اليمن تحتوي على كل ما في العالم( أ/عبدالله البردوني. *ثمة عوامل مختلفة تحاول الورقة سبرها وتبيانها واستكشاف كنهه أبعادها حيث جعلت الجغرافيا كأحد المحددات والعناصر المشكلّة للهوية في اليمن وصولاً الى جعل الجغرافيا تلك هوية قائمة بذاتها ومعبرة عنها، وهذا ما ستبينه الورقة تباعا وبما يفي بالعنوان ويجلي تلك الأزمة المنتشرة افقياً وعموديا وذلك من خلال الآتي: أولا: الجغرافيا ذاتها كتاريخ.. تاريخية الجغرافيا: ---------------------------------------- حيث ان لكل منطقة حدودها الخاصة باسم القبيلة كانت او وفقاً للتقسيم الاداري السيء كمحافظة او مديرية او عزلة حيث عملت على ترسيخ ذلك وساعدت في تسيسها ولم تراع الظروف والعوامل الديمغرافية والتنموية والطبوغرافية بل كانت وفقا لمنظور سياسي سقيم تبعا للمتحكمين بالقرار السياسي والمتفردين به وطريقة عمل النظام السياسي وبناه المختلة واهدافه المرذولة، ولهذا اضحى لكل منطقة او مديرية او عزلة او محافظة نكهتها الخاصة ولهجتها الخاصة ودينامياتها الخاصة معززة بالعادات والتقاليد الراسخة البنى والمتماهية مع ذلك التقسيم العليل مما جعل للجغرافية تلك واعطاها بعد الثابت المتعاضد )بالسالف( لكل منطقة او قبيلة او فئة او عائلة واضحت ما يمكن تسميته)بالزمنيةالهوياتية( المتماهية والمتقاطعة كمفارقة صارخة وفجة مع نرجسية)الانا( المغالية والمنفلتة من كل عقال، سيما وان لكل منطقة او محافظة رموزها الخاصة ومعالمها الخاصة كمارب)سبأ/صرواح(او حضرموت/شبوة، او اوسان وقتبان ومعين وحمير)ذوريدان(وتهامة الاشاعر ومذحج يحابر مراد/عنس،او لحج/يافع، التاريخ القديم مرورا للتاريخ الوسيط او الاسلامي كالأشرفية والرسولية في تعز والحديدة، او الطاهرية في الضالع ورداع واجزاء من اب كبعدان وغيرها، او النجاحية والزريعية في عدن والقرامطة في اب وامتداداتها الى الجنوب والغرب وما الى ذلك او الزيدية صعدة وماجاورها او ماقبل ذلك كحضرموت وصنعاء والجند وغير ذلك . خصوصا وان لكل منطقة ووفقا لزمنية الهوية وتاريخيتها رموزها ومعالمها ومميزاتها سواء كالرموز الدينية او المعالم الحضارية او الشخصيات الاعتبارية والقيادية والثقافية والتاريخية كحضرموت قبور الانبياء وتريم بمساجدها ومبانيها وزبيد بإرثها وصنعاء بحضورها وعدن بجمالها وكارزميتها اضافة الى الحصون والقلاع والسدود والحضور في فترة متسقة او منقطعة وصولا الى الأضيق كحاشد وبكيل وحمير ومذحج والعوالق وبني هلال المنتشرة او نهد حضرموت او عبيدة ابراد والسراة، يافع والحبيلين العواذل وآل فضل، ناهيك عن الهواشم او السادة او قحطان وما الى ذلك من تمثلات وتموضعات وتشكلات موغلة في التاريخ قدما حقيقية كانت او اسطورية وهمية خرافية أو حقيقة مؤسطرة ومتخيلة وهذا ما ينتج ويبرز وهم الهوية والانتماء وحقيقتها ككل. -هذه الرموز والمعالم والموروث التاريخي المرتبط بالجغرافيا يعززها ويبرزهااكثر عند قرائتنا للتاريخ بطريقة سردية و مبتسره واختزالية واسقاط تعسفي خاطئ ان لم يكن خطيئة، وبهذا يصبح العقل كما يقول برهل)عبارة عن ذهنية مرتبطة بالجغرافيا لا بالتاريخ( والسبب الرئيس في هذا بتصور الباحث لم يقم على ذهنية التساؤلات القلقة احتراما/اين اخطأنا واين اصبنا؟ ما سرّ سيادة منطقة ما واحتلالها المركز ومنطقة القلب في الاحداث تلك على ما عداها؟ ما الظروف والملابسات الداخلية والخارجية؟ وهل تلك المناطق وحضورها المكثف في تلك الفترة قائم بذاته مما اهلها لقيامها بذاتها ايضا؟ ام ان ذلك الحضور كان شيء لم يكن بدون التعاضد الاخر بأخواتها؟_هذه الاسئلة القلقة والقارئة لقارئها ومؤسطرها والمستكشفة للذات والكينونة الاساس هي التي بغيابها سطت تلك النزعات عليها واسقطت عقد اللؤلؤ المنتظم وشوهته واحالته جحيما بعد نعمى،والتي اوجزها البردوني الفذ بقوله: - كنا كعقد لكن لم يجد عنقا**صرنا جناحين لكن اينا طارا؟ ثانيا:الحروب وافرازاتها: -------------------------- إن الحروب المجترّة باليمن لسبب أو بدون سبب التي قامت باليمن ولاتزال للأسف اليوم قائمة سواء تلك الموغلة في رحم التاريخ كحروب الدويلات والممالك القديمة، وحروب الائمة مع الدويلات تلك في العصر الاموي والعباسي وما تخللتها من احداث او ما بعد قيام الثورتين المجيدتين سبتمبر واكتوبر أو ما تخلل تلك الثورتين من صراعات عميقة وحروب قبلية/قبلية او حروب مشنّة من قبل الانظمة على بعضها او ضد مناهضيها كحروب المناطق الوسطى التي امتدت الى ثلثي اليمن تقريبا وحرب 94 وحروب صعدة الست وحروب ما يسمى القاعدة والارهاب ،اضافة إلى حرب الحوثية اليوم وعنف الإنتقالي وحربه وبغض النظر عن اسباب تلك الحروب ووجاهتها من زاوية من قاموا بها وكانوا وقودها او قادتها على حد سواء قد افرزت نتوءات وتصدعات وشروخ عميقة تركت اثارها المدمرة وابرزت امراضا وعللا على مختلف الصعد نذكر ابرزها واهمها: 1-احدثت الحروب تلك انقسامات متعددة وجذرتها وساعدت على انتشار قيمها وثقافتها المهترئة والممقوتة والكارثية وجدانيا وارضا وانسانا وعقلا فأعاقت أي حراك جماهيري شعبي واسع الطيف وذو وزن سياسي واجتماعي معتبر، كما خلقت ورسخت للعصبويات المقيتة والصارخة والفئوية المستقذرة، ووسمت الجميع بحرب الكل ضد الجميع. 2- أبرزت الانتهازية والوصولية وأحالت ثقافة الإباء والنخوة والحمية إلى عار ساعد على الانبطاح والانهزام والتقوقع والتخلف المريع وأصبحت الثأرية هي العنوان، واللاثقة بالقريب هي القاسم المشترك، وان الارتزاق وطلب النجدة والنصرة من الخارج وربما العدو بقصد سحق الخصم واكتساب الوهم-ظنا خطأ-انه في الصواب او عينه وهو مايسميه البر دوني )بالعقدة اليزنية(او ما تنتجه من ثقافة تحكيمية كما اسماها وتوصل اليها الدكتور محمد الظاهري والمسالمة مع الغريب على الخصم القريب. 3-رسخت الاستبداد والتسلطية المقيتة والفاسدة في المجتمع وكرسته مما جعلها بنى وانساق ثقافية يتوارثها الأبناء عن الاباء كأحد الثوابت المركزية وبحيث اتخذت تلك البنى تموضعاتها في عقل ووجدان المجتمع وبحيث )التخلف كأيدولوجية رسمية في التعامل(كما يقول بذلك الشهيد الراحل جارالله عمر قد انتقل الى البنى الاجتماعية وافرازاتها السياسية ككل ومن ثم تغلغلها في قاع المجتمع وتمددها افقيا ناهيكعن انتشارها عموديا. 4- افرزت الحروب تلك وأحيت الولاءات الضيقة وكرستها بل والأنكى بررتها واصبحت منهلاً لها ،اضافة الى ان الحروب تلكجعلت الحروب بالوكالة لأطراف اقليمية ودولية أو لأطراف تسلطية في داخل النظام السياسي هي السائدة. 5- شجعت المناطقيه المأفونه والمتعفنة وطيّفت المجتمع واحالته لكنتونات مغلقة وجزر معزولة ومشتتة الجهد ،واضرت بالسلم الاهلي والوحدة الاجتماعية ككل. 6-حاولت قتل روح الاخاء والتعاون وقيم التعاضد وحق الجوار والمصداقية والشيم في النفوس واحالتها الى قيم مسخ ومشوهة. 7-قضت على الطمأنينة والسكينة العامة والوقار في الشخصية اليمنية واستبدلتها بالنزق واللاثقة والقلق العام والاستلاب وحب السيطرة والاستعلاء والانتقام والسلب والنهب المنظم حيث اضحت القوة استراتيجية وهذا ما هو قائم اليوم. 8-انتجت تلك الحروب مجتمعة ما يسمى بسياسة الهوية؛حيث ضعضعت قيم الانتماء الجامعة واحدثت ندوباً وتصدعات عميقة في غور الجسد اليمني وشخصية اليمن الاعتبارية وانسانها، ففككت الروابط الجامعة والوشائج الحميمية والصلات الاجتماعية والاهلية وضربت امن واستقرار المجتمع الاهلي وسلمه. 9-ضربت منظومة القيم والأخلاق والروابط القرابية والولاءات الكبرى والاساس، كما اضرت بالأنساق الثقافية المتداخلة، وجعلتها غير متصلة الا كحرب غير متسقة الاّ كعنف وصراع، غير مستقرة الاّ كإنتقالات وتموضعات افقية وعمودية فولدت الخوف والشك من القادم وضرورة التأهب له وفقا للسيناريو الاسوأ. 10-شيئت الإغتراب وأبرزته ورسمت ملامحه وجدانيا وذهنيا، وافقدت الثقة معانيها الا بالتغلب والصراع والانتقام وروح الثأر اوالانهزام والتقهقر المريع. 11-افشت القهر المجتمعي نخبويا وشعبيا، كما اغتصبت الارادة القائمة والكامنة فاصبح الجميع في لحظة انكشاف شامل وان بدرجات متفاوتة. 12-هذا كله صب في صالح النعرات الضيقة والولاءات الاضيق او )الهوياتالقاتلة( كما يسميها معلوف او )العدمية( بحسب بشارة، الامر الذي شجع وأوجد لظاهرة التشيع والولاءات ماقبل دولتيه كاالعشائرية والقبلية وجرثومة المناطقية التي تتشبث بالجغرافيا، كما قسمت الناس وفقاً للمبدأ)من لم يكن معي فهو ضدي( وخلقت حالات من الصراع المستمر والمدمر وفقا للأعراف)انا عدو ابن عمي ومع ابن عمي ضد عدوي ( وهكذا دواليك من التوهان في متوالية متوازية لا متوازنة.-هذه الحروب اوجدت اقتصادها الخاص ونسقها الخاص وثقافتها الخاصة حيث اضحت الحروب تلك معيارا للحضور والابهة الزائفة وخطوة لامتلاك وحيازة القوة وامتلاك القدرة من ثم فأنتجت كيانات مسخ وقيم شوهاء وادعاءات مهترئة وساقطة بكل ما للكلمة من معنى.