عندما لا تقوى المساكن والمخيمات الممزقة والبالية على وقاية ساكنيها من المطر الغزير والبرد الشديد في المخيمات المنتشرة على مداخل العاصمة صنعاء وبعض المحافظات الأخرى، حيث القصص المروعة عن معاناة النازحين وللمشردين، ومع استمرار الحرب التي اشعلتها الميليشيات الانقلابية في طول البلاد وعرضها، تظل تلك العائلات بأطفالها ونسائها عرضة للمخاطر الحقيقية في أي وقت وعلى مدار العام بداخل مخيم أو بيت من الصفيح في يوم عاصف شديد المطر والسيول تحاصرهم من كل اتجاه، وذنبهم الوحيد أن الميليشيات غزت قراهم ومدنهم وحولت منازلهم التي كانوا يعيشون فيها بأمان، الى متارس ومخازن للأسلحة. ليلة في "الجرف" يعيش "مالك مهدي الشعبي" داخل كومة من الصفائح المعدنية بالقرب من شارع الخمسين هو وزوجته وخمسة اطفال ويعتمدون على ما تحمله اكياس القمامة كمصدر رئيسي للغذاء، قبل عشر سنوات تقريباً من الآن كان هذا الوضع شبه مستحيل التصديق، لكنه الآن أمر طبيعي وشائع، وقبل عام واحد فقط، كان مالك مهدي وعائلته يعيشون بسلام في مزرعتهم في "الجراحي" بمحافظة الحديدة وينسجون الآمال والأحلام. "أول صاروخ كاتيوشا أطلقه الحوثيون في الجراحي سقط في منزلي ودمر حياتنا تماماً"، يقول مالك وهو يشير الى اطفاله الذين تحوم من حولهم اسراب الذباب، وزوجته "خديجة" التي فقدت ذراعها الأيمن من شظايا الصاروخ. يقول للصحوة نت: "أنت لا تعلم مالذي اصابنا امس الأول عندما هطلت الأمطار في الليل". واضاف: "رغم أن المطر لم يكن شديداً تلك الليلة إلا أننا وجدنا انفسنا نسبح وسط المياه المتجمدة فجريت وحملت طفلين.. وحملت زوجتي طفلاً بيدها الوحيدة.. بينما مشى الطفلين الباقيين معنا الى ذلك الجرف الصخري واختبأنا بداخله وظللنا نرتعش طوال الليل، وكنت احاول تدفئتهم بملابسي وجسدي". أخيراً يتسائل مالك مهدي: "ما الذي سنفعله عندما تهطل الأمطار الغزيرة؟!"
مأساة لا تنتهي احدى النازحات من محافظة تعز وتدعى "نقاء الكوري" تحكي عن تجربتها مع موسم الأمطار قائلة: "في كل عام نعيش عرضاً مصغراً لما حدث مع قوم "نوح" ونعيش مأساة لا تحدث حتى مع المهاجرين غير الشرعيين ونحن مواطنين لازلنا في بلدنا". وتوكد"نقاء" التي تعيش في مخيم للنازحين بمنطقة "حزيز" مع والدتها العجوز للعام الثالث على التوالي للصحوة نت، أن المنظمات الإغاثية لا تعطيهم إلا البطانيات وهي لا تقي من المطر، أما الأدوية التي يحصلون عليها من المنظمات لا تصلهم إلا مرة واحدة، وبالتحديد في رمضان كل عام. وتوصف معاناتهم بقولها: "مياه المطر تقتحم المخيم وتفسد كل شئ بداخله، ووالدتي كما ترى عجوز يصيبها البرد فأظل امرضها واعتني بها طوال اليوم، وبين الحين والآخر تأتي بعض وسائل الإعلام التابعة للميليشيات الينا وتعطينا مبلغاً رمزياً مقابل أن نصرح بأن المقاومة في تعز هي التي اقتحمت منزلنا وتسببت في نزوحنا من تعز، والحقيقة هي أن الحوثة من قاموا بذلك واعتقلوا اخي ولا يزال معهم الى اليوم".
مساعدات قليلة ولأن أم مرشد ذات ال 40 عامًا، والتي نزحت من محافظة حجة، لا تملك المال لإستئجار منزل يؤويها مع اطفالها الثلاثة، فقد عمدت الى بناء كوخ صغير من الطين والقش في منطقة عطان بأمانة العاصمة، لكنه سرعان ما انهار بسبب الأمطار بعد فترة قصيرة من بنائه، لتنتقل بعدها إلى كوخ آخر في حي سعوان. تقول أم مرشد: "نزحنا إلى المخيم هربًا من الموت الذي كنا نراه كل يوم في حجة، لكننا هربنا من موت سريع ومريح الى موت بطئ". حاولت أم مرشد البحث عن عمل لتغذية ابنائها "اكبرهم 7 سنوات" و تدبير احتياجاتهم الأساسية، إلا أنها دائماً تعود خاوية الوفاض نتيجة لسوء الأوضاع الإقتصادية وانعدام فرص العمل، تقول وهي باكية :"لا نملك حالياً سوى ما نأخذه من مساعدات أهل الخير، اما الأمطار نسأل الله ان يخفف عنا العناء"
الامطار تجرف المخيمات من جهته، قال عايض النعيمي النازح بمخيم حريب: "إن الأمطار تتسبب كل عام في اقتلاع عشرات الخيم وإتلاف حاجيات النازحين، مشيراً إلى أن الأسر النازحة باتت بحاجة ماسة إلى مساعدات إيوائية عاجلة لإنقاذها مع اقتراب موسم الأمطار". وأكد أن غالبية المخيمات تشهد أوضاعاً إنسانية صعبة على مدار العام، لكن الأوضاع تزداد سوء مع تساقط الأمطار الموسمية، واشتداد الرياح التي تقتلع أحياناً بعض الخيام وتتلف أخرى، في ظل عدم توفر المقومات الأساسية للعيش في تلك المخيمات.