قال المخلوع صالح يخاطب رهطاً من بقاياه: هذه ثورة بلاطجة فتهامس البلاطجة من حوله دون أن يشعر: أولسنا نحن البلاطجة يا زعيمنا الذي علمتنا البلطجة على أصولها؟ وقال إن الثوار فاسدون ومفسدون فالتفت بعض الفاسدين الواقفين بجواره إلى بعض وصاحوا: ماذا جرى للمظلة التي ظلت عقوداً تقينا حرارة الشمس وقطرات المطر؟ هل اختل عقل صاحب التاكسي الذي يقل الفاسدين من مكان لآخر؟ هل نسي أنه ظل الحصن الحصين لعتاولة الفساد والإفساد 33 سنة؟ ولقد كشفت لنا الأيام القليلة الماضية أن مثلث برمودا الخاص بالمخلوع علي صالح وعياله لايزال يمارس القيام بدوره في التحريض على الفتنة والدعوة للاقتتال دون الاستفادة من فرصة الحصانة التي مُنحت له ومن عمل معه على امتداد ثلث قرن من الفساد والفشل والعجز والتخلف، وما صَاحَبَهَا من تدمير للدولة وقضاء على مؤسساتها، ناهيك عن الحروب والمشاكل والأزمات والمآسي التي ظلت عنواناً بارزاً لحكمه البائس. يعتمد صالح في مناوراته على مثلث تتوزع أضلاعه بين المكر والاستفزاز الذي يعد أبرز سمات شخصه وتجاوزات بلاطجته وبقايا عساكره الذين أوكل إليهم مهمة إشعال الحرائق كلما وجد ذلك ممكناً، وثالث أضلاعه يتجسد في وسائل إعلام آل أمرها لموتى الضمائر ونباشي القبور من الدخلاء والمتطفلين على الصحافة، وكل همهم ترويج الأكاذيب وإشاعة الفتنة ودق طبول الحرب دون مراعاة لأبسط الواجبات المهنية والأخلاقية، وكل ذلك يرونه واجباً عليهم القيام به ما دامت أيادي المال الحرام قادرة على رمي الفتات الحقير على رؤوسهم التي اعتادت أن تلهث من تحت أقدام سادتها. يتكئ صالح وهو يسير صوب الهاوية على ذات الوسائل التي أدمنها منذ صعوده الدامي إلى سدة الحكم، مزيد من المراوغة والخداع يتكفل بها هو نفسه دون غيره، ومن سواه يتقن هذه اللعبة التي يشبهها ب"الرقص على رؤوس الثعابين"، والبطش والقوة حين يجد إلى ذلك سبيلاً، ويكفيه هنا حفنة من القتلة والبلاطجة يأتمرون بأمره ويحركهم بإشارة من يده التي تدر عليهم المال المغموس بدماء الأبرياء ودموعهم، ولمثل هؤلاء يعود الفضل في إشعال نار الحروب ودق طبولها ولسان حالهم: قولوا لما يهواه سيدنا نعم! وثالثة الأثافي إعلام مخادع بلا ضمير يضم طابوراً من المرتزقة من ذوي الدفع المسبق الذين يتمايلون على إيقاع السلطة ويتراقصون على نغمات المال، سماعون للكذب وله مروّجون، يهوون الأزمات ولا يعيشون إلا في الخراب، يهيمون حباً في النفاق لمن يدفع لهم لقمة العيش الذليل ولا يجيدون سوى النعيق حسب الطلب، تفاخر بهم "جوبلز" وزير إعلام هتلر قائلاً: أعطني إعلاماً بلا ضمير أمنحك شعباً بلا وعي. بهذه الأدوات يخوض المخلوع حروبه التي كلما قلنا عساها تنجلي قالت الأيام هذا مبتداها، وبمثلها حاول أخوه قذافي "سرت" الاحتماء من ثورة الشعب لكنها لم تغن عنه شيئاً، بل كانت طريقه الموصل إلى حفرة الهلاك. قبل أيام سلّم للرئيس هادي قطعة قماش قال إنها علم الثورة، ثم لم يلبث قليلاً حتى بادر لجمع من تبقى في حظيرته ليخبرهم عن الفضائح التي يدخرها لساعة العسرة، وكأن حكمه الطافح بالفضائح من كل صنف ولون لم يكن سوى صفحة بيضاء ناصعة البياض، وكأن الشعب الذي خرج ثائراً عليه إلى الساحات على مدى عام كامل لم يخرج إلا ليطالبه بالبقاء على كرسي الرئاسة! قال صالح إنه لا يعرف سوى ثورة سبتمبر وأكتوبر و22 مايو، وهو المطلوب أن يعرفه بعد الذي حدث، يعني أن الثورة التي أطاحت بالحكم الهمجي المتخلف هي الثورة ذاتها سواء أكانت قبل خمسين سنة أو قبل سنة، المهم أن تعرف وتعترف إن الشعب الذي ثار يوماً سيثور مرة أخرى إن وجد في الحكم ثمة انحراف، وهو ما حدث معك حين خلعتك ثورة شعبية عارمة، حتى وإن كنت ترتدي بزة جمهورية لا تمت بصلة لعباءة من قامت ضدهم الثورة قبل نصف قرن، ولسان الحال ما قاله أبو الأحرار الشهيد الزبيري: و الحكم بالغصب رجعيٌ نقاومهُ حتى ولو لبس الحكام ما لبسوا والخلاصة إن المخلوعين صالح وإخوانه ظلوا سنيناً طويلة يدوسون الزهور لكنهم لم ولن يستطيعوا تأخير الربيع لحظة واحدة، والفارق بين صالح ومن سبقوه أنهم أدركوا بقليل من التضحيات أن لا أحد بمقدوره الوقوف في وجه عاصفة الشعوب وإعصارها المدوي، لكن صالح يرى في نفسه وزبانيته قوة تحول بينه وبين الثورة وهو ما يجعله في حال أصر على ذلك أقرب إلى حفرة القذافي ومصيره.