هذه دعوة مفتوحة إلى الجميع للمساهمة في حملتنا ضد الرقابة على معرض الكتاب الدولي في الكويت.. فلنشعل شمعة بدلا من لعن الظلام. نستقبل مساهماتكم على هذا الإيميل: [email protected] أن يكون جمال الغيطاني مثلاً في قائمة الممنوعة كتبهم في معرض من معارض الكتاب العربية، فذاك مؤشر على خلل ما في تصور الرقيب الذي يمارس سلطة مطلقة، وهو أدنى وظيفة وإبداعاً من جمال الغيطاني!. لعل للرقيب مسوغاته الأيديولوجية أو السياسية أو القانونية، لكن تلك المسوغات، إن وجدت، فهي متهافتة أمام مبدأ الحرية، حرية المؤلف، وحرية المتلقي، تلك الحرية التي تتضاءل مساحتها في كثير من أقطارنا العربية بكل أسف وأسى. سئلت مؤخراً عن مدى دور الكاتب في نشر الوعي في المجتمع، ولما تأملت السؤال، وحاولت رؤية تضاريس الإجابة، تفجرت بين يديّ تساؤلات شتى، حتى بدا لي أن الإجابة عن ذلك التساؤل تكشف عن حالة بائسة، لأن دور الكاتب الحقيقي يتراجع في حين يتقدم آخر ليس هو الروائي ولا القاص ولا المسرحي ولا المفكر ولا الصحافي، وإنما هو آخر ذو فاعلية أقوى، يمتلك الإجابات الجاهزة، وله سلطتان مرئية وغير مرئية، في حين أن الكاتب الذي يقصده السؤال يشيع في فضاء المتلقي تساؤلات القلق، ويهز اليقين، ويشحذ الذهن، ويشبّ جمرات الفكر، ويلتزم جماليات الكتابة التي تأصلت عبر تاريخ الإبداع بمختلف تجلياته. وهنا تكمن لحظة فارقة بين الكاتب ومن يكتب لهم، حيث لا لغة مشتركة بينهما، ويتدخل الرقيب ليؤكد فاعلية الإقصاء الفكري المعلن. وتلك حالة (ولا أريد أن أقول ظاهرة) عربية بامتياز، وتختلف تجلياتها من قطر عربي إلى آخر. لكنها دالة على تراجع مخيف في معدل الحريات العامة والفكرية تحديداً، وهو تراجع يبدو كاريكاتيرياً، إذ ما معنى منع كتاب يعلم المانع علم اليقين أنه متاح إلكترونياً، بالتحميل أو بالتصفح، أو بالكتابة عنه، في وسائط تقنية حديثة تلاشت أمامها حواجز العصور المظلمة؟. وفي المقابل، أليس من المفارقات أن تروج في معارض الكتاب العربية كتب الطبخ والسحر والشعوذة، في حين يتم التضييق على الكتب الفكرية والأدبية؟ ما رسالة المعرض إذاً، إن كان هامش الحرية فيه يضيق ذرعاً بالاختلاف في الرأي والموقف والاتجاه؟.. هل المراد هو تدجين المتلقي، والحكم عليه بقصور الوعي والإدراك، وهو عادة متلق مثقف أو متعلم وليس أمياً، في أدنى درجات التصور؟ غير أن قراءة فكرة المنع هذه، توقفنا على حقيقة المشهد الراهن، الذي عنوانه الرئيس: التراجع، والتضاؤل، والتلاشي، وهو عنوان ينفتح على متن مخيف، تنتفي فيه مفاهيم طالما اجتهد المستنيرون ساسة ومثقفين في ترسيخ تقاليدها، وتأصيلها في ثقافة الفرد والمجتمع. إن المنع في زمن الفضاء المفتوح، والعالم القرية، ليس إلا دليلا على وقوف الرقيب المانع خارج العصر، وتمترسه الكاريكاتيري إزاء ممارسة سلطة يغتصبها، حيث لا سلطة على الكاتب إلا ضميره، وتلك لو التقى المختلفون حولها على طاولة واحدة يديرون عليها حوارا راقيا، خلفيته أدب الاختلاف وثقافته، وعنوانه: الحوار استراتيجية، لكان كل معرض عربي للكتاب منبراً لتأصيل قيم نراها تنسلّ الآن من بين أيدينا وعقولنا ويتلاشى معها صوت العقل والفكر المستنير، أمام دعاة الصوت الواحد الصاخب الذي لا يسمع - إذا سمع - إلا نفسه، ولا يرى أحداً سواه، إذا رأى!.