بهذه المناسبة -مرور ثلاثين سنة على تأسيس التجمع اليمني للإصلاح- أُذكّر بأهم مسارين للتجمع اليمني للإصلاح, هما المسار الفكري, والمسار السياسي، ويهدف المقال إلى تذكير أفراد الحزب ومحبيه، ومن لا يعرفون الحزب إلا عن طريق أعدائه بأنه حزب لخدمة الوطن، وأعضاؤه يسخّرون أنفسهم في خدمة الوطن, وهم كذلك. أقول: إن الأعمال المختلفة التي يمارسها فرد أو حزب أو أي مؤسسة تكون انعكاساً لما يحمل من أفكار وتصورات ولوائح ومسارات فكرية, وإذا أردنا أن نفهم خلفية حزب التجمع اليمني للإصلاح, فلنرصد أنشطته الفكرية, والسياسية, وتحالفاته, ومواقفه, بعين الدالة والإنصاف, فهي انعكاس لعقل الحزب المتمثلة بنظامه الأساسي, وأدبياته, وأنشطته, السياسية, والفكرية, وتحالفاته السياسية, وفهم مساره الفكري. أولا: المسار الفکري الثقافي علماء التغير الاجتماعي قالوا: جزء من الحاضر يكون امتداداً للماضي, ما لم يحدث انقطاع عن الماضي، فجذور ماضي التجمع اليمني للإصلاح كما قال المؤرخ عبد الملك الشيباني -رحمه الله- تمتد إلى حركة الإصلاح اليمنية التي ظهرت تقريبا في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، وكان من أبرز رموزها الإمام الشوكا ني، وابن الأمير الصنعاني، وابن الوزير، وغيرهم. وهي حركة إصلاحية جمعت بين الإحياء الديني, والنضال السياسي ضد الإمامة العنصرية المستبدة الفاسدة، وتميزت حركة الإصلاح اليمنية منذ ظهورها بالاعتدال الفكري, والانفتاح السياسي، واستفادت من الحراك الإصلاحي في العالم العربي إبّان الثورات ضد الاستعمار والاستبداد، وهذا ما يلحظه المتابع لمسار حركة حزب الإصلاح اليمني، فعلى سبيل المثال أولا: الاعتدال الفكري الثقافي رغم أن الظروف الزمانية والمكانية التي ظهرت فيها حركة الإصلاح اليمنية اتسمت بالجهل الديني الرهيب, وغياب الوعي، وانتشار الخرافات الإمامية بتعمد, وباسم الدين الإسلامي، والاستبداد السياسي بالحق الإلهي، مما يستدعي ردة فعل عنيفة حيال هذا التشويه للإسلام, وللعقل والمنطق، إلا أن ظهور حركة الإصلاح اليمنية -كردة فعل على ذلك- اتسمت بالاعتدال منذ البداية، وبدأت حركة العمل وفق سنة الله في التدرج، وذلك بالإحياء الدينى, والقضاء على الخرافات والبدع التي نشرها الأئمة في الدين والسياسة على حد سواء، وبدأت -في نفس الوقت- في النضال السلمي ضد نظام الكهنوت الإمامي الفاسد، وبدأت بنشر الوعي الديني والسياسي في أوساط الشعب، مما تسبب بالصدام المبكر بينها وبين نظام الإمامة، الذي مارس القمع ضد العلماء والدعاة والمصلحين، لكن ذلك لم يمنع الحركة الإصلاحية من الاستمرار في نهجها الفكري والسياسي المعتدل. ظلت الحركة الإصلاحية اليمنية تؤدي أدواراً فاعلة ومؤثرة في مختلف مراحل النضال الوطني, رغم ما مرت به اليمن من أحداث ومحن في تاريخها، إلا أن ذلك لم يؤثر على النهج الفكري المعتدل للحركة الإصلاحية اليمنية، وظل الاعتدال الفكري سمة ملازمة لتلك الحركة عموما, مع وجود شواذ يخرجون عن المسار كطبيعة فردية بشرية, وترسخ الاعتدال بشكل أكبر. ولهذا لما جاءت الوحدة المباركة, وأُعلنت التعددية السياسية, تجمع ثُلة من السياسيين, والاقتصاديين, ووجهاء اليمن, وشكلوا لجاناً تحضيرية, وأسسوا التجمع اليمني للإصلاح, مستفيدين من التدافع السياسي الذي حدث عام 1990، بعد إعادة تحقيق الوحدة اليمنية المباركة، والسماح بالتعددية السياسية والحزبية في البلاد، ومنذ تأسيس الحزب وحتى اليوم، ظل التجمع اليمني للإصلاح يعمل جاهدا على نشر الوسطية والاعتدال، ويناهض التطرف والغلو والتشدد. ولهذا كان لخطابه الفكري المعتدل قبولا واسعا, أكسبه شعبية كبيرة في أوساط مختلف فئات الشعب، خاصة في أوساط الطبقة الوسطى المثقفة, والمتعلمة، وفي الوسط الطلابي، وفي النقابات والمنظمات الجماهيرية، ليتحول بذلك الإصلاح إلى لاعبٍ سياسي كبير, يعمل من أجل الحفاظ على المكتسبات الوطنية، وعلى رأسها أهداف ومبادئ ثورة 26 ستمبر, ويقف بقوة واقتدار إلى جانب الدولة, ومؤسساتها, والنظام الجمهوري الديمقراطي التعددي، والتصدي للمشاريع الصغيرة التي تنتمي إلى زمن ما قبل الدولة، سواء كانت مشاريع عائلية, أو قبلية, أو قروية, أو مناطقية, أو سلالية عنصرية, وكان من نتائج هذا أنه أسهم بشكل كبير في محاصرة الأفكار المتطرفة والمتشددة، والتي تمثل المنبع الرئيسي المغذي للصراع. إن الخطاب الفكري المعتدل للتجمع اليمني للإصلاح جنّب اليمن الانزلاق إلى ما يمكن وصفه بالإرهاب الفكري, فالخطاب الفكري المعتدل لحزب الإصلاح جعله في مرمى الخطاب المتشدد لبعض الجماعات, والشخصيات التي وصفته بالمتساهل، إلا أن الإصلاح لم يلتفت لذلك ولم يكلف نفسه عناء الرد على مختلف التهم الموجهة له. ثانيا: الانفتاح السياسي تشكل ظاهرة الانفتاح السياسي التي اتسم بها حزب الإصلاح منذ تأسيسه -وحتى اليوم- قناعة لا يجهلها أحد من خلال تحالفاته لصالح الوطن اليمني, والمصلحة العامة للأمة، فحزب الإصلاح لا يبني مواقفه من قضايا الوطن والأمة, وفقا لتعصب أيديولوجي حزبي ضيق، أو مسايرا للعداوة التاريخية بين التيارات الأيديولوجية المختلفة في العالم العربي، وإنما جعل -ويجعل -مصلحة الوطن وحماية الدولة والمجتمع, الأساس الصلب الذي يبني عليه علاقاته مع الآخرين، وليس الموقف الأيديولوجي أو الحز بي، ولهذا نجد أن التحالفات السياسية لحزب الإصلاح كانت -ومازالت- تدور مع مصلحة الوطن حيث دارت، وهو من أجل ذلك قدم تضحيات جسيمة، وهذه جبهات القتال ضد المشروع الإمامي الكهنوتي الانقلابي المدعوم من مذهب إيران الإثناعشري شاهدة على ذلك، ولم يحدث أن تاجر الإصلاح بقضايا الوطن بحثا عن مكاسب ومصالح ضيقة. لقد تحالف حزب الإصلاح مع علي صالح في البداية من أجل الحفاظ على الوحدة, وعلى الديمقراطية الوليدة، وعندما بدأ نظام علي صالح يعمل ضد مصلحة الشعب، وانتشر الفساد المالي والإداري في داخله، وانتهج سياسات خاطئة, أنتجت مشاريع التقسيم, وعودة الإمامة، والتوظيف السياسي للإرهاب, والفقر, والجوع, والبطالة، ثم اختتمها بمحاولة إفراغ النظام الجمهوري الديمقراطي من مضمونه, من أجل مشروع التوريث، كل ذلك جعل الإصلاح ينهي تحالفه مع نظام علي صالح، ويساهم مع أحزاب أخرى، ذات تو جهات علمانية, وقومية, ويسارية, بل ومذهبية, وغيرها في تشكيل تحالف جديد, أُطلق عليه اللقاء المشتر ك, بهدف وضع حد لعبث نظام علي صالح بالمكتسبات الوطنية, وثروات البلاد, والنظام الجمهوري الديمقراطي التعدد ي، وبعد الانقلاب على الدولة من قبل مليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران الإثناعشرية، وبالتحالف مع علي صالح وجناحه في حزب المؤتمر، ألقى الإصلاح بكل ثقله للتحالف مع السلطة الشرعية, والتحالف العربي لدعم الشرعية، ورَفَضَ كل عروض الانقلابيين وابتزازهم له, للتخلي عن دوره الوطني في مرحلة عصيبة وحساسة، إلا أن الإصلاح فضل الانحياز للدولة, رغم ما سيكلفه ذلك من خسائر باهظة، فلم يداهن مشروع الانقلاب من أجل سلامته وسلامة أعضائه, وهاهو يدفع ثمن انحيازه للدولة والوطن. وما زال الإصلاح اليوم يدعو مختلف التيارات الوطنية إلى تجاوز المعارك الجانبية الضيقة فيما بينها، والانخراط في تحالف وطني كبير ضد مختلف المشاريع الهدامة, التي تعصف بالوطن، ومحاولات تمزيقه وتفتيته، من أجل مشاريع بدائية, سواء كانت عنصرية سلا لية, أو قروية مناطقية، تشترك جميعها في الهمجية والتخلف والانتماء إلى زمن ما قبل الدولة، وتتماهى مع مشاريع أجنبية تسعى إلى تمزيق البلاد, ومحاولة الهيمنة عليها من خلال أفراد جهلة وفقراء, يمارسون الارتزاق كمليشيات محلية اختيرت بعناية, لا تؤمن بالولاء للدولة, ولا للوطن, ولا تعترف بفكرة الدولة، بضاعتها الوحيدة العمالة والارتزاق. الانفتاح السياسي لحزب الإصلاح في محطات تاريخية مفصلية لقد تحالف مع نظام علي صالح لمصلحة الوطن، وتحالف الإصلاح مع أحزاب قومية وعلمانية ويسارية تحت مظلة (اللقاء المشترك) لمصلحة الوطن, والحفاظ على الديمقراطية، وأصبح الإصلاح أحد أبرز المدافعين عن الدولة, والسلطة الشرعية, وكان أبرز مساندي ثورة 11 فبراير 2011 ضد نظام علي صالح ومشروع التوريث، وما كان لهذا أن يحدث لولا الاعتدال الفكري, والانفتاح السياسي, اللذان اتسم بهما التجمع اليمني للإصلاح منذ تأسيسه.