ستكون الوحدة اليمنية هي الغائب الأبرز عن احتفالات عيد الوحدة العشرين الذي ستشهده محافظة تعز المنكسرة السبت القادم. . وغياب الوحدة اليمنية عن حضور احتفالات عيد ميلادها العشرين له ما يبرره، فالوحدة التي ستبلغ العشرين عاماً بعد 3 أيام تعاني من سرطان في الجسد يهدد بتر أجزاء من أعضائها، وتعاني من خلل في وظائف الدماغ يوضحه الممارسة السياسية لقادتها، وتعاني من اضطراب في السلوك يتمثل في تصرفات أبنائها، وربما تعاني من اضطراب في جهاز الهضمي ويتبين من عدم قدرتها على استيعاب وهضم كافة أبنائها بكل شرائحهم الاجتماعية وألوانهم السياسية. فتاة في العشرين من العمر بهذا التشخيص المفزع لا يمكنها أن تحضر حفلة عيد ميلادها مهما بلغت المسكنات، وتفنن أطباء التجميل في ترميم وجهها، لأن صُفرة الموت أقوى من كل المساحيق. باستثناء السلطة فإن كل المشخصين لجسد الوحدة يرون أن سرطان الفساد أكل بشراهة أطرافها الجنوبية، فمنذ خروج ما عُرف ب(قوات الردة والانفصال) وهزيمتهم في 7-7-1994م والتعامل يجري مع الجنوب باعتباره غنيمة حرب، بكل محتوياته، اعتقاداً من النظام أن الجنوب كان ملكاً للحزب الاشتراكي، وبالتالي فالأخير مهزوم، منكسر وجريح، ولا يقوى على فعل شيء، وسيحضر الشركاء في النصر لتقاسم الغنائم داخل الجنوب، عٌقر الحزب الاشتراكي، فتم تقاسم مساحات لا حدود من أراضي الجنوب، وتم نهب مزارع شاسعة تحولت إلى ملكية عائلية، وملكية قادة عسكريين، ونافذين، ومشائخ قبائل، نزلوا من قمم الجبال، ليتحولوا إلى كبار ملاك على شواطئ عدن وأبين، حتى العقارات تم التعامل معها بنفس العقلية، ونهبت جميع ممتلكات ومؤسسات الدولة وتحولت إلى ملكية أفراد، ومقرات الحزب الاشتراكي وعقاراته نهبت من قبل أفراد، ومرة بتحويلها إلى مقرات حكومية، كما حدث مع مبنى الإدارة العامة لجامعة عدن الذي هو في الأساس ملكاً للحزب الاشتراكي، سرطان الفساد الذي ابتلع الأراضي الزراعية والعقارية، اتسع نشاطه ليطرد الناس من وظائفهم وإقصاءهم، وتحويلهم إلى جماعات عاجزة عن العمل، مجرد (متقاعدون) لا يقدرون على فعل شيء.. وبعد أن أعيتهم الحيلة في استرداد حقهم المشروع لوحوا بعصا القوة والعنف والانفصال، ووجدت الدولة أن حملات الاعتقالات تزيد النار اشتعالاً، فتراجعت عن جنون بطشها وأعادت الناس إلى وظائفهم، وصرفت كافة مستحقاتهم المادية. وبقيت مشكلة الأراضي عالقة تهدد جسد الوحدة بالبتر، وزادت خطورتها وأضرمت نارها، كلما أوغلت السلطة في عنادها، واعتبارها الأراضي المنهوبة ليست ملكاًَ لأفراد، وإنما أوقاف خاصة بالدولة، وكأن هذا التبرير يجعل الأراضي المشاعة حلالاً لا لبس فيه لجيش النهابة دون غيرهم.. وما لم يتم الاعتراف بحقوق الناس، وتعود الأراضي إلى ملاكها فإن لصبر الناس زمن محدود، وكل تصرف خارج هذا الصبر له ما يبرره. أما خللها الدماغي فذاك ما تبينه السلوكيات الرسمية لقادة الدولة، من تمثل لشكل الديمقراطية، وترحيب بالعمل السلمي، وامتلاء السجون بالمعتقلين السياسيين، وقمع حرية الصحافة وجرجرة الصحفيين في المحاكم، وتُطلق من صنعاء الدعوة للمستثمرين، وتُطلق من صعدة شرارة الحرب، وإطلاق الضوء الأخضر للنهابة باستباحة أراضي تهامة والجنوب. وتُطلق الدعوة للحوار مع الأحزاب السياسية، ودعوتها أيضاً لإقناع حلفائها من "العناصر التخريبية" في الجنوب بالعدول عن العمل المسلح، وكأن أحزاب المعارضة ليست أكثر من عصا بوليسية، أو كأنها من يتحكم بالجهاز الأمني والقوات المسلحة.. والأغرب من ذلك مطالبتها بإلزام الحوثيين بالنقاط الست، وكأنهم طرف في الصراع، أو هم أصحاب قرار الحرب والسلم. ويتمثل اضطراب أبنائها، في اهتزاز يقينياتهم بالدولة، فلا أحد يشعر بهيبة الدولة، ولا بحضورها في طول البلاد وعرضها، فالنهابة لهم قوانينهم إن لم يستقوا على الضعفاء بأجهزة الدولة، وللتجار دولتهم في تحديد الأسعار كما يشاءون، وخاصة أسعار العملات الصعبة التي جعلت العملة المحلية مجرد ممسحة بيدهم، وخرقة بالية تتقاذفها الأيدي، وللمسئولين سلطتهم كل له دولته في المؤسسة التي يتولاها، يعبث كيف يشاء إدارياً، وظيفياً، مالياً، لاحسيب ولا رقيب.. ولا أحد يسأل: ماذا فعلت ؟!. الطقم العسكري الذي يحاصر بيت الضعيف بكل عتاده يمكن صرفه ب(10.000) ريال، ولتجار الحروب والسلاح مكانتهم وسلطتهم، وارتفاع معدلات البطالة والتضخم وتزايد حالات الفساد، أنشى جيل لا يعرف من الدولة غير أسمها. وقلت: وربما تعاني دولة الوحدة من اضطراب في جهازها الهضمي وتمثل في عجزها عن هضم واستيعاب كل أبنائها، فالجنوبيون يشعرون بإقصائهم وأن التعامل معهم من خلال الطرف المنهزم في 1986م، والشريك في نصر 1994م – بحسب تعبير الأستاذ حسن العديني – ولد لديهم قناعات بعدم جدية الدولة في التعامل معهم كشركاء في القرار، وليس مجرد موظفين، بحسب رأي السياسي الكبير محمد سالم باسندوه. وأبناء تهامة دائما يشعرون أنهم مواطنون من الدرجة الثالثة، وليسوا أكثر من حُراس مزارع عند من نهبوا أراضيهم، وإذا ما حاولوا تدريب أفواههم على الحديث يُضربون ولو كانوا أعضاء برلمان، (نموذج ضرب شردة لأهيف داخل البرلمان). ونشأ جيل الوحدة بكامل عاهاته، يرى مستقبله في نفق مظلم، وظيفته مصادرة، أراضي آباءه منهوبة، رأيه مرفوض مالم يكن تصفيقاً، بدلاًَ من أن ينشأ جيل معافى من أمراض التشطير، وذكريات الحروب، وصداقات الأخوة الأعداء. لا أدري كيف اجترني الجنوب إليه.. وأنا من عزمت على الكتابة عن تعز المنكسرة بإرادة عليا، هل حباً في الجنوب ذهبت إليه؟! - نعم. - وهل كانت تعز نموذجاً مصغراً لجسد الوحدة المتآكل، المنهك ؟! - ربما. قبل ثلاثة أسابيع كنت في تعز التي لم أزرها منذ 5 سنوات، تجولت في شوارعها لمدة ثلاث ساعات فقط، وجدت فيها ما يدمي القلب والروح، ما ينكأ الذاكرة، ويصيب الضمير بالغبن والحزن، الإرادة العليا للدولة ترفض أن تخصص لمحافظة تعز أي مبلغ مهما كان تافهاً، من أجل ترميم وجهها أسوة ببقية المحافظات التي تحصل على عشرات المليارات عند احتضانها للأعياد الوطنية، رغم أن رئيس الجمهورية أعلن من محافظة إب عن احتضان تعز لعيد الوحدة قبل أربع سنوات. منذ قيام ثورة سبتمبر وتعز تبتلي بمحافظين من خارج أرضها، ومن غير أبنائها، حتى لا تكون تعز في صدارة اهتماماتهم، ومنذ جاء الرئيس صالح للرئاسة قادماً من قيادة لواء تعز، والمحافظة تستقبل الغرباء، الخبثاء، محافظين عليها وليس لها، فكان الابتلاء العظيم بمحسن اليوسفي لأكثر من 10 سنوات، وخلفه الابتلاء الأعظم أحمد الحجري لأكثر من 14 سنة، ثم تنفس الناس وشعروا بعودة الدفء حين جاء صادق أمين أبو رأس محافظاً لتعز، من خارج أبناءها، لكنه أفضل من عرفته تعز، 10 أشهر فقط، وتم تغييره، حتى لا يتنفس الناس أو تنتعش المدينة. وحين قرر النظام أن يدلّك عظلات الديمقراطية المتصلبة بإجراء انتخابات شكلية للمحافظين، بحث في كنانة رجاله في تعز، رجلاً رجلاً، فوجد أن أصلبهم عوداً، وأخبثهم رائحة، وأسوءهم إدارة، وأكثرهم كلاماً هو حمود خالد الصوفي رمى به تعز، محافظاً لا يحافظ على شيء. سنتين ونصف من تولي حمود الصوفي لمحافظة تعز، جعل المدينة ترفع الراية البيضاء في وجه النظام: نطلب العفو والغفران، يكفينا قسوة في العذاب. إذا كان الرئيس صالح يعتقد أنه ناجٍ من مسائلة الحاضر، واستحقاقات الأجيال، فعليه أن يعلم أن التاريخ ليس ملك يمينه، غداً سنكتب لمن بعدنا: أن أسوء فترة عاشتها اليمن كانت في عهد "الصالح"، وأسوء محافظاً عرفته تعز في تاريخها هو حمود الصوفي، بل ليس صوفياً، فالمتصوف يزهد بما في أيدي الناس، عليه أن يقرأ التاريخ قديمه وحديثه، فهذا الملك محمد إدريس المهدي السنوسي ملك ليبيا قبل ثورة الفاتح، يبعث رسالة للرئيس عبدالناصر يبحث فيها عن مصحف تاريخي ومسبحة ألفية لأحد رموز الصوفية في ليبيا، توفي وتركها في رواق المغاربة بالأزهر الشريف، لم يبحث عن تدعيم ملكه، وحين قاد القذافي ثورة الفاتح كان بإمكان الملك أن يجيش القاعدتين الأمريكية والبريطانية اللتان في أراضي ليبيا، كان بإمكانه أن يستعين بالأسطول الأمريكي السادس الموجود في سواحل مملكته ضد الثوار، ويمنحهم شرعية التدخل باعتباره الملك الشرعي، لم يفعل ذلك لتصوفه، وذهب إلى اليونان، وبعث برسالة إلى عبدالناصر يرجوه فيها أن يتوسط لدى الشبان الثوار بإطلاق ابنته (سُليمى) وخادمتها (سحر).. هكذا تأخذ الصوفية الناس من أطماع الدنيا.. على عكس (صوفي تعز) الذي حولها إلى مشاريع خاصة تديرها شركة (صهيب للمقاولات)، و(صهيب) هو نجله الذي تحول قبل فترة إلى نائب برلماني، وريثاً لأبيه في الدائرة (37) بشرعب السلام. في عهد الصوفي انتهى الإسفلت في الشوارع وتراكمت الأوساخ والمخلفات، وهي من هي، هي تعز عاصمة الثقافة والتنوير، ومصّدر الموضة والتجديد، كنا نعدها "باريسنا" وليس "زبالتنا"، كما أراد لها الصوفي، أصبحت تعز تشهد حالات لا تحصى من القتل والفوضى، وإطلاق النار في الطرقات، إلى حد أن ينفجر مخزن للسلاح داخل حارة آهلة بالسكان ويحصد أرواح (14) شخصاً دون أن يتحرك ساكن. الأوبئة، حمى الضنك تقتل العشرات شهريا، من خيرة أبناء تعز، ووزير الإعلام الناطق باسم الحكومة يعتبر المرض مزايدة سياسية!! أهالي تعز الباحثين عن التجارة والعلم والثقافة والتنوع الحيوي، أصبحوا مشردين في الطرقات دون عمل، أو موزعين على المحاكم يبحثون عن أراضيهم المنهوبة، فطابور النهاية وصل تعز. المحافظة التي صدرت إلى كل المحافظات: الأطباء والمهندسين والمحامين والإعلاميين والرياضيين، والعلماء الآن تشققت شفاه أبناءها من الظمأ، فمشكلة المياه عمرها عشرات السنين ولا أحد يعنيه ذلك,, الصحة، الكهرباء.. حتى التعليم في تعز أصبح طلاب المدارس من أكثر الشرائح تعاطياً للمنشطات الدوائية،، والقات، وهم الذين لم يتنازلوا عن قائمة أوائل الجمهورية منذ عرف التعليم اليمن. تعز اليوم تحتضر وكبار رجالها في السلطة اكتفوا بفتات النعم، وكبار الوظائف، نسوا المدينة التي احتضنتهم، ماذا فعل عبد العزيز عبد الغني، ورشاد العليمي، وسلطان البركاني، وغازي الأغبري، وغيرهم.. يعرفون أن حديثهم عن تعز سيُغضب.. فسكتوا. والأشد مرارة سكوت الإعلاميين والمثقفين الذين ملئوا الصحف بكتاباتهم عن تعز في عهد المحافظ الحجري.. كيف سكتوا الآن.. هل كانت (لقمة الصوفي) كبيرة إلى درجة منعت أفواههم من الحديث، إذا كان نضالاًَ مناطقياً.. فالصوفي من أبناء تعز من حقه أن يفعل ما يشاء في ظل التداول السلمي للفساد. عندما كنت في معرض تعز الدولي للكتاب أواخر الشهر الماضي حشر الصوفي الصحفيين في سيارات موكبه ليعقد مؤتمراً صحفياً معهم في ديوان المحافظة، ومما قاله إن مشاريعه إستراتيجية عملاقة لن تظهر ثمارها إلا بعد سنوات، وكأن علينا أن ننتظر لنجل صهيب ليفتتح مشاريع جده العملاقة!! [email protected]