تحررت أبين من قبضة القاعدة (المزعومة), وانكشف الغطاء عن حقيقة الإرهاب الذي يديره نظام صالح ويرعاه منذ أمد بعيد. إنقشع غبار المعارك واستبانت الصورة القبيحة للنظام التي طالما حاول تجميلها في الداخل والخارج, واتضح أنها أقبح مما تخيلنا بكثير, جزء من تلك الصورة القبيحة المروعة كشف عنها اللواء علي محسن الأحمر -قائد الفرقة الأولى- التي كافحت ألويتها العسكرية إلى جانب اللواء(25ميكا) في دحر عناصر القاعدة (المفترضة) وإلحاق الهزيمة بها, وتطهير مدينة أبين من تلك العصابات الإجرامية المتواطئة مع النظام, الحقيقة المُرّة الموجعة التي كشف عنها قائد الفرقة لصحيفة الخليج الإماراتية هي أن الكثير ممن وقعوا في أسر قوات الجيش الموالية للثورة هم من عناصر النظام الذين زج بهم في معركة الإرهاب لتضخيم فزاعة القاعدة في اليمن وإخافة الغرب من هذا الخطر المصطنع, بالإضافة إلى مرتزقة أفارقة تم استئجارهم للغرض ذاته! في الوقت الذي ذهب صالح وبقايا نظامه يوهمون العالم بأنهم من صنعوا الانتصار على تلك الجماعات الإرهابية الممولة من قبلهم! وهي محاولة بائسة مفضوحة وساقطة بكل المقاييس, فالأمريكيون الذين استثمروا في قوات مكافحة الإرهاب في اليمن, ودفعوا ملايين الدولارات من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين, فوجئوا بغياب تلك القوات عن ساحة المعارك في أبين, ولم يجدوا لها أثر ضمن لعبة القاعدة هناك, فتلك القوات كانت تقوم بمهمة قتل اليمنيين وإرهابهم في أرحب ونهم وغيرهما, والتصدي لشباب الثورة السلميين المناهضين لصالح وعائلته, ولم تكن في مهمة تطهير البلاد من رجس الإرهاب الذي صنعه صالح بيده ليستثمره في تصفية حساباته في الداخل وابتزاز الخارج. كشفت معارك أبين حقيقة الإرهاب المصطنع في اليمن وزيف دعاواه, وفضحت حجم التواطؤ الرسمي في تغذيته ورعايته, إلى حد تسليم عناصر الإرهاب معدات وأسلحة ومعسكرات ومناطق جرى إخلاؤها بتوجيهات عليا, ليسهل عليها بسط سيطرتها على مدينة أبين فتعلنها من هناك إمارة إسلامية لترويع الغرب, استدراراً لدعمه المالي والسياسي وكسب تعاطفه مع النظام الذي يحاول إيهامه بأنه يقف على خط النار مع القاعدة, وأنه يمثل خط الدفاع الأول لمصالحه في اليمن والمنطقة ككل. ولم يقف الأمر عند هذا الحد, بل تعداه لترك قوات اللواء(25ميكا) التي رفضت الأوامر بالانسحاب من أمام عناصر القاعدة وتسليمها مواقعها وسلاحها لتواجه حصاراً محكماً من تلك العناصر الإجرامية, وفشلت كل محاولات اللواء بالاستغاثة بقيادة الجيش وقائد المحور الجنوبي مهدي مقولة لفك الحصار عنه, أو إمداده بأي نوع من أنواع الدعم اللوجستي ليتمكن من الصمود ولكن دون جدوى, إذ كان مخططاً أن تتوسع تلك الجماعات في بسط سيطرتها لتصل إلى محافظتي لحجوعدن, وهو ما سيزيد من مخاوف العالم تجاه الاضطرابات وفقدان السيطرة التي ستنجم في المنطقة المطلة على خليج عدن وباب المندب, وتعرض حركة الملاحة البحرية لتهديدات محتملة من قبل تلك العناصر الإرهابية, وفي هذه الحال ربما يسارع الغرب للتدخل المباشر والذي سيكون حينها بمثابة طوق النجاة الذي ينتظره النظام. لعبة الإرهاب في اليمن انكشفت, وتبين من يقف وراءها ويستثمرها لحساباته الخاصة, واستبان لأصدقاء اليمن وشركائه من هم الذين دعموا القاعدة (المفترضة) وسهلوا مهمتها في أبين وغيرها, وجعلوا منها خطراً ماثلاً بقصد التكسب والمساومة والابتزاز. لقد تدخل الأمريكيون بأنفسهم لإنقاذ قوات اللواء(25ميكا), فجاءت طائراتهم من القاعدة الأمريكية في جيبوتي ومن البوارج الحربية القريبة من خليج عدن لتلقي ب 600 طن من المؤن والغذاء والماء لقوات اللواء المحاصر الذي شارف جنوده على الموت عطشاً. وتوجه الأمريكيون بعدها إلى النائب وطلبوا منه الإشراف بنفسه على العمليات العسكرية في أبين بعدما أتضح أن قيادة المحور الجنوبي لا تعمل بتوجيهاته ولا بتعليمات وزير الدفاع الذي تعرض لمحاولة اغتيال عندما نزل إلى المحافظة للاطلاع على سير المعارك هناك, فجاءت محاولة الاغتيال لإبعاده عن مسرح الجريمة. كان بودنا أن نسمع من أولئك الذين طالما أتحفونا بتحليلاتهم حول القاعدة في اليمن, وأنها تمثل تهديداً للنظام وتخوض معه حرباً مصيرية شرسة, وأنها تحمل مشروعاً جهادياً تغيرياً يُفضي إلى إقامة دولة الخلافة على حد زعمهم! هل سيقولون الآن بأن صالح ونظامه كانا يشاركان القاعدة في بناء دولة الخلافة من أبين؟ لقد أكد أكثر من مسئول يمني بأن عناصر القاعدة في اليمن لا يتجاوزون ال 300 عنصر, وبحسب أحد المهتمين بالجماعة فإن عدد من أعلنت الحكومة عن مقتلهم خلال الفترة الماضية تجاوز هذا الرقم!! فمن الذي كان يقاتل باسم القاعدة في أبين؟! الواقع أن الثورة كشفت بجلاء حقيقة الإرهاب في اليمن, وتبين بما لا يدع مجالاً للشك أنه صناعة رسمية بامتياز, هدفت إلى زعزعة استقرار اليمن بقصد المتاجرة بأوجاعه وأزماته ضمن سياسة الإدارة بالأزمات التي درج عليها صالح طوال فترة حكمه المليئة بالأزمات. يمكن القول بعد معارك أبين التي أماطت اللثام عن كثير من حقائق الإرهاب في اليمن أن ورقة كهذه سقطت من أيدي النظام, وهي حتماً ستغدو شيئاً من التاريخ وسترحل برحيله, صحيح أن ثمة محاولات لاستدامة هذا الخطر والإبقاء عليه كفزاعة لأطول وقت ممكن من خلال الترويج بأن أيمن الظواهري ربما يكون انتقل إلى اليمن بعد تشديد الخناق عليه في باكستان, إلاّ أن محاولات كهذه ستفشل في إنعاش لعبة الإرهاب وتحسين فرص من يقفون وراءه في اليمن, كون الثورة جادة في استئصال النظام الذي زرعه ورعاه ووظفه لخدمة مصالحه, ولأن الثورة ستفضي- إن شاء الله- إلى نظام سياسي سيكون شريكاً فعلياً للمجتمع الدولي يمكن الوثوق به, وذو مصداقية في معالجة ظاهرة الإرهاب إن وجدت والتصدي لها. وما قامت به قوات الثورة في أبين سيعزز من تلك المصداقية, وسيحمل أصدقاء اليمن وشركائه على إعادة نظرتهم وتقييمهم للأمر, وصياغة سياسة جديدة تجاه مختلف الأطراف الفاعلة في اليمن, الأمر الذي من شأنه أن يدفع قُدماً بالثورة لإنجاز الحسم وبناء يمن جديد, يمن خال من الفساد والإرهاب.