أثبت الأستاذ محمد حسن بن عبيد الله السقاف كيف يمكن للمثقف أن يكون حاضرًا في هموم أمته ويبذل لها ، من غير ملال وبكل تجرد ، النفيس من وقته وجهده وفكره ، فعبر إدارته لمركز ابن عبيد الله الأهلي نجده ومنذ فترة مبكرة يجتهد في إثارة قضايا حضرموت الحيوية في مختلف مجالاتها ، ليضعها في دائرة الاهتمام ويسلط عليها أضواء البحث والتحقيق والنقاش ، ويستقطب لذلك كبار الباحثين وناشئيهم على السواء ، تكريمًا للأولين وللاستفادة من خبراتهم ورسوخهم العلمي ، وتشجيعًا للآخرين والاستفادة من حماسهم ومثابرتهم العلمية ، وكل ذلك بجهود نابعة من الذات غير مرتبطة بأي جهة كانت بأي نوع من أنواع الارتباط . ومن وحي فعالية المركز الأخيرة التي التقت فيها سيئون عاصمة الوادي وأحقافه بالقاهرة عاصمة النيل وضفافه ، والتي كرست لمناقشة قضية الهوية الحضرمية وكيفية الحفاظ عليها وترسيخها ، فإننا لا نرى غضاضة في الاستفادة من التجربة المصرية في تأصيل الهوية الوطنية لاسيما أن المصريين من أكثر الشعوب العربية اعتزازًا بهويتهم القومية ووحدتهم الوطنية . والحقيقة الواضحة هنا أن المصريين لم يدخروا جهدًا أو حيلة لإبراز هويتهم وتجذيرها في نفوس الأجيال المتعاقبة ، سواء على المستوى الثقافي أو الفني أو الشعبي ، وهذه الروح المعتزة بالذات موجودة فينا نحن الحضارم كفطرة إنسانية ، ولا تحتاج إلا إلى تأصيلها وتطويرها لاسيما بعد سنوات طويلة من الاغتراب النفسي الذي فرض على علينا من خارجنا ، ولم تتقبله أصالتنا واستعصت عليه طبيعتنا . فمن ذلك المحافظة على الموروث الشعبي العام وزيارة سريعة منك لخان الخليلي بمصر وما حوله من حواري تنقلك توًا إلى زمان غير الزمان لما تراه من معمار للبيوت والمساجد وتصميم لواجهات المحلات ولما تشاهده من معروضات أثرية توقن أن أحدًا لم يعد يحتاج لاستعمالها ، ومع ذلك تعرض لا في المتاحف بل في الأسواق العامة إما ليشتريها هواة جمع الآثار القديمة أو للعرض والزينة اتساقًا مع المشهد العام الذي تجتمع فيه كل عصور مصر الفرعونية والإسلامية . وهناك الفرق الفنية التراثية التي تمثل التراث الفني المصري بمختلف أشكاله ، الديني والنوبي والسيناوي وما شابه ذلك ، ولكل فرقة قصر من القصور التراثية التي تعرض فيه بضاعتها الفنية في أيام مخصوصة من الشهر ، وتستقبل روادها من السائحين المصريين أو العرب أو الأجانب لتمتعهم بعروضها التراثية ، وبأسعار رمزية أو بالمجان اكتفاء بدعم الدولة لها . وهناك أسماء الشوارع في كل حي من أحياء القاهرة والمدن الأخرى فلا ترى شارعًا ولا زقاقًا لا يحمل اسمًا لأحد أعلام مصر سواء كان مشهورًا أو مغمورًا ، ويستوي في ذلك كل من أفاد مصر بفائدة وفي أي مجال كان ، فترى منهم الشهيد والمناضل والعالم والأديب وأستاذ الجامعة ونوابغ المهن الأخرى من سياسيين وأطباء ومحامين ومهندسين وصحافيين وممثلين وغيرهم ، فكل من أفاد بلاده يذكر بوضع اسمه على شارع أو زقاق بحسب حجم ودور العلم الفقيد . وهناك طبعًا أسماء المدارس والهيئات الثقافية الأخرى ، وتشمل تلك التسميات أيضًا الرموز التاريخية للأعلام والمواضع التي شهدت أحداث ذات بال في التاريخ المصري . وهناك المتاحف المتعددة والمتنوعة للتاريخ المصري العام أو المتخصصة في مجالات بعينها كالمتحف العسكري أو الزراعي أو البحري ، أو تقام لبعض الشخصيات الكبيرة ذات التأثير في التاريخ المصري السياسي أو الاجتماعي أو الأدبي ، وقد تقام في بيوتهم بعد شرائها من قبل الدولة أو في مواضع أخرى تابعة لبعض الهيئات الثقافية ، ولا ننسى هنا إقامة القرى التراثية السياحية الدائمة . هذا فضلاً عن التنويه بتاريخ مصر وأعلامها في مقررات التعليم الرسمي ومناهج الجامعات ، ولن نستطيع أن نحصي ذكر عشرات الندوات التي تقام يوميًا في المراكز الثقافية والنوادي الشبابية إضافة للمراكز التخصصية لبعض القضايا الحيوية لمناقشة زواياها وتطوراتها ، أو لكبار أعلام مصر للتعريف بعطائهم وجهودهم في المجالات التي برزوا فيها فكرًا وإبداعًا . ولا شك أن حضرموت لم تأخذ حظها من تلك الوسائل إلا أقل القليل مع أنها تحفل بتراث هائل في كل الأطياف سواء ما كان منها يعود إلى تاريخها العريق وتاريخ أعلامها وعطاءات مهاجريها ، أو في الجوانب الاجتماعية من تراث ديني وبحري وشعبي ، وكل ذلك لا نراه غالبًا إلا مسطورًا في الكتب مختبئ بين أوراقها التي لم ولن تسلم من عاديات الزمن ، حتى ما هو موجود من وسائل عرض قليلة فهو معرض للإهمال والتآكل ، وبعض منها تهمل أو يهون من قيمتها وفاعليتها بقصد ودون قصد ، فدعوة أوجهها عبر مركز ابن عبيد الله للاستفادة من الخبرات العملية المصرية للحفاظ على الذات وإنقاذ الهوية قبل أن نهوي على رءوسنا في مجاهل النسيان ، وهذا ما لن يحدث أبدًا إن شاء الله تعالى مع وجود أشخاص محبين وغيورين يرتجي منهم موطنهم كل خير له ولأبنائه حيثما كانوا . مداخلة : عصام شرف رئيس حكومة ما بعد الثورة المصرية وفي ذكرى تحرير منطقة سيناء أعلن اعتذاره وعبر عن أسفه لأبناء سيناء على ما نالهم من إهمال وتهميش أيام حقبة مبارك غير المباركة ، فهل سنشهد رئيس حكومتنا القادم أيًا كان وهو يعتذر لأبناء حضرموت عن ما نالهم من إهمال ولاسيما في العهد الجنوبي ومن تهميش ولاسيما في العهد الشمالي ، هل نتوقع ذلك ؟