في مطلع تسعينات القرن الماضي قدمت من ريف شبوة الى حاضرة عدن كشاب صغير السن في مرحلة الثانوية يحمل بين جنبيه عاطفة تدين جامحة تبحث عمن يوجهها ويستثمرها تلك العاطفة كانت تبحث عن أي مناخ للحرية لتمزق قيود الكبت تبحث عنه في مسجد يخرج برسالته عن النمط التقليدي الرتيب أو في كتاب يروي ضما صنعه الاستبداد والكبت الشمولي أو في مجلة أو صحيفة غير صحف النمط الواحد. في رحلة البحث تلك عثرت على بعض ما أبغي علمت أن هناك مسجد به خطيب حجته قوية ومنطقه حسن وخطابه يلامس الواقع فيممت وجهي قبل ذلك الجامع وكان الأمر كما بلغني فسعدت بما سمعت أذناي وعند خروجي من المسجد رأيت تدافع للناس عند بابه دفعني الفضول لأعرف سبب التدافع فكان الناس يتزاحمون على شاب بيده حزمة من الورق الابيض ويهتف ( الصحوة .. الصحوة )، في ذلك الوقت كانت كلمة الصحوة تعبير عن موجة التدين في حينه فلامست تلك الكلمة هوى في النفس أخرجت ما في جيبي واشتريت من ذاك الشاب نسخة من ( الصحوة ) حملتها معي وتصفحتها بشغف من الاخبار والمقالات والقضايا العامة فبدأت قصة صداقتي مع الصحوة من تلك الساعة فكنت انتظر الجمعة بشغف لسماع الخطبة ولاقتناء نسختي من الصحوة فتطورت تلك العلاقة والصداقة الى التأثر وتكوين الوعي وأذكر كم مرة عدت خائبا عندما يخبرني مالك المكتبة أن الصحوة لم تصل وتأخرت فاعود بشعور عاشق أخلفت معشوقته الموعد كان عشقا عفيفا لأعمدة نخبة من الكتاب ولأخبار وتحقيقات ومانشيتات ورسوم وطرائف النقد السياسي في عمود (نعيمان) الذي كنت أستفتح به القراءة .. الحقيقة أن الصحوة استطاعت أن تحدث أثر مهم في الوعي في وقت كانت الصحافة الورقية هي من تسهم كثيرا في تشكيل وعي المجتمع قبل أن يحدث التطور التقني بنشوء الاعلام الفضائي والرقمي ثم الاعلام الاجتماعي وأن عهد الصحافة الورقية كان عهدا جميلا نقيا يعرض للمتابع والقارئ نخب المجتمع التي تخاطبه بينما صنع الاعلام الاجتماعي وعيا مشوها الى حد كبير حين أصبح منصة لعرض الغث من الرأي والسقيم من الافكار التي تنتشر بين الناس كالنار في العشب الجاف ..