لعقود عديدة ظل الإعلام في اليمن- بمختلف أنواعه- يخطو نحو التطور والمهنية والمأسسة ببطء شديد، رغم أن اليمن كانت الأولى في منطقة الخليج والجزيرة العربية في هذا الجانب من خلال صحيفة صنعاء وتلفزيون وإذاعة عدن، وظل الإعلام الحكومي متصدرا المشهد حتى إعلان الوحدة وبالتالي أقرت التعددية الحزبية متضمنة انطلاق الحديث عن حرية الصحافة والإعلام. منذ مايو 1990م شهدت اليمن تطورًا لافتًا وتوسعًا كميا في الجانب الإعلامي على الأقل في الصحافة المطبوعة، ومع ولوج الألفية الثالثة انطلقت الصحافة الإلكترونية ثم القنوات الفضائية والإذاعات ال (إف إم)، واستمر الحديث عن هامش حرية الصحافة في ظل وجود رغبة سلطوية وخطوط حمراء تمنع تجاوزها، لكن كان للصحافة والإعلام عموما دورٌ رئيسيٌّ في صناعة وعي جمعي لدى الشعب اليمني يرفض الاستبداد والفساد والذي انتهى إلى ثورة 2011. توسع الهامش في حرية الصحافة كما وكيفا عقب ثورة شباب اليمن في 2011، رغم استمرار الاعتداءات عليها، إلا أنها كانت أخصب مرحلة تشهدها اليمن، زخرت بالغث والسمين، ويعتقد كثيرون أن جزءًا من هذا الإعلام كان له دور أيضاً في تضليل الرأي العام، والتحشيد ضد مؤسسات الدولة، وخاصة الجيش والأمن حتى الوصول إلى كارثة 21 سبتمبر 2014م. في هذا التاريخ كانت مليشيا الحوثي القادمة من كهوف الشمال تجتاح العاصمة صنعاء، وكانت أولى أهدافها المؤسسات الإعلامية والإعلام الوطني بشكل عام، وفي المقدمة منها مؤسسة التلفزيون اليمني الرسمي بقنواته الثلاث التي تعرضت لهجوم مدفعي وصاروخي شرس، تبعه استهداف القنوات الأخرى مثل قناة سهيل، ويمن شباب، وإذاعات؛ حياة إف إم، وناس برس، وصحف مطبوعة والكترونية، مثل الصحوة والمصدر ...إلخ. كانت هذه المليشيا موجهة من قيادات تعي عدوها الأول جيداً وهو الإعلام ويتضاعف الاستهداف حينما يكون هذا الإعلام تابع لحزب التجمع اليمني للإصلاح أو يديره ويمتلكه أشخاص ينتسبون للحزب أو يتفقون معه في القضية الوطنية والمبادئ الجمهورية، والاصطفاف إلى جانب الدولة والشرعية الدستورية. تم القضاء تماماً على الهامش في حرية الصحافة، والمولود المسمى الإعلام اليمني الذي كان في مرحلة الحبو تم قتله ودفنه وإهالة التراب عليه، لم يعد هناك إلا صوت واحد بعد أن تم القضاء حتى على إعلام الحليف في الانقلاب وإعلام الذين وقفوا على الحياد أو تواطئوا أو صمتوا، ولم يعد العويل على الهامش في الحرية فقط، وإنما تم القضاء على الإعلام والصحافة ذاتها. مؤسسات الإعلام الرسمي تلفزيون وإذاعات وصحف مطبوعة وإلكترونية تم اختطافها كبقية مؤسسات الدولة، وتصفية كوادرها وتغيير سياستها، وتحولت إلى أدوات توجيه طائفي سلالي بمحتوى يعلي من شأن الموت والصنمية السلالية وتفرغ الدولة والجمهورية والوطنية من محتواها. والإعلام الخاص والحزبي تم نهبه، وملاحقة كوادره، رغم ما قدمه بعضهم من تواطؤ مع المليشيا قبل وأثناء دخول صنعاء. لكن النصيب الأكبر المستهدف بالتدمير والاجتثاث ناله إعلام التجمع اليمني للإصلاح أو الخاص والأهلي المحسوب عليه أو يمتلكه أو يديره إعلاميون منتسبون للحزب، وحتى دوائر إعلام الحزب كانت هدفاً للمليشيا ضمن حملة الاستهدافات التي طالت مقرات الحزب المركزية وفي المحافظات والمديريات والتخصصية. كان الإصلاح يعد الحزب الثاني بعد الحزب الحاكم الذي يمتلك مؤسسات إعلامية؛ بدءاً من صحيفة الصحوة المطبوعة والإلكترونية، ثم قناة سهيل الفضائية وموقع الإصلاح نت، إلى جانب العديد من المؤسسات التي يديرها ويعمل فيها إعلاميون إصلاحيون، وكانت كلها تعمل ضمن منظومة واحدة في إسناد الدولة والشرعية الدستورية التي يمثلها الرئيس عبدربه منصور هادي، وواجهت الإعلام الآخر من منطلق جمهوري يجعل الإمامة التي يمثلها الحوثي عدواً لا يمكن التساهل معه، ولذلك كانت محل نقمة المليشيا بصورة متوحشة واجتثاثية. الحريات الإعلامية خلال 6 سنوات لم يكن موقف جماعة الحوثي من الإعلام نابعاً فقط من العقلية المليشاوية والاستبدادية التي تعشعش في عقول منتسبيها، لكنه توجه معلن لدى قياداتها منذ اللحظة الأولى لاجتياح صنعاء حينما افتتحت الهجوم بقصف مدفعي وصاروخي ثم حصار واقتحام للتلفزيون الرسمي بقنواته الثلاث (اليمن، سبأ، الإيمان)، فقد عبر عن ذلك التوجه زعيم المليشيا في أكثر من خطاب وهو يتحدث عن ضرورة خوض الحرب ضد الإعلاميين لأنهم أخطر من المقاتلين في الميدان. شهدت اليمن خلال هذه الفترة منذ 21 سبتمبر 2014م عملية تدمير لبنية الإعلام وتصفية كوادره وانتهاك لحرياته ربما مالم تشهده خلال 5 عقود، من حيث الاختطاف للمؤسسات، والنهب، والاغلاق، والفصل من الوظيفة، والحرمان من مصدر الدخل، وقطع المرتبات، والقصف، والسيطرة الأمنية المليشاوية، وملاحقة الصحفيين ومنتسبي الإعلام وفي المقدمة المصورين، واستهدافهم في المعارك، واختطافهم، وتعذيبهم، ومحاكمتهم في محاكم هزلية، وإصدار أحكام إعدام، وتشريد من نجا منهم وتمكن من الخلاص، ونزوح في داخل المحافظات وخارج الوطن، ووصل الحال إلى وفاة إعلاميين كبار لأنهم لم يجدوا ما يسدون به رمق أطفالهم، ويداوي مرضهم وأمراض من يعولون، واضطر العشرات للتحول إلى باعة متجولين، أو مغسلي سيارات، أو جامعي علب البلاستيك الفارغة لبيعها. وصل عدد الشهداء من الإعلاميين الذين قتلوا بطرق شتى خلال هذه السنوات إلى 36 شهيداً وعشرات الجرحى والمصابين، واعتقل العشرات لازال 15 صحفياً منهم يتعرضون للتنكيل والتعذيب أغلبهم لدى مليشيا الحوثي، وتشرد ونزح المئات إن لم يكن الآلاف من العاصمة صنعاء ومدن أخرى إلى المحافظات ومختلف دول العالم، وصار لوسائل الإعلام الرسمية نسختان؛ الأولى تديرها المليشيا من صنعاء بمحتوى مناقض حتى للاسم الذي تحمله، ووفق أجندة وموجهات طائفية سلالية واضحة، والنسخة الثانية تديرها الشرعية وتفتقد كل أساسيات العمل من بُنى مؤسسية، وتقنيات وإمكانيات وكوادر مدربة ومؤهلة ووطن آمن ومستقر تعمل من خلاله. إعلام الإصلاح الضحية الأكبر كانت مشكلة إعلام الإصلاح مضاعفة، فهو استُهدِف كصوت يكشف حقيقة هذه المليشيا والجماعة القادمة من كهوف التاريخ، بأفكارها العنصرية والسلالية التي عانى منها اليمنيون منذ قرون عديدة، وأيضا فقد رفع الحوثيون شعاراً للحرب مبرراً اختطاف مؤسسات الدولة واجتياح العاصمة وارتكاب الجرائم والانتهاكات لحقوق الإنسان اليمني بلافتة التخلص من الإصلاح وبعض وحدات الجيش والشخصيات الاجتماعية. كان الاستهداف مركّزاً باتجاه الإعلام الرسمي والإعلام الإصلاحي لاحتواء الأول والسيطرة عليه، واجتثاث الثاني وقمعه وإخراسه بشكل تام، لأن الإعلام الإصلاحي كان السند للإعلام الرسمي والدولة ومؤسساتها عموما في مواجهة المشروع الكهنوتي الذي تحمله المليشيا، إلى جانب حضوره وتأثيره شعبيا، وتحييد أو احتواء إعلام الأطياف الأخرى التي تحولت لاحقا إلى ضحية للمليشيا، حينما انتهى الدور إليها. يبدو واضحا أن الاستهداف للإعلام الإصلاحي كان مضاعفاً واستثنائياً، ومحاولة اجتثاثه مؤسساتٍ وكوادرَ، فعلى على سبيل المثال، أغلب من اختطفتهم المليشيا من الإعلاميين أفرجت عنهم؛ باستثناء الإعلاميين الإصلاحيين كانوا هم الأكثر من حيث مُدد الاعتقال وصنوف التعذيب النفسي والجسدي وقساوة الأوامر القضائية المزعومة ضدهم. الرصد أدناه لم يشمل محافظاتتعز وحضرموت وصعدة، حيث أن صعدة كان قد تم ملاحقة الإعلاميين الإصلاحيين فيها قبل سبتمبر 2014، وحضرموت لم تسجل أي انتهاكات، أما محافظة تعز لم يشملها الرصد لعدم توفره فيما تعرض الإعلاميون للكثير من الانتهاكات أدت لاستشهاد بعضهم أثناء تغطية المعارك، وتعرض آخرون للملاحقات والاختطاف في مناطق سيطرة المليشيا. وبلغ إجمالي الانتهاكات المرصودة التي طالت إعلاميي الإصلاح ومؤسساته الإعلامية الرسمية ودوائره الإعلامية بالمحافظات 767 حالة انتهاك، توزعت مابين القتل والإخفاء والتعذيب والاختطاف وتدمير المنازل والفصل من الوظيفة العامة وتوزعت على النحو الآتي: شهداء وجرحى خسر الإصلاح 11 شهيداً من الصحفيين 3 في مأرب و3 في الجوف و2 في تعز و2 في ذمار وواحد في الضالع وأحدهم في الجوف كان يعمل أيضا رئيسا للدائرة الإعلامية بمحافظة الجوف فيما الشهيد الذي تم اغتياله في الضالع كان نائب رئيس دائرة إعلامية، وأصيب 23 إعلامياً إصلاحياً؛ 8 في مأرب، و5 في الجوف، و3 في محافظة صنعاء، و 2 في محافظة حجة، و 4 في ذمار، وواحد في إب، أغلبهم تعرضوا للاستهداف بالقصف أو القنص أثناء قيامهم بتغطية المعارك لصالح وسائل إعلام يمنية وعربية ودولية، وتعرض 14 صحفيا إصلاحيا للاعتداء الجسدي، تقاسمتهما العاصمة صنعاء ومحافظة الحديدة.
التهديد والترويع تعرض 116 إعلامياً إصلاحيا للتهديد والترويع، كانت ذمار الأولى ب 25 حالة مسجلة، تلتها الحديدة ب 24حالة، ثم إب 22، والمحويت 16حالة تهديد وترويع، و13حالة في عدنومحافظاتلحج والضالع وأبين، و8 حالات في محافظة حجة، و3 في محافظة صنعاء، و2 محافظة البيضاء.
الاختطاف كان إجمالي الإعلاميين الإصلاحيين المختطفين خلال الفترة من سبتمبر 2014 وحتى يونيو 2020م 120 مختطفاً، شهدت العاصمة صنعاء 40 حالة اختطاف، لتحل في المرتبة الأولى، تليها محافظة ذمار 15 حالة، وعمران 13 حالة، والمحويت وإب 12 في كل واحدة منهما، والحديدة 11، و7 في حجة، و4في كل من البيضاء ومحافظة صنعاء و2في الجوف. ووصل عدد الإعلاميين الإصلاحيين الذين تعرضوا للإخفاء القسري خلال هذه السنوات إلى 22 إعلامي؛ 11 في العاصمة صنعاء، و4في ذمار، و3 في محافظة صنعاء، و2في حجة وواحد في كلٍّ من الحديدةوالجوف.
التعذيب تعرض 54 إعلامياً إصلاحياً للتعذيب خلال عمليات اختطافهم أو إخفائهم قسرياً؛ تصدرت محافظة ذمار 19 حالة تعذيب، ثم العاصمة صنعاء 15 حالة تعذيب، فيما شهدت عمران 3 حالات تعذيب والبيضاء حالتين وحالة واحدة في كل من الحديدةوحجة. ووضع 4 إعلاميين كدروع بشرية في أماكن قصف الطيران استشهد منهم الصحفيان عبدالله قابل ويوسف العيزري وأصيب آخران. وصدرت أوامر بالإعدام ضد 4 إعلاميين إصلاحيين من قبل قاضي الجزائية المتخصصة التابع لمليشيا الحوثي. وتعرض 15 إعلاميا إصلاحياً لمحاكمات سياسية في أمانة العاصمة لدى قضاء مليشيا الحوثي الانقلابية.
فصل من الوظيفة العامة رصدت دائرة الحقوق والحريات في الإصلاح إقدام مليشيا الحوثي الانقلابية على فصل 37 إعلاميا إصلاحيا من وظائفهم العامة في مؤسسات الإعلامية الرسمية ومؤسسات حكومية أخرى، 15 منهم في محافظة صنعاء، و6 في محافظة إب، و2 في كل من ذماروالحديدة، وواحد في كل من البيضاء وإقليم عدن، وهناك العشرات غيرهم ممن تم فصلهم وإبعادهم من وظائفهم بطرق شتى لم يتسن للدائرة رصدهم.
مصادرة دخل وتعرض 26إعلامياً لمصادرة دخلهم من مؤسسات حكومية، 8 منهم في محافظة إب، و6 في ذمار، و2 في كل من محافظتي صنعاءوحجة، وواحد في إقليم عدن، وهناك العشرات من الإعلاميين ممن انقطعت مرتباتهم للعام الرابع على التوالي كبقية موظفي الدولة.
تفجير منازل واحتلال ونهب تعرض 3 إعلاميين إصلاحيين لتفجير منازلهم؛ اثنان في محافظة الجوف، وواحد في محافظة صنعاء، واحتلال منزل إعلامي رابع في محافظة الجوف. وكان 30 منزلاً تابعاً لإعلاميين إصلاحيين عرضة للاقتحام والنهب، 8 في محافظة الجوف، و6 في الحديدة، و5 في العاصمة صنعاء، واثنان في كل محافظة من المحافظات (ذمار، عدن، عمران، البيضاء) ومنزل إعلامي واحد في محافظة صنعاء.
مؤسسات الإعلام الإصلاحي تعرضت 22 مؤسسة إعلامية إصلاحية؛ قنوات، وصحف، ومواقع ودوائر الإعلامية للنهب لكل محتوياتها وأجهزتها ومستلزمات العمل الإعلامي، وحجبت شركة الانترنت التي تسيطر عليها المليشيا 17 موقعاً إخباريا إصلاحياً، بينها الصحوة نت والإصلاح نت ومواقع تابعة للدوائر الإعلامية في المحافظات، غير المواقع الإخبارية المستقلة التابعة لمؤسسات إعلامية يديرها أو يمتلكها إصلاحيون، فيما تعرضت 8 مواقع إخبارية للقرصنة.
رغم الوجع سنظل بعد حرب الاجتثاث التي تعرض لها الإصلاح والإعلام الإصلاحي ضمن الاستهداف للمشروع الوطني برمته والتدمير الممنهج للدولة التي ناضل لأجلها أحرار اليمن لعقود، ومحاولة إفراغ الجمهورية من محتواها الحقيقي لصالح مشاريع صغيرة سلالية ومناطقية ولحساب أجندة خارجية، إلا أن إعلام الإًصلاح انبعث من تحت ركام الحرب مستمراً في أداء دوره الوطني متصدرًا المشهد ومواكباً للمعركة التي تخوضها السلطة الشرعية بدعم من التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية الشقيقة. فقد الإصلاح أغلب بُناه وتجهيزاته وإمكانياته الإعلامية المدمرة والمنهوبة من قبل المليشيا سواء في المؤسسات الإعلامية أم الدوائر الإعلامية. لكنه أعاد ترتيب وضعه بإمكانياته الشحيحة المتوفرة للاستمرار في هذا الدور المدافع عن مصالح اليمن واليمنيين، ومواجهة المشروع الإمامي والمشاريع الأخرى للعمل في المناطق المحررة أو من خارج اليمن وخاصة الشقيقة السعودية التي احتضنت ودعمت جزءاً من الإعلام الإصلاحي كقناة سهيل والإعلاميين الإصلاحيين. لقد فشلت القوى الكهنوتية في إخراس هذا الصوت الذي يتصدر المشهد ويتواكب مع المعركة السياسية والعسكرية للشرعية والتحالف العربي، ولازالت المحاولات مستمرة لاخراسه؛ ليس من مليشيا الحوثي التابعة لإيران وحدها، ولكن هناك قوى أخرى تعمل بكل ماتمتلك لمنعه من العمل في بعض المحافظات والمناطق المحررة، إلى جانب دعم إعلام مشبوه إمكانياته مهوولة، بعضه كان رافداً للمليشيا الحوثية قبل وبعد اجتياح صنعاء، وبعضه الآخر تأسس حديثا يسعى لتشويه الحقائق وتضليل الرأي العام، ويستهدف الإصلاح كحزب ومن خلاله المشروع الوطني والدولة اليمنية وحتى النسيج الاجتماعي وأيضا الإعلام الإصلاحي بشكل أساسي.