغير مسبوق.. تفكُّك الدولة اليمنية.. تزايد ظاهرة الاختطافات والاغتيالات والنهب والسلب... كُل ذلك من إنجازات الرئيس هادي في حل الأزمة التي حلت وفقاً لمقولة "لاغالب ولا مغلوب". والعجيب أن كل ذلك تم بالتوازي مع استغفال المواطنين وتضليلهم وحرف انتباههم من خلال تبني نقاشات في مؤتمر الحوار لاهي ضمن بنود المبادرة ولن تكون محل نقاش، أصلاً، والمتمثلة بالنقاشات التي تجري في مؤتمر الحوار الوطني، العزل السياسي، مطالب نقل الدولة كاملة.. حل القضية الجنوبية، تقسيم اليمن إلى أقاليم. والسؤال الذي يطرح نفسه، بعد كل الذي تم: هل ستتمكن تلك القوى من الاستمرار في فرض ما تراه هي وما يخدم أجندتها ولو على حساب مستقبل اليمن من خلال التمديد لهادي لمدة عامين إضافيين وسط ما تشهده الساحة اليمنية من فَلَتانٍ أمني وسياسي واقتصادي؟!