في الخامس من يونيو (حزيران) 1967 انتصرت إسرائيل على كل الجبهات العربية، لكنها لم تصبح أكثر أمنا، وبعد كل هذه الحزيرانات لم يصبح وجودها في المنطقة طبيعيا بالرغم من أن الأعوام الثلاثة والأربعين التي تفصلنا عن النكسة كانت كلها انتصارات للكيان الاستيطاني وهزائم عربية، باستثناء نصر 1973 الخدين. في حزيران 67 كان العالم منقسما بين غرب موجوع الضمير بسبب الهولوكوست، يؤيد إسرائيل بشعوبه وحكوماته، وشرق شيوعي تقوده روسيا، الكلمة فيه لقيادات بلا شعوب، يؤيد التوازن، ويجاهر بمساندة العرب كموقف مناقض للموقف الغربي ووسيلة للتوازن مع النفوذ الأمريكي في المنطقة. وفي حزيران/يونيو 2010، وبعد كل الهزائم الممكنة للعرب والانتصارات الإسرائيلية لم يتغير موقف مؤسسات الحكم من الصراع، حيث تبني الحكومات مواقفها على المصالح لا الأخلاق، وطالما لا تهتز مصالح الدول المؤيدة لإسرائيل فلا داعي لتغيير المواقف حتى الآن. المتغير الجديد هو حركة الشعوب ضد الكذبة التي سادت منذ فبركة هذا الكيان، وصار بين أقوى الرافضين لوحشيته يهود مثل نعوم تشومسكي المفكر الذي رفضت إسرائيل دخوله مؤخرا والقاضي غولدستون صاحب تقرير الحرب على غزة. بدأ الرأي العام العالمي زحفا ضد إسرائيل يشبه زحفه ضد بريتوريا. وهذه الحقيقة تقود إلى اليأس لأنها يمكن أن تجعل كل الانتصارات عديمة النفع، وتفسر العدوان الجنوني على أسطول الحرية. ' ' ' لا تختلف مذبحة 'أسطول الحرية' التي ارتكبها 'جيش الدفاع' فجر الاثنين الماضي عن مذابح العصابات اليهودية ضد الفلسطينيين في قرى 'بلدة الشيخ' و'دير ياسين' ولا عن المذابح التي ارتكبتها العصابات نفسها بعد أن تحولت إلى أعجب دولة في العالم، مفتوحة الحدود والوحيدة المقامة على أساس ديني. الكيان الممسوس بمطاردة الحياة، لم يتورع يوما عن إعدام أسرى حرب أو قصف مدرسة أطفال أو مسجد أو مخيم لاجئين. ما اختلف هو نوع الضحايا المدنيين، الذي لم يعد يقتصر على أصحاب الأرض من الفلسطينيين والعرب، بل تطور ليشمل دعاة السلام، في مخالفة لكل تقاليد الحروب وقواعد ممارسة الشر على مدار التاريخ. كان قتل الصبية الأمريكية راشيل كوري بالجرافة الإسرائيلية أثناء حملة 2003 الدموية على غزة إشارة أولى إلى عصبية الكيان المفبرك، ومع ذلك يمكن القول إن راشيل كانت على أرض فلسطين عندما واجهت بجسدها النحيل الأعزل الجرافة في غزة، بينما كان الأسطول في المياه الدولية عندما هجمت عليه فرقة كوماندوز من جيش 'الدفاع'. جريمة قرصنة وإجرام ضد الإنسانية، يفضح حقيقة القراصنة، ويجعل من المستحيل بقاء النظرة إلى هذا الكيان كما كانت قبل اقتحام السفينة 'مرمرة'، ولن تكون مجزرة البحر حدثا عابرا في تاريخ الصراع، لكنها ستخلد بصفتها برهانا جديدًا على استحالة استمرار هذا الكيان بصيغته الحالية غير القابلة للحياة، لأنها تطلب المستحيل. ' ' ' النصر الكامل هو ما تطلبه إسرائيل. لا نية لديها للتعايش، وليس لدى الكيان المرتعش فرصة للتعايش. الكيان المفبرك يحمل أسباب توحشه في بنيته العقائدية التوراتية التي تأمر بالقتل. وفي بنيته التاريخية بوصفه كيانا استيطانيا قام على سرقة الأرض ويحمل ثارات السرقة والقتل على رقبته. وفوق كل هذا ساهم الضعف العربي في مد حبل الغرور له للإيغال في القتل. نصرا بعد نصر فقد صناع القرار الإسرائيلي القدرة على التواضع، والقبول بالتعايش مع شعب آخر على أرض فلسطين أو مع شعوب أخرى في المنطقة، ولو كان في القلب متسع لحزن جديد، لكان من الواجب أن نحزن على هذه المساهمة العربية في توحش الكيان الاستيطاني الذي يرسم مستقبلاً مظلما لأبنائه مع كل نصر جديد. يتصرف الإسرائيليون على أنهم يجاورون موتى، ومن يمكن أن يتنازل أو يعطي حقوقا للموتى؟! لكن حسابات التاريخ أعقد من أن تقاس بمرحلة عابرة، والشعوب العربية لم تزل حية، على الرغم من الموات الرسمي. والمتغير الأكثر أهمية الذي جاء به حزيران الجديد هو الحادث الدموي الذي سيفقد الإسرائيليين التوازن فوق ظهر الأسد، بعد أن أجادوا ذلك التوازن منذ تأسيس الكيان حتى اليوم. كانوا دائما يعرفون كيف يقتلون ويسبقون بالبكاء وشكوى الضعف، وكنا نساعدهم في الكذب بخطابات التهديد والتلويح ببنادق عديمة النفع أمام كاميرات الإعلام. اليوم عرف العالم كيف يسخر من ادعاءات السفاح نتنياهو حول تهديدات قافلة السلام لأمن إسرائيل. الجميع يعلم أنه لم يكن هناك سلاح على 'مرمرة' أو أي من سفن الأسطول الأخرى. كان عليها فقط، يقظة الضمير العالمي، وهذا هو السلاح الفتاك الذي قصده نتنياهو، والذي سيمرمر زمانه وزمان عصابته، ويخطو بالكيان نحو التحلل.