عند اقتراب ذكرى تأسيسه يكون التجمع اليمني للإصلاح حديث الإعلام نقداً وثناءً وهجوماً، إذ أنه حزب سياسي ذا حضور فاعل ومهم في الساحة الوطنية، ويمتلك قاعدة شعبية عريضة في كل محافظاتاليمن حتى اللحظة. فرغم كل المحاولات الرامية لإضعافه والتأثير على جماهيريته والتضييق على قياداته وأنصاره في السابق، ومن ثم السعي للقضاء عليه وعلى قياداته وأعضائه بعد الانقلاب على الشرعية والدولة اليمنية، إلا أنه خرج من كل ذلك أكثر قوة وتماسكاً وشعبية.
فما الذي جعل من الإصلاح رقماً صعباً لا يمكن تجاوزه، ومكوناً وطنياً عصياً على الاجتثاث مهما كان حجم الاستهداف وقوته؟
بعيداً عن الاسترسال في التفسيرات، يمكن إيجاز الإجابة الأكثر واقعية ومقاربة للحقيقة فيما يلي: إن مبادئ الإصلاح الوطنية وفكره ومساره السياسي، هي التي جعلت منه رقماً صعباً، وفي توسع وانتشار دائمين، ويحظى بقبول مستمر لدى مختلف فئات المجتمع وعموم مناطق الوطن من صعدة إلى عدن.
وجدير بمن يسعون للتعرف على الإصلاح أن يفعلوا ذلك من خلال النظر في أدبياته وفكره ومساره، لا أن يسمعوا عنه من أفواه خصومه ومزايداتهم على منصات التواصل والفضائيات، وذلك من أجل الإنصاف وكي تكون الصورة لديهم واضحة ومكتملة ومبنية على الحقيقة.
فالإصلاح ليس ذلك الحزب القادم من خارج الحدود كما تصوره خيالات خصومه ومناكفاتهم، بل هو حزب وطني الهوية يمني المنبت، تأسس في الثالث عشر من سبتمبر 1990م ليكون "امتداداً حياً لحركة الإصلاح اليمنية الحديثة وإطارً يضم كل من ينشدون إصلاح الواقع وتغييره إلى الأفضل على هدى من عقيدة الإسلام وشريعته" وفقاً لبرنامجه السياسي.
وليس ذلك الحزب الذي يستورد أفكاره وسياساته معلبة من الخارج، فمثل هذه الأحزاب لا يكتب لها الديمومة والبقاء، ولا يمكن أن تحظى بقبول الناس، وسرعان ما تذوي وتصبح ذكرى من الماضي. أما الإصلاح الذي يحتفي كل عام بذكرى تأسيسه بزخم مطرد وانتشار وشعبية أوسع من العام الذي سبق، فإنه حزب يمتلك رؤية وفكراً منبثقاً "عن عقيدة الشعب اليمني وقيمه الأصيلة، ومعبراً عن معاناته ومجسداً لآماله وتطلعاته، يحمل همومه ويعالج مشكلاته ويلبي طموحاته.. مرتكزاً على الحقائق والوقائع التي يعيشها المجتمع".
والإصلاح ليس ذلك الحزب الإقصائي الذي يسعى لابتلاع السلطة والانفراد السياسي، كما هي الاسطوانة المشروخة التي ما زال خصومه يرددونها حتى اليوم، ويستخدمونها كفزاعة لتخويف الخارج، بعد أن بارت وما عادت تجد من يصدقها في الداخل. إذ الإصلاح يؤمن، بل ويحرص، على الشراكة السياسية والشعبية في بناء اليمن بعيداً عن حسابات الربح والخسارة، ومنذ اليوم الأول لتأسيسه أكد في برنامجه السياسي أنه يدرك" فداحة الإرث الذي خلفته عهود الحكم الملكي والاستعمار وعهود التشطير وحجم تداعياتها في تكريس واقع التخلف الذي لا يمكن تجاوزه خلال فترة قصيرة وبجهد منفرد محصور في أي حزب أو تنظيم أو جماعة أو من خلال برنامج محدود يقتصر على إحداث تعديلات محدودة في البنى السياسية وتغييرات في مواقع السلطة ، وإنما بتفاعل ومشاركة كل أفراد الشعب وقواه الاجتماعية والسياسية وتكاتف جميع المخلصين من أبناء هذا البلد وإفساح المجال أمام كل الطاقات والقدرات للإسهام في البناء والإصلاح ومن خلال برنامج يستهدف تحقيق نهضة حضارية شاملة يتأسس على الثوابت التي تحقق الإجماع العام ويعطي الأولوية لبناء الإنسان نواة المجتمع والمجال الموضوعي لعمل الدولة ، ويستنهض المجتمع ويحركه ويعبئه ويوظف كل قواه وطاقاته لإنجاز مشروع النهضة والبناء والتنمية الشاملة وبناء الدولة اليمنية دولة العدل والنظام والقانون..كما لا بد أن تتوفر له الإرادة القوية والعزيمة الصادقة والجدية في التنفيذ مع كفاءة ونزاهة القائمين على التنفيذ".
وبذات الرصانة والاكتمال الذي خط به الإصلاح الجملة السابقة، كانت مواقفه العملية في مختلف المحطات والمراحل التي مرت بها اليمن فيما يخص مبدأ الشراكة الوطنية.
وعدا عن ذلك، فإن إيمان التجمع اليمني للإصلاح بالقيم والثوابت المهمة التي يؤمن بها الشعب اليمني، كالحرية والمساواة والعدالة والنظام الجمهوري، ونضاله الطويل من أجلها وعدم المساومة عليها مهما كان الثمن، جعله يبدو كما لو أنه ضمير الشعب ونبضه والصوت المعبّر عن كل يمني حر.
فالإصلاح الذي أكد على قيمة المساواة ضمن برنامجه السياسي في العام 1990م وخط مادتها بهذا الوضوح "يتأسس مبدأ المساواة على وحدة الأصل الإنساني فالناس كلهم لآدم وآدم من تراب ، وجوهره مساواة قانونية بين أفراد المجتمع فالناس ضعيفهم وقويهم وغنيهم وفقيرهم وحاكمهم ومحكومهم أمام القانون والقضاء سواء، لا تمايز بينهم بسبب العرق أو الجنس أو اللون أو المهنة أو المكانة الاجتماعي..إن التجمع اليمني للإصلاح سيعمل بدأب لترسيخ مبدأ المساواة بين كل أبناء المجتمع".
كان في طليعة من وقفوا وقاوموا الشرذمة الإمامية العنصرية السلالية ومليشياتها الحوثية، التي تسعى لفرض قيود العبودية على اليمنيين والرجوع لعهود التمييز الطبقي البغيض والمهين. وقد خط الإصلاح مقاومته لعنصرية مخلفات الإمامة بدم قياداته وأفراده وعذاباتهم في السجون ومعتقلات التعذيب.
وهو إلى ذلك لم يساوم على الجمهورية قيد أنملة ككل يمني حر، رغم ضخامة التضحيات وفداحة الآلام، وكان شعاره لا لعودة الكهنوت الإمامي وعهود التخلف والظلام، ولا مساومة على كرامة الشعب اليمني وحريته ومكتسبات ثوراته المجيدة.
وصِدْق مواقف الإصلاح من قضايا الوطن هذه، والتزامه بما أعلنه في برنامجه السياسي من مبادئ وقيم يجمع عليها اليمنيون، وعدم تفريطه بها، والنضال والمقاومة من أجلها، جعله أكثر موثوقية لدى الناس وأكثر قرباً وشعبية، والأجدر بالبقاء والديمومة.
وحين أعلن الإصلاح عبر برنامجه السياسي أن النظام الجمهوري من أهم الثوابت الوطنية، لم يكن ذلك بقصد الاستهلاك الإعلامي ومن قبيل الشعارات السياسية، بل كان يعني ما يقول وعلى استعداد لدفع الثمن، وقد دفعه غالياً وباهضاً وهذا ما أثبتته الأيام والأحداث.
والإصلاح الذي قال عند تأسيسه إن "النظام الجمهوري يمثل منجزاً حضارياً أنقذ الشعب من استبداد الحكم الملكي المنغلق ومن قهر الاستعمار البريطاني الغاصب لذلك فإن المحافظة على النظام الجمهوري والسعي لاستكمال بناء مؤسساته التي تحسد قيم العدل والمساواة والحرية والشورى يمثل أهم الثوابت الوطنية التي لا يجوز الخروج عنها أو التفريط فيها".. كان في مقدمة المدافعين عن النظام الجمهوري ومن أشدهم رفضاً ومقاومة للشرذمة الإمامية ومليشياتها الحوثية، ومن أكثرهم تضحية ومغرم.
وإذا ما تتبعنا مسيرة ما يقارب الثلاثة عقود من مسيرة هذا الحزب فإن الحقيقة التي تبرز ذاتها كمانشيت عريض على واجهة صحيفة يومية ليطالعها كل إصلاحي وغير إصلاحي، تؤكد بأن: استمرار التجمع اليمني للإصلاح في التمسك بمبادئه الوطنية والوقوف مع الشعب اليمني، والانحياز لقضاياه العادلة، هو ما سيزيده قوة وانتشاراً وشعبية بتوالي الأعوام، ولن يكون بمقدور أي جهة الإطاحة به أو تجاوزه مهما كان بأسها ومكرها.