إليكَ يا حبيبي. سيدي محمد ، لقد انقضى نصف النهار و يوشك هذا اليوم أن ينصرف بذكراه الجميلة ، وأنا أحاول أن أسألني : هل أنا بخير ؟ أكرر المحاولة لألفظها ، لأحرك بها شفاهي " كل عام وأنتِ بخير.… ، ولا أفلح ، كأنني طفلٌ عاجزٌ عن لفظ أول وأحب مفردةٍ على قلبه ( ماما ).
سيدي محمد أنا لست بخير ، لست كذلك ولو لثانية ، والكذب يخشى الاقتراب مني ، ولأن الكذب أصبح قانونا هنا فما زلتُ أحاول.
منذ الصباح بل منذ الأمس وأنا أحاول أن أحتفل ، لم أفلحْ .... لا يعني هذا أنني لا أحبُّكَ… أنا فقط لا أجيد الاحتفال وحدي ، فحين حاولتُ طبع قبلة في جبين الصبح مال عني نحو الرصيف المبلل بدموع الجائعين وأقطب حاجبيه وانصرف ، وحين مددت يدي للشمس خذلتني يمينها ، وأشارت بها إلى أولئك الذي يصفقون للأكاذيب فوق الجبال ويحشون جيبوهم بالضلال ، لا أدري أكانت الشمس تعاتبني أم ماذا ؟
وحينما اقتربت من السماء لأعانقها ، أرخت ذراعيها وصوبت عينيها إلى الأرض المخنوقة ، إلى الطرقات المتضاربة ، إلى المساجد الخاوية إلا من الإجساد ، إلى المظالم المشنوقة على أعنقة المنابر، إلى الأغنيات العرجاء وهي تتكئ على رؤوس الملتحفين بردهم فوق الألوان الدبقة وتحت الكلمات المنمقة ، لا تزال محاولاتي تأخذني إليَّ لأكون بخير حتى اللحظة التي يقطعها أنين جارتي التي لم تسعفها دوائر الرغيف الصغيرة التي يُمن عليها بها منذ أن ذهبت العاصفة ، بمرتب زوجها المعلم الفاضل . كلُّ شيء مؤلم يا سيدي .
سيدي محمد لو كنت هنا لعذرتني ، وأمسكت بيدي لنرحل إلى الله ونحتفل هناك سوياً حيث السلام والحب والعدالة وألوان لا ندفع ثمنها من أمعاء الجائعين .