«قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ»من نظر في الكون ولم يشاهد عظمة الله، وصفاته، فليتهم إيمانه بالنقص , وعليه أن يسعى في طلب استكماله، وذلك بمراجعة حسابه مع نفسه وإعادة مراقبتها وتزكيتها والاعتناء بالقلب والتشديد في حراسته من الآفات وتطهيره وتنقيته من الهفوات والسقطات وذلك بكثرة الاستغفار والذكر، وعليه بذكر هادم اللذات ومفرق الجماعات، وشحذ الهمة بالإكثار من النوافل و القربات , وترك المعاصي والسيئات، والتقليل بقدر الاستطاعة من المباحات، وملاك ذلك كله الدعاء، عندها سيجد قلبا حيا يشاهد فيه عظمة الخالق أنَّى اتجهَ وحيثُما نظر. قال ابن عطاء في حكمته الرائعة الرابعة: « الكون كله ظلمة، وإنما أنارهُ ظهور الحقِّ فيه، فمن رأى الكون ولم يشهده فيه أو عنده، أو قبله، أو بعده، فقد عوزه وجود الأنوار.. وحجبت عنه شموس المعارف بسحب الآثار » إن الله أنار هذا الكون بنوره , وخلق المخلوقات فيه، فشوهدت عظمته وصفاته من خلالها..فمن شاهد هذا الكون مجرداً دون مشاهدة الخالق، فقد أعوزه وجود الأنوار, أي شاهد أجساماً وأجراماً وكائنات، لا نور فيها، ولا حياة لقلبه من تلك المشاهدة، وتكون حينئذ مشاهدته جافَّة، خالية من الأثر، وكأنه لم يشاهد شيئاً. فلا تغني الآيات عن قوم لا يؤمنون،وهذه المشاهدة تحجب عنه المعرفة لله، التي سمَّاها ابن عطاء : « شموس المعارف » بسبب الصور، والآثار الكونية والأرضية الطينية التي تعيش معه، فتكون عبارة عن حجاب، يمنع وصول النور إلى القلب. كلما فتح الإنسان عقله، وقلبه في مشاهدة الحق، من خلال تأمل آياته المبثوثة في الكون، والأنفس، يتفتح القلب، ويشرق،ويفيض نوره، وتزداد معارفه ومداركه، ويرتقي في سلّم الصعود إلى ربَّه، ويتدرج مع السالكين إلى مراتب الكمال، ومنازل المقربين ؛ ليكون في ربيع دائم. إن مراتب القرب من الله عز وجل، ومنازل السائرين إليه، كثيرة متعددة، ولها نوافذ وأبواب لا تحصى، يتدرج فيها العبد السائر إلى ربه، وقد يقطعها مباشرةً، بحسب الاجتهاد في العمل، وبحسب التعلق بربه، من خلال كثرة ذكره،والتجرد له، والامتثال لأمره ,كما أن التأمل في آيات الله، والتفكر في مخلوقاته، من أوسع الأبواب الموصلة إلى الله، وهو باب شهود عظمته،وقدرته،ومعرفة أسمائه، وصفاته، فيراها المؤمن العارف.. لا كما يراها الفرد الغافل المنغمس في الظلمات، ذلك أن العارف بالله يرى عظمة الخالق، من خلال المخلوق ؛ لأنه يرى هذه الآية كأنهُ يراها لأول وهلة، وكأنها لم تكن موجودة من قبل، فيهيم ؟ مستغرقاً بعظمتها، وعظمة صانعها، فتتحقق له المعرفة والنور. نعم لا ترحل إلى الأكوان، ولكن ارحل إلى مكونها ؛ ذلك أن الاقتصار على رؤية الكون دون المكون هو دأب البهائم , إذ لا بد من مشاهدة الملكوت، والفارق بين الملك والملكوت كبير جدا، ذلك أن الله قال : ( فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون ) ، وقال : ( تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير ) ، لو أن شخصاً معجباً بمصباح الكهرباء فقط لعدَّ نقصا، لكن لو ذهب إلى محطة الكهرباء وشاهد المولدات...لكان إعجابه أكبر وترسيخ إيمانه أقوى بصانع هذا الملكوت..وعليه نقول : فالكون ملك وهو المصباح، والمحطة هي الملكوت، ولله المثل الأعلى،