ما بعد الانفصال.. نظرة عن قرب (13) سقوط النظام الجمهوري في صنعاء ودخول قوات درع الجزيرة إلى حضرموت تمهيد: هذه الحلقات مجرد محاولة استشرافية لمسار الأحداث المتوقع في بلادنا في المستقبل المنظور انطلاقاً من مجموعة من المؤشرات والدلائل والشواهد التاريخية، ورغم تعدد الاحتمالات والفرضيات في هذا المسار، إلا أنني تعمدت سلوك مسار الأحداث الذي يلبي رغبة قوى الحراك حتى إن كان فيه قفز على الواقع في أحيان كثيرة، وذلك لمحاولة معرفة إلى أين سيصل بنا ذلك في نهاية المطاف هل إلى الاستقرار أم إلى الحرب الأهلية؟ أم إلى أين؟ هذا ما سنحاول معرفته.
السيناريو المحتمل لمسار الأحداث بعد الانفصال: - عادة عند قيام الدول أو حصول تغيير جذري في بنيتها ونظامها السياسي، تتشكل حكومات ائتلافية موسعة تضم معظم المكونات والقوى الرئيسة في المجتمع، ومن ثمَّ فإن الحكومة في دولة الشمال بعد الانفصال ستتكون في الغالب من المؤتمر الشعبي والتيار الإسلامي (الإصلاح والسلفيين) والتيار اليساري (الوحدوي الناصري واشتراكي الشمال والبعث) إضافة إلى الحوثيين. - في الغالب لن يعمر الائتلاف الحكومي طويلاً، وربما ينهار في بداية العام الثاني لتشكله، فالأداء الضعيف المتوقع لمثل هذا النوع من الحكومات الائتلافية بسبب عدم الانسجام بين الأعضاء وعدم القدرة على العمل بروح الفريق الواحد مع التباين في الرؤى والمواقف لمكوناته من مختلف القضايا خاصة مع الخلافات السياسية والأيديولوجية لتلك المكونات، سيثير استياء المواطنين من الائتلاف الحكومي، لكنه لن يؤدي إلى انهيار الائتلاف، وفي اعتقادي أن ما سيعجِّل بانهياره أمران رئيسان، هما: * الأول: الخلاف بشأن كيفية معالجة الأزمة الاقتصادية الخانقة المتوقع مواجهتها بعد الانفصال نتيجة العجز الهائل في الموازنة العامة التي كانت تعتمد على مبيعات نفط مأربوشبوةوحضرموت كمورد رئيس لها، ومع ذهاب ما يقارب ثلثي الإنتاج لدولة الجنوب، ولأن تغطية ذلك العجز بالبحث عن موارد بديلة كالتوجه نحو استخراج النفط من الجوف ومناطق أخرى والعمل على تنمية الموارد غير النفطية، سيستغرق سنوات عدة قبل أن يكون له نتائج ملموسة على الأرض. - في حين أن حكومة الشمال ستجد نفسها بعد أشهر من الانفصال عاجزة عن دفع رواتب الموظفين والاستمرار في تقديم خدماتها الأساسية للمواطنين (كهرباء، ماء، تعليم، صحة...)، ومن ثمَّ لن يكون أمامها من خيار سوى تقليص حجم الانفاق الحكومي وتنفيذ سلسلة من الإجراءات التقشفية الصارمة لمنع الاقتصاد من الانهيار كرفع الدعم بصورة كاملة عن أسعار المشتقات النفطية، وزيادة الضرائب والجمارك وخفض رواتب الموظفين خاصة من درجة مدير عام وما فوق وإغلاق عدد من السفارات والبعثات الديبلوماسية في الخارج وتجميد التوظيف والمنح الدراسية لعدة سنوات وغير ذلك. * الثاني: خلاف المكونات حول طريقة التعامل مع دولة الجنوب خاصة فيما يتعلق بالتطورات في قضيتين رئيسيتين، هما: 1- قضية الملفات العالقة مع الجنوب وبقاؤها من دون حل (ديون، تعويضات، عدم ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب، عدم إحراز أي تقدم في مطالب الشمال بضم الصبيحة وشبوة إليه والتحكم الكامل في باب المندب، بالإضافة إلى تراجع نظام الجنوب عن تعهداته بمنح أبناء حضرموتوعدن حق تقرير المصير بعد خمس سنوات من قيام دولة الجنوب)، وعلى الأرجح سيحاول نظام الجنوب بعد الانفصال التملص من تلك الاستحقاقات تارة عبر المطالبة بتأجيل موعد عقد المفاوضات الثنائية مع الشمال تحت مبررات واهية، وتارة أخرى عبر خفض مستوى تمثيل وفده في المفاوضات، وثالثة عبر تفجير خلافات ثانوية لإفشال جولة المفاوضات، وكل ذلك سيولد قناعة لدى قوى شمالية بعدم جدوى مواصلة المفاوضات مع الجنوب. 2-السياسة العدائية التي ينتهجها النظام في الجنوب ضد الشمال سواءً عبر استمرار دعمه للقوى المعارضة للنظام في صنعاء (الحراك التهامي، الحراك الانفصالي في البيضاء، وجماعات تخريبية في المناطق الحدودية وبالذات في المناطق الوسطى) إضافة إلى العلاقة الوطيدة والتنسيق المستمر مع جماعة الحوثي، أو باستهدافه للتيار الوحدوي في الجنوب ولقيادات وكوادر الأحزاب الجنوبية التي كان لها ارتباط بصنعاء وكذا محاولاته قمع الجماعات المطالبة بدولتي حضرموتوعدن، وتحريض المجتمع الدولي ضد الشمال من خلال اتهاماته المتكررة لصنعاء بدعم الجماعات الإرهابية في الجنوب، والانعكاسات السلبية لكل ذلك على الشمال خاصة في مجالي الأمن والاقتصاد. سيتسبب الخلاف بين مكونات الائتلاف الحكومي من القضايا السابقة، في تفجُّر أزمة سياسية كبيرة داخله، حيث ستبدي بعض المكونات رفضاً لأي تصعيد عسكري مع الجنوب، كما ستحاول قوى أخرى عرقلة التوجه لتنفيذ إجراءات التقشف الاقتصادي خشية منها من ردة فعل المواطنين، وما قد يلحقه ذلك من ضرر على شعبيتها في الشارع، بل إن بعضها سيحاول إبراز معارضته لتلك الإجراءات لكسب مزيد من الأنصار، وكل ذلك سيتسبب في انشغال القوى بالأزمة السياسية في حين ستكون الحكومة عاجزة عن فعل أي شيء لوقف التدهور الاقتصادي لدرجة بات معها النظام مهدداً بالانهيار. - للحيلولة دون انهيار البلد، ستضطر بعض مكونات الائتلاف لتجاوز خلافاتها السياسية وإعلان موقف داعم للحكومة في خطتها التقشفية، لكن موجة الرفض الشعبي الشديدة لتلك الإجراءات ولجوء الأجهزة الأمنية لاستخدام القوة المفرطة بحق المحتجين واعتقال المئات منهم وإغلاق العديد من الصحف ووسائل الإعلام، ومحاولة البعض التنصل من مسئولية ذلك، سيؤدي إلى انسحاب عدد من المكونات السياسية من الحكومة. - سيتسبب ذلك في تفاقم الأزمة واشتعال الوضع الداخلي، وسيتصدر التيار المتشدد ضد الجنوب الحراك الشعبي وسيرتفع سقف مطالب الشارع من إسقاط الحكومة ووقف تنفيذ الجرعة الاقتصادية إلى المطالبة بإسقاط النظام مع تحميل الرئيس وكبار القيادات مسئولية الأزمة الاقتصادية والانهيار الذي وصلت إليه البلاد، واتهام قيادة النظام ببيع الجنوب والقبول بانفصاله رغم تزوير الحراك نتائج استفتاء تقرير المصير مقابل ضمان مصالحهم ومن أجل البقاء في الحكم، وكل ذلك سيؤدي إلى تنحي الرئيس عن منصبه مع كبار قيادات النظام، ووصول قيادة معادية لنظام الجنوب إلى السلطة في الشمال. - لن يجد النظام الجديد من خيار أمامه سوى تنفيذ جزء من خطة التقشف التي كانت بدأتها الحكومة الائتلافية لمواجهة الأزمة الاقتصادية، لكنه سينتهج سياسة تصعيدية ضد الجنوب بهدف تشتيت الأنظار عن الأزمة الاقتصادية ومحاولة توحيد الجبهة الداخلية خلفه ضد العدو الخارجي (نظام الجنوب)، لذا سينتهج خطاباً إعلامياً تحريضياً ضد نظام الجنوب، وسيدعم تشكيل مليشيات مسلحة في أوساط النازحين من الجنوب في المناطق الحدودية من أعضاء الحزب الاشتراكي والأحزاب الأخرى الفارين من قمع نظام الجنوب إلى الشمال. كما سيعمل وبدعم من السعودية على تقديم الأسلحة الحديثة ومختلف أنواع الدعم للجان الشعبية في أبين و لباعوم وتحالف قبائل حضرموت، وسيبذل جهوداً لتشكيل جناح مسلح لتيار عدن للعدنيين. - نتيجة لهذه السياسة، سترتفع وتيرة الهجمات وحرب العصابات من قبل اللجان الشعبية في أبين والخلايا المسلحة المشكلة من نازحين جنوبيين في الشمال لشن هجمات على أهداف أمنية ومواقع عسكرية في الجنوب، إضافة إلى هجمات انتحارية في عدن والمدن الأخرى، إلى جانب حشد الشمال لقواته على الحدود مع الجنوب، ومع تعدد الجبهات والقلق من فقدان السيطرة سيضطر البيض للاستعانة بمسلحين من الحرس الثوري الإيراني ومن حزب الله وجيش المهدي وكتائب أبو الفضل العباس العراقية، والتي سترتكب مجازر مروعة في بعض المناطق الجنوبية وبالذات في أبينوشبوة لإخماد المعارضين، كما سيتم تصفية واعتقال المئات من أبناء عدن من ذوي الأصول الشمالية والحضرمية لدعمهم التيار المطالب بدولة عدن. - فتح البيض الجنوب بما فيه حضرموت أمام حركة تشيع نشطة واستعانته بالميليشيات الشيعة المسلحة، ستكون القشة التي ستقصم ظهر العلاقة بين البيض وباعوم ومن خلفه تحالف القبائل، الذين سيتصدون لأي محاولات لبناء عدد من الحسينيات والمراكز الثقافية الشيعية في حضرموت، ومن غير المستبعد أن تشهد حضرموت عمليات انتقامية محدودة ضد الحضارمة من أصول يافعية رداً على استهداف أبناء عدن من أصول حضرمية من قبل أجهزة البيض الأمنية. - في الغالب ستشهد الأزمة بين البيض وباعوم تصعيداً سريعاً وذلك بوقوع بعض الاشتباكات والمواجهات بين تحالف القبائل وأنصار باعوم من جهة والوحدات العسكرية الموالية للبيض في حضرموت من جهة أخرى، كما سيلجأ البيض إلى محاولة التخلص من أبرز مشائخ تحالف القبائل عبر تصفيتهم جسدياً، ونظراً لاطمئنان البيض من تمكن الأجهزة الأمنية وبمساعدة الميليشيات الشيعية من السيطرة على الوضع في عدنوأبين، ما يجعله يتوجه بعدد من ألوية الجيش نحو حضرموت بهدف استعادتها من قبضة باعوم خاصة مع اعتقاده بسهولة وسرعة حسم المعركة لصالحه مع التفاوت الكبير في إمكانات وقدرات جيشه مع إمكانات خصومه. - تلك التطورات ستدفع السعودية، وبدعم من دول خليجية، للتحرك سريعاً واتخاذ قرار بإرسال قوات درع الجزيرة إلى حضرموت للحيلولة دون سقوطها في يد القوات الموالية لإيران، وللحد من الخسائر في صفوف قوات درع الجزيرة ستقوم السعودية ب: * إعطاء الضوء الأخضر لقوات الشمال للدخول إلى شبوة أو جزء منها لضمها إلى أراضيه ومن ثم تشكيل ما يشبه حائط صد يحول دون وصول قوات الجنوب إلى حضرموت والاشتباك مع قوات درع الجزيرة مع تقديمها الدعم اللوجيستي لقوات الشمال لتعزيز قدراتها لمواجهة قوات البيض والمليشيات الشيعية. * تسهيل السعودية بالتنسيق مع الشمال لدخول آلاف من العناصر الجهادية عبر البيضاء إلى أبين للانضمام إلى اللجان الشعبية والجماعات الجهادية الأخرى للمشاركة في حرب العصابات ضد جيش البيض والميليشيات الشيعية الموالية له. * مع ارتفاع وتيرة المواجهات المذهبية في أبين والقلق الدولي من سيطرة الجماعات التكفيرية على باب المندب سيتم الدفع بالميليشيات المسلحة المدعومة من الشمال ومن السعودية التابعة للاشتراكيين وغيرهم من النازحين للسيطرة على باب المندب ومديرية الصبيحة بالكامل، في حين ستكون قوات بريطانية مستعدة قرب سواحل عدن لدخول المدينة في حال انهار نظام البيض بهدف توفير الحماية لعدن والحيلولة دون سقوطها في الفوضى أو في قبضة الجماعات الإرهابية. - في هذه الأثناء ومع تركيز نظام صنعاء أنظاره وقواته صوب الجنوب، من المتوقع استغلال جماعة الحوثي لذلك، خاصة بعد انسحابها من الائتلاف الحكومي الموسع وتوتر علاقتها مع النظام الجديد جراء تأييدها للانفصال، وذلك بمحاولة إسقاط صنعاء في يدها ولتخفيف الضغط على قوات البيض وبصورة تذكرنا بمحاولة بدر الدين الحوثي تفجير حرب في مران بصعدة خلال حرب صيف 1994م وكان إفشال الدولة لتلك المحاولة سبباً في مغادرته اليمن مع نجله حسين إلى إيران. - رغم صعوبة سقوط العاصمة في يد الحوثي، إلا أنه لم يعد أمراً مستبعداً أو خيالياً كما كان عليه الحال قبل سنوات، خاصة بعد تجاوز الجماعة لعقبة حاشد بعد إبرامها لعدد من الاتفاقات عقب انتصارها على أولاد الأحمر، وهى اتفاقات تمكنها من التقدم صوب العاصمة بمختلف الأسلحة التي تملكها دون أي تدخل من قبائل حاشد، إضافة إلى توغل الجماعة في معظم القبائل المحيطة بصنعاء، ما يجعل صنعاء عملياً محاطة بطوق قبلي حوثي، وكذا وجود مئات من الخلايا المسلحة التابعة للحوثي في معظم مناطق وحارات العاصمة. - وكل ذلك زاد من ثقة بعض الشخصيات الموالية للحوثي في إمكانية إسقاط صنعاء كمراسل قناة "العالم" الإيرانية، الذي أكد قبل فترة مقدرة الحوثي على إسقاط صنعاء في يده في غضون أسبوع، لكن ذلك لن يكون بالأمر السهل مطلقاً، فليس خافياً أنه في كل منطقة من مناطق صنعاء يتواجد فيها الحوثيون ويخزنون فيها الأسلحة يتواجد بالقرب منهم خلايا تابعة لحزب الإصلاح مستعدة للاشتباك معهم، ما يؤشر إلى أن صنعاء ستشهد حرباً مذهبية دامية قبل سقوطها في يد الحوثي، وعلى الأرجح سيعمد الحوثي لفرض حصار خانق على صنعاء لعدة أسابيع، في حين ستتكفل الميليشيات المسلحة الموالية له في ذمار وإب وسنحان في قطع الطريق وعرقلة تقدم ألوية الجيش المتمركزة في تعز لفك الحصار عن صنعاء. - في الغالب سيتوصل الحوثي مع قادة النظام لاتفاق يقضي بالسماح لهم وقوات الحماية الرئاسية وقوات الأمن المتمركزة في العاصمة من مغادرتها صوب تعز، التي ستتحول إلى عاصمة للنظام الجمهوري بعد سقوط صنعاء، لكن الحوثي لن يدخل العاصمة مباشرة، بل سيعطي الضوء الأخضر للقبائل والميليشيات التابعة له لدخولها ونهبها وإشاعة الفوضى فيها لعدة أسابيع، بصورة تكون الفوضى الحاصلة بمثابة غطاء لتحرك مجموعات حوثية مسلحة متخصصة في عمليات الاغتيال لتصفية مجموعة كبيرة من مسئولي النظام السابق التي كانت في السلطة خلال شن النظام حروبه الست في صعدة، كما سيتم تصفية جميع الطيارين الذين شاركوا في قصف صعدة في تلك الحروب، وكذا تصفية عدد من الشخصيات اللامعة من الأسر الهاشمية العريقة التي تمثل في نظر الحوثي منافساً شرعياً له في ادعاءات الإمامة والحكم . - بعد ذلك ستدخل قوات الحوثي إلى صنعاء، ورغم ما يُقال عن دعم الرئيس السابق للحوثي، إلا أن ذلك لن يحول دون توجه الحوثي للاقتصاص منه ومن أقاربه والمقربين منهم على قتل أخيه حسين، فالشيعة معروفون بسعيهم للانتقام مهما طال الزمن، فهم إلى اليوم لم ينسوا محاربة الصحابي معاوية للإمام علي، كرم الله وجهه، ولعل مطالبة الرئيس السابق في تعليقه على سقوط العصيمات في يد الحوثي إخباره عندما يصل الحوثي إلى الحصبة لكي ينتبه على رأسه، يكشف عن إدراكه لهذه الحقيقة.
- يرجح خلال أشهر بسيطة من سقوط صنعاء إيعاز الحوثي لمنظمات وهيئات حقوقية مدعومة منه لرفع قضية ضد الرئيس السابق وعدد من أقاربه وشخصيات بارزة أعلنت ولاءها للحوثي منذ فترة، وذلك لدورها في مقتل مؤسس الجماعة حسين بدر الدين الحوثي، ومن ثم سيتم على خلفية هذه القضية إعدام عدد كبير من هؤلاء وتعليق الجثث في باب اليمن لعدة أيام. - سعي الحوثي للتخلص من رموز النظام السابق رغم دعمهم له في معركته مع الإصلاح، راجع، على الأرجح، لإدراكه أن المؤتمر الشعبي سيكون العقبة الأخيرة التي تحول دون إعادة الإمامة أو إقامة نظام ولاية الفقيه في اليمن بعد تجاوزه لعقبة حاشد والإخوان المسلمين. ...يتبع * المصدر: صحيفة "المنتصف" * عبدالعزيز ظافر معياد, كاتب وباحث سياسي يمني [email protected]