جميل أن تستفيد بعض الأحزاب من التجارب الماضية وتتعلم منها المزيد من المهارات السياسية..لكن ما أفضع أن تصب المعرفة الجديدة في تنمية مهارات الاحتيال السياسي في زمن كل من فيه يتطلع للعمل الشريف والنية الصادقة والمخلصة. ربما كانت الانتقادات الشديدة والحادة التي تم توجيهها للخطاب الإعلامي للإصلاح محفزا كافيا لقيادة التجمع اليمني للإصلاح لأيلاء عناية خاصة للجانب الإعلامي والبحث بجدية عن وسائل مغايرة تتفادى من خلالها المزيد من النقد اللاذع والسخط الجماهيري.. وبما أن الحياد عن النهج السابق يعد ضربا من المستحيل في استراتيجية العمل السياسي للتجمع - إذن – لم يكن من سبيل إلاّ البحث عن كبش الفداء الذي يحمل عن الإصلاح وزر وتبعيات الاستياء العام الذي كان يلازمه كما ظله، ويضعف من شعبيته بين الأوساط الواعية والمثقفة القادرة على التمييز بين ما يمكن اعتباره خطابا سياسيا وطنيا وبين مالا تراه سوى فوضى إعلامية لا تنتمي لمفاهيم العمل الديمقراطي بأية صلة. وعلى ما يبدو أن التجمع اليمني للإصلاح وجد في أحزاب اللقاء المشترك المواصفات الكاملة للضحية التي يبحث عنها، فصار يجعل منها أبواقه الإعلامية التي تردد نفخاته المسمومة وتترجم أحقاده وادعاءاته المزيفة .فبدلا من أن تحمل ( الصحوة نت) آرائها وأفكار زعمائها السياسيين من قادة حزب الإصلاح، ألبست جلبابها الخطابي الشهير لرموز الحزب الاشتراكي والحزب الوحدوي الناصري وتنصل الاصلاحيون بالكامل من مهمة الرد على تصريحات الأخ عبد القادر باجمال رئيس الوزراء في عددها الصادر يوم الخميس الماضي 3/7، كما لو أنهم يقولون للرأي العام نحن براء مما نشر براءة الذئب من دم ابن يعقوب. وفي الحقيقة، كان ذلك الأسلوب ألاحترافي من الاحتيال السياسي أمرا سبق لنا أن ناقشناه وحذرنا أحزاب اللقاء المشترك من الخديعة التي يحيكها التجمع اليمني للإصلاح لجر هذه الأحزاب إلى نفس المستنقع الموحل الذي تتقوقع فيه سياسة الإصلاح والذي تسبب في انهياره الشعبي في ساحة العمل الوطني..لكن الغريب حقا في الأمر الحاصل بالنسبة لبقية أحزاب اللقاء أنها لم تعر ذلك أية أهمية وانغمست في حالة أقرب إلى التنويم المغناطيسي الذي يردد فيه الضحية مايو حيه إليه الشخص المنوّم أو (المشعوذ)، لذلك وجدنا ( العتواني) و (القباطي) و (الصراري) يرددون كلاما معسولا ونابيا كما لو أنهم يقرأ ون خطابا للإصلاح. ففي الوقت الذي يستاء فيه ( سلطان العتواني) من تصريحات الأخ رئيس الوزراء بخصوص تجارب بعض أحزاب المعارضة في الحكم – وهو يعلم تماما من المقصود بالقول – ذهب إلى القول ( أنها تعرف معنى الدولة أكثر مما تعرف حكومة باجمال وحزبه الحاكم ) وبغض النظر عن الهستريا التي يدافع بها العتواني عن أولياء أمر حزبه الجدد – لاشك وأن يكون ذلك المنطق الانفعالي هو دليل قاطع على مدى تخلف العمل السياسي للعديد ممن يدعي الثقافة السياسية والأخلاق الديمقراطية فيعمد إلى تجاهل الآخر كاملا والتنكر لكل ما قدمه للوطن من مكاسب وحدوية وديمقراطية وتنموية..وربما سنلتمس العذر للأخ العتواني إذا كان ما يزال يعيش الحالة الانفصالية والوضع التبعي ..أو يعتبر المؤسسات الإعلامية الحرة التي يلقي بتصريحاته من منابرها هي ليس من صيغ تشكيل الدول ولا تمثل عنوانا لسياسة نظامها. ومن وجهة نظري – أنا اختلف مع العتواني في أنه يعرف معنى الدولة أو أن ( المعارضة معافاة وبصحة جيدة ) لأن الدولة مجموعة نظم ومؤسسات، ولو كان العتواني يؤمن بالمؤسسات لوجدنا لحزبه نشاطا مؤسسيا مؤ طرا بمفاهيم ثقافية أو اجتماعية أو اقتصادية تستقطب الجماهير التي يتباكى عليها وتساعدها على النهوض بنفسها وإرادتها وإمكانياتها.. لكن غياب كل ذلك والاقتصار على مقر حزبي وصحيفة هو مؤشر قوي على جهل هذا اللون من المعارضة بمهامها ومسئولياتها تجاه المواطن والوطن. .ومن الأولى مراجعة أدبيات الزعيم الراحل عبد الناصر للوقوف على حقيقة الدور الذي لعبه في بناء الدولة عن طريق تعزيز البناء المؤسسي فيها، وليس الجلوس على الكرسي وإلقاء الخطابات الإعلامية الحماسية التي تشتم هذا وتسلب ذاك حقه التاريخي ، وتتنكر لكل ماهو قائم إشباعا لرغبات الآخرين وانسياقا في ركبهم وتيارهم الآسن . حقيقة كانت مفاجأة كبيرة أن يستطيع التجمع اليمني للإصلاح خلال فترة قصيرة جدا – قياسا لخبرة الناصريين – أن يستقطب منهم أبواقا مدوية لحزبه ومصالحه..ويجعل منهم أدواته المباشرة لنقل الأضواء التي كانت مسلطة على خطابه الإعلامي ونهجه السياسي إلى ساحة التنظيم الوحدوي الناصري، ولا أخفي رأيا – أن لعبة قيادة التجمع اليمني للإصلاح في ( المشترك ) لم تستهدف حزب بعينه، وأنما ركزت على الجميع ، وكرست كل جهدها لمواراتهم عن الساحة الجماهيرية تحت جلبابها الفضفاض ..ولو حاولت قيادات تلك الأحزاب مراجعة حساباتها بدقة ولو لمرة واحدة لتجلت لها حقيقة تأثير الإصلاح على وجودها السياسي وكيف ان أرصدتها الجماهيرية في ساحة العمل الوطني أخذت بالتراجع والانحسار مذ أن أعلنت انضوائها ضمن استراتيجية معارضة موحدة تفتقر الى معادلة موازنة حقيقية ومخلصة بين أطراف اللقاء المشترك . التجمع اليمني للإصلاح حرص أيضا على تنويع ضحاياه وأبواقه أملا في تشتيت الأضواء الإعلامية المسلطة على ممارساته على أوسع رقعة جغرافية، فعمدت الصحوة نت إلى زج الحزب الاشتراكي في اللعبة السياسية من خلال ماتم نقله من تصريحات للدكتور محمد صالح القباطي – أحد النواب الاشتراكيين، وكذلك بإشراك عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي علي الصراري.. رغم أنهما – على ما يبدو – ربما أدركا حقيقة النية المبيتة للصحوة نت من تلك المقابلة، وتحاشيا اللعب بجميع اوراقهما السياسية على نفس المنوال الذي وقع بمحضوره النائب سلطان العتواني. خلاصة القول – أن التجمع اليمني للإصلاح مازال يراهن على الفتن والبلبلة ويسعى جاهدا هذه الأيام إلى جر بلادنا وأبناء شعبنا إلى أزمات سياسية وقلاقل وتوترات بين القوى السياسية الوطنية المختلفة من خلال جر الآخرين إلى تقولات وتصريحات غير مسئولة، من شأنها شحن الساحة السياسية وزعزعة وحدة الصف الوطني .. وهو الأمر الذي يلقي على الجميع مسئولية الحذر الشديد من الانزلاق إلى منحدرات المتطرفين وكهوف الإرهابيين الذين سيسعدهم كثيرا أن تتساوى جميع القوى الوطنية بتهمة الإرهاب والتطرف وتصبح الفتن والقلاقل هي الزاد اليومي لوطننا الحبيب..