يعيش المواطن اليمني غلاء الأسعار حالة ملازمة تشبه إلى حد بعيد مسلسلا مكسيكيا طويلا ما أن يصل إلى نهاية مرحلة من مراحله حتى ينبري منتجوه بالإعلان عن جزء تال من هذا المسلسل المقرف مؤكدين أن القادم سيكون أكثر إثارة وأوسع جمهورا. ومع أن الغلاء ملازم للمواطن اليومي لا على مدار الشهر. بل على مدار اليوم والساعة. إلا أن له في رمضان طابعه الخاص المميز. حتى صار هذا الوحش الكاسر مقترنا برمضان. ملتصقا به. وكأنه مظهرا من مظاهره. وتجليا من تجلياته. والبركة كل البركة في ذلك تعود إلى التجار الذين يحدّ الواحد منهم شفرته ويشرعها في وجه الشهر الفضيل مؤكدا بأفعاله المنافية لقيم المحبة والتراحم التي ينعشها هذا الموسم الإنساني أن رمضان أيضا. وربما يقول أحدهم أن هذا القول ينطبق فقط على الحيتان الكبيرة من التجار. لكن الواقع يشهد باشتراك الجميع في هذه الوليمة التعيسة. وأن هذه الحيتان النهمة تنتظم في حركة موحّدة هدفها الأول والأخير تجريد المواطن التعيس من كل مدخراته إذا بقي له شيء منها. وسلخه من الوريد إلى الوريد.. وعلى سجادة الشهر الفضيل. ارتفاع جنوني في أسعار المواد الغذائية. وفي أسعار متطلبات الشهر الكريم من العصائر والحلويات وغيرها من الكماليات. فإذا أبديت امتعاضا في وجه أحدهم ابتسم بصفاقة موجها اللوم لرمضااااان. وثمة بدائل رخيصة لهذا وذاك. ولكنها بدائل رديئة. دخلت البلاد ضحى. فحماية المستهلك في إجازة مفتوحة. وضمائر المستوردين وجهت بوصلتها إلى الربح والربح وحده. ولا شأن لها قبل ذلك وبعده برداءة المنتج وصلاحيته للاستهلاك الآدمي من عدمه. وإذا كان التجار وغيرهم من صانعي هذا الواقع البائس قد تمالئوا على سحق المواطن الغلبان وقلب المجن عليه في هذا الموسم الجميل فإنه لم يبق أمام المواطن عند مغرب كل ليلة من ليالي الشهر الكريم أن يسبق إفطاره بدعوات حارة على الظلمة صغارهم وكبارهم. وإنها لسلاح فتاك. خاصة تلك التي تطلقها الأفواه الجائعة. وتشيّعها الأيادي المرتعشة.