مشهد الشاب اليمني الذي جازف بالذهاب إلى دفن والدته المتوفاة وتعرضه للضرب من الشرطة الهندية كونه خالف أوامر الحظر مشهد هز أرواح كل من شاهده. ليس لأنه تعرض لضرب مبرح؛ وليس لأنه في بلد بعيد ليس بلده. بل لأن القيام بواجبه الأخير نحو والدته أصبح مستهجنا يستحق عليه العقاب المؤلم نفسيا قبل جسديا. الموت بعيدا عن الأهل والوطن هو أقسى ما تنتهي به غربة المرء وأبشع كوابيسه. لقد عمق انتشار وباء كورونا هذه المخاوف حتى أقصاها. ناهيك عن أثر الوباء في تباعد الناس عن بعضهم؛ والحكم على الكثير بالعزلة في الغربة. لفت انتباهي خبرا حول التراجع عن رفض المجلس الأوروبي للعلماء المسلمين دفن الموتى في بلدان غير إسلامية في أراض غير مخصصة لهم والذين توفوا بسبب الوباء وتعذر نقل جثامينهم إلى أوطانهم الأم بسبب الأحداث الراهنة وقولهم أن الأرض لا تقدس أحد وإنما الذي يقدس الميت هو عمله الصالح. تتناقل وسائل التواصل أخبار مسلمين قضوا بالوباء في بلدان أوروبية تعذر بحدوث الحجر الصحي المفروض أن تقام مراسم الدفن الإسلامية لهم. تغلق الحدود في وجه الجثامين أيضا ليس لتعذر نقلها فقط إنما خوفا من الموت القادم معها. يتم تسليم جثث الموتى لمكاتب دفن متخصصة تقوم بعملية الدفن بحسب الطريقة الاسلامية دون مصاحبة حتى أهل الميت. حقيقة ليس مؤلما كثيرا ألا تغسل وتكفن وتدفن على الطريقة الاسلامية؛ ما يؤلم حقا أنك لن تعود إلى الوطن حتى ميتا. قصص أخرى تتناقلها الأخبار عن رفض بعض الأهل وداع موتاهم أو دفنهم في مسقط رؤوسهم؛ شعور يحول المريض إلى شخص منبوذ كمن أجرم. لقد فعل هذا الوباء في الإنسانية ما لم تفعله حروب القطيعة والتناحر. لعل نتائجه أن التباعد الإنساني سيستمر سلوكا نفسيا طبيعيا عقب هذه الجائحة من بعد كل هذه المخاوف التي استشرت بين أوساط البشر. مؤلم ما وصلت إليه البشرية من ضعف الحيلة وترقب المجهول. التخويف من حال المرض والمريض أخرج أسوأ ما في تصرفات البشر؛ وإن كانت هناك ملامح مضيئة لآخرين. لا أحد يريد أن يموت بعيدا عن أهله على سرير مستشفى أو داخل حجرة عزل نفسه فيها بسبب الوباء؛ إنها نهاية مؤلمة أكثر من أي خيال يتوقعها قلب. لا أحد يريد أن يموت في غير وطنه غريبا؛ فحتى الموت على أرض الوطن له دفء الاحتضان الأخير.